د. عاصم حفني: الدين ليس عائقًا عن التقدم.. والتدين هو سبب تأخر المسلمين (حوار – الجزء الثالث)
ADVERTISEMENT
◘◘ أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية في حواره لـ «تحيا مصر»:
◄ الأسطورة مكون رئيس في العقلية العربية والإسلامية والمصرية بشكل خاص.. وإذا ظللنا نؤمن بهذه الخرافات سنبقى في الحضيض
◄ فكرة أن كل شخص يكره غيره يستطيع إلحاق ضرر به تتعارض مع القدرة الإلهية.. وتخريج جيل متعلم أول خطوة نحو التقدم
◄ قضية الميراث ليست فرعية.. وهي مكون أساسي للمجتمع.. وهناك مسائل فيها تتعدى الظلم وتحتاج إلى وضع حلول جذرية لها
◄ نزع السحر عن الأفكار ووضع مسألة الإيمان بالجن والحسد في حيز ضيق هما أول خطوة نحو التطور
يقول الدكتور عاصم حفني، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية، في الجزء الثالث من حواره لـ «تحيا مصر»: إن الخرافة والأسطورة والجن مكون رئيس في العقلية العربية والإسلامية والمصرية خاصة، وإذا جاز لنا الحديث عن الحضارة الغربية وكيف تقدمت وتطورت وهي ليست نموذجًا يُحتذى به ولكن مثال على التطور، وكما قلنا إن التراث يؤخذ منه ويرد عليه، فكذلك الحضارة الغربية يؤخذ منها ويرد عليها.
وأوضح أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية، أن تفكيك فكر تنظيم داعش الإرهابي سيدفعنا للحديث عن الخمار وعن دور المرأة، وهو ما يعني أن جميع القضايا متداخلة؛ لأنه بناء متكامل يكبر ويصبح وحشًا متغولًا لأننا تركناه يكبر، ومجابهته من المفكرين تكون عن طريق التعامل مع الأسئلة البسيطة سؤالًا فوق سؤال، ومن رجال الأمن أو من الدولة كسلطة تواجهه بالقوة... وإلى نص الجزء الثالث من الحوار:
- الناس في مصر والعالمين العربي والإسلامي مشغولون بالحديث عن الجن والسحر، ويرجعون كل إخفاق في حياتهم إلى هذه الأمور؛ لماذا أصبح العقل الجمعي الإسلامي عقلًا متلبسًا بالخرافة والأساطير؟
- للأسف الخرافة والأسطورة والجن مكون رئيس في العقلية العربية والإسلامية والمصرية خاصة، وإذا جاز لنا الحديث عن الحضارة الغربية وكيف تقدمت وتطورت وهي ليست نموذجًا يُحتذى به ولكن مثال على التطور، وكما قلنا إن التراث يؤخذ منه ويرد عليه، فكذلك الحضارة الغربية يؤخذ منها ويرد عليها، ولكن قضية التطور فيما يتعلق بعملية الدين يُستفاد منه الكثير ليس حرفيًا أو نقطة بنقطة، ولكن الكثير منه يُفيدنا، أول ما قامت به الحضارة الغربية فيما يتعلق بالتنوير هو نزع السحر عن الأفكار.
وبما أن الأفكار بشرية، والأدوات في الوصول إلى المعرفة كذلك بشرية؛ فالمعرفة لا ترتبط بالسحر، ولذلك نزع السحر هو أول خطوة نحو التقدم والتطور. البداية يجب أن تكون من نزع السحر عن الأفكار، ووضع فكرة الإيمان بالسحر والجن والحسد في حيز ضيق.
وإذا استطعنا أن نخرج جيلا متعملًا لا يؤمن بهذه الخرافات ستكون هذه أول خطوة نحو التقدم، وأقصد بالخرافة هنا ما نسمعه عن تأثير الجن على الإنسان، وليس وجود الجن؛ فالجن موجود وهذه قضية حسمها القرآن ونحن نؤمن بها، ولكن لا يهمنا ما هي قدراتهم، أو ماذا يفعلون، لأنك أنت الإنسان الأقوى، وأنت المكلف: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا» (الأحزاب: 72).
وإذا ظللنا نؤمن بهذه الخرافات سنقبع ونظل في الحضيض؛ لأننا سنرجع كل فشل عندنا إلى قوة غيبية هي السحر. وفكرة أن كل شخص يكره غيره يستطيع أن يضره تتعارض مع القدرة الإلهية، أين الإيمان بالله سبحانه وتعالى؟ أين الإيمان بقدرته؟ وأين الإيمان بالمسؤولية الشخصية عن الأفعال؟ هذه أمور تتعارض مع الفكر، ومع أسس الدين، ومع تنمية الحياة والاستقرار فيها.
- لماذا تأخر المسلمون بينما تقدم غيرهم؟ وهل صحيح ما يقوله البعض: إن الدين هو سبب تأخر المسلمين؟
- إجابة هذا السؤال تحتاج إلى تحديد معنى الدين؛ لأننا لو قلنا إن الدين هو ممارسات المسلمون اليومية ستكون العبارة صحيحة، وسيصبح الدين (الذي هو هنا بمعنى التدين) عائق عن التقدم.
ولكن إذا قلنا إن الدين هو ذلك النص الموحى من الله ليعالج بعض قضايا دنيوية، ومتروك للإنسان أن يفهم النص تحت ظل أو متأثرًا بظروف زمانه ومكانه ليدفعه إلى الأمام؛ فهنا ستكون المشكلة ليست في الدين، ولكن في هذا المُستقبل للدين الذي هو غير مستعد أن يكون فهمه تنويريًا تطويريًا يتماهى مع الزمان والمكان.
والدين ليس جانب معاملاتي فقط، ولكن هناك جانب عباداتي طقوسي مهم للجانب الروحي، ولا نستطيع أن نستغنى عنه، خاصة للمؤمن؛ لأنه يعالج أمورًا كثيرة داخل روح الإنسان. هذا الإنسان الذي لديه أسئلة كثيرة عن: ماذا بعد الموت؟ ماذا عن الكوارث الكبرى في العالم؟ ماذا عن الضرر الذي أصابني بعد أن فعلت كل ما عليَّ؟ هنا الجانب العباداتي مريح للإنسان.
- هل المتصدر لتجديد الخطاب الديني شاغله الأول والأهم هو الهجوم على رموز إسلامية، والإنشغال بقضايا فرعية مثل: الحجاب، والمساواة بين الذكر والأنثى عند تقسيم الميراث... وغيرهما، أم أنه يجب أن ينشغل بالقضايا الأهم والتي في مقدمتها تفكيك الفكر المتطرف والإرهابي، وإعادة إحياء العقل النقدي، وفتح باب الاجتهاد... إلخ؟
- تقسيم القضايا إلى فرعية وهامة أو رئيسية أنا متفق معك فيها، لكن أمثلة القضايا الفرعية وأمثلة القضايا الكبرى من الممكن أن نتكلم فيها؛ لأن قضية الميراث ليست بالقضية الفرعية، لأنها تمثل مكون أساسي للمجتمع، حتى إذا وجدنا لها حلا يرضي جميع الأطراف كما يقولون، فهناك مسائل أخرى في الميراث تتعدى للظلم، وتحتاج إلى بحثها ووضع حلول جذرية لها، ولذلك هذه قضية ليست فرعية.
- فرعية بمعنى أنها لا تمثل مشكلة كبرى تؤرق المجتمع الإسلامي؟
- هذا صحيح طبعا، هناك أولويات بلا شك، ولكن العقلية النقدية التنويرية إذا بدأت في التفكير فكل هذه القضايا بالنسبة لها قضايا مهمة، لأن القضية تبدأ بالخطوات البسيطة؛ فعلى سبيل المثال إذا أردتُ أن أبنى هرمًا فلن أبنيه دفعة واحدة بل بالتدريج، وإذا كانت القضايا المهمة كبيرة فهي دائمًا تبدأ بالأسئلة البسيطة، وبلا شك أن هناك أولويات وكمثال أنا لا أتحدث عن الحجاب في وجود ظلم بين الجنسين في الوظائف، أو في العدالة الاجتماعية..
- أو في ظل انتشار خطر إرهاب داعش كمثال..
طبعا، ولكن داعش نفسها ستدفعني للحديث عن الخمار وعن دور المرأة، وهو ما يجعلني أؤكد أن جميع القضايا متداخلة؛ فإذا أعطيتني صورة من داعش - وهو فكر إرهابي ومتطرف لابد من مواجهته وهذه قضية كبرى بلا شك - ستجد عندما تفكك هذه القضية الكبرى أنها تقودك إلى النقاب والحجاب ودور المرأة في البيت وهل المرأة أمَة أم حرة لأنهم يقومون بذلك؟ ستضطر أن تتعامل مع هذه القضايا؛ لأنه بناء متكامل يكبر ويصبح وحشًا متغولًا لأننا تركناه يكبر، ومجابهته من المفكرين تكون عن طريق التعامل مع الأسئلة البسيطة سؤالًا فوق سؤال، ومن رجال الأمن أو من الدولة كسلطة تواجهه بالقوة.
فالقضايا التي تبدو أحيانًا بسيطة هي مكون صغير للمشكلة الكبرى، ولذلك هي أيضًا تحتاج إلى التعامل معها ولكن مع الأولويات.