دار الإفتاء توضح كيفية صيام كفارة شهرين متتابعين
ADVERTISEMENT
قالت دار الإفتاء: إنه من المقرر شرعًا أن المؤقتات المعتبرة لأداء العبادات الشرعية واحتساب أيامها في الشريعة الإسلامية، هي الشهور الهجرية، فإن أطلق الشهر في الشرع انصرف إلى الشهر القمري ما لم يُخَصّ غيرُه بقرينة.
ولذلك خصَّ الشرع بعض الشهور والأيام بأداء بعض العبادات والفرائض فيها؛ كأشهر الحج، وصوم رمضان، وأيام العيدين ونحوها، فلا يصح أداء هذه العبادات إلا في هذه الشهور وتلك الأيام المخصوصة، وتحسب بدايتها ونهايتها بالأهلة؛ أي عند رؤية الهلال الذي يُعرف به مولد شهر جديد ونهاية شهر مضى أو في أثنائه؛ قال الله تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ» (البقرة: 189).
صيام الكفارة شهرين متتابعين
وفي ردها على سؤال، يقول السائل فيه: ما كيفية ابتداء وإتمام صيام كفارة شهرين متتابعين إذا بدأ الصوم أثناء الشهر؟ فقد وجب عليَّ صيام شهرين متتابعين كفارةً، فهل يجوز لي أن أبدأ صيام الكفارة في أثناء الشهر الهجري، وكيف يُحْسَبُ الشهران إذا بدأت الصيام في أثناء الشهر؟
أوضحت دار الإفتاء، أن مَن وجب عليه صيام شهرين متتابعين إذا شرع في الصوم من بداية الشهر القمري أو في أثنائه: جاز ذلك بلا خلاف بين العلماء؛ قال الإمام ابن قدامة في (المغني): «ويجوز أن يبتدئ صوم الشهرين من أول شهر، ومن أثنائه، لا نعلم في هذا خلافًا؛ لأن الشهر اسمٌ لما بين الهلالين ولثلاثين يومًا، فأيهما صام فقد أدى الواجب» اهـ.
وإذا بدأ صيام الشهرين بالأهلة: أجزأه ذلك بالإجماع؛ سواء كانا تامَّين أو ناقصَين؛ أي: وإن لم يكن مجموع الشهرين ستين يومًا، وكذلك إن بدأ صيام كفارته بالأيام دون الأهلة: أجزأه ذلك إذا صام ستين يومًا بالإجماع؛ كما في (الإشراف) للإمام ابن المنذر، و(المغني) للإمام ابن قدامة، و(الإقناع في مسائل الإجماع) للإمام أبي الحسن بن القطان.
أما إذا بدأ صيام الكفارة أثناء الشهر: فإنَّ عليه أن يصوم ما بقي من الشهر بالعدد، ويصوم الشهر الذي بعده بالهلال؛ تامًّا كان أو ناقصًا، ثم يتمّم عدد الشهر الأول الذي بدأ في أثنائه من الشهر الثالث ثلاثين يومًا؛ فلو بدأ صوم كفارته في شهر الله المحرَّم فصام منه عشرة أيام مثلًا فإنه يصوم شهر صفر بالهلال؛ سواء كان كاملًا أو ناقصًا، ثم يكمل من شهر ربيع الأول عشرين يومًا؛ وهذا ما نص عليه جمهور الفقهاء؛ من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو قول الإمام محمد بن الحسن الشيباني، والقاضي أبي يوسف في إحدى الروايتين، وهما من فقهاء الحنفية.
قال العلامة الخرشي المالكي في (شرحه لمختصر خليل): «إذا ابتدأ الصوم من أول يوم في الشهر: فإنه يصوم الشهرين بالهلال؛ سواء كانا كاملين أو ناقصين، وأما إذا ابتدأ الصوم في أثناء الشهر: فإنه يصوم بقية ذلك الشهر الذي ابتدأ فيه الصوم، ويصوم الشهر الذي بعده بالهلال، ثم يكمل الأول المنكسر من الشهر الثالث، فلو صام من المحرم عشرة أيام مثلًا: فإنه يصوم صفرًا بالهلال؛ سواء كان كاملًا أو ناقصًا، ثم يكمل من ربيع الأول ما بقي من المحرم» اهـ.
بدء الصيام من أول الشهر الهلالي وفي أثنائه
وأكدت دار الإفتاء، أن خلاصة ما سبق: أن مَن وجب عليه كفارة صيام شهرين متتابعين يجوز له أن يبدأ صيام كفارته من أول الشهر الهلالي وفي أثنائه بالإجماع؛ فإن بدأ صومه من أول الشهر واستمر في صومه حتى استوفى شهرين كاملين أجزأه ذلك بالإجماع؛ سواء كان هذان الشهران تامَّين أو ناقصَين، وإن صام بالأيام ستين يومًا أجزأه ذلك أيضًا بالإجماع، وأما إن بدأ أثناء الشهر؛ فعلى قولين:
الأول: أنه يصوم ما بقي من الشهر الذي بدأ فيه، ويصوم الشهر الذي بعده بالهلال -تامًّا كان أو ناقصًا-، ثم يتمّم صيام الشهر الأول من الشهر الثالث ثلاثين يومًا، فلو بدأ صوم كفارته في شهر الله المحرَّم فصام منه عشرة أيام مثلًا؛ فإنه يصوم شهر صفر بالهلال، ثم يصوم من شهر ربيع الأنور عشرين يومًا؛ كما هو مذهب جمهور الفقهاء؛ من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو قول الإمام محمد بن الحسن الشيباني، ورواية عن القاضي أبي يوسف من فقهاء الحنفية.
والثاني: أن المُعتبَر في احتساب الكفارة من أثناء الشهر هو الأيام لا الأهلة؛ أي: إذا صام أثناء الشهر؛ فإنَّ عليه أن يصوم ستين يومًا عددًا؛ كما هو قول الإمام أبي حنيفة، والقاضي أبي يوسف في الرواية الأخرى، والإمام الزهري.
وفي واقعة السؤال: فإذا ابتدأت صيام الشهرين المتتابعين في أثناء الشهر القمري؛ فَإنَّ لَكَ أن تصومَ ما بقي من الشهر بالعدد، وتصوم الشهر الذي بعده بالهلال -تامًّا كان أو ناقصًا-، ثم تصوم من الشهر الذي بعده ما يُتمّم الشهر الأول ثلاثين يومًا، أو تصومَ ستين يومًا عددًا، ولا حرج عليك؛ فالأمر في ذلك واسع.