عاجل
الأحد 22 ديسمبر 2024 الموافق 21 جمادى الثانية 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

د. عاصم حفني: تجديد الخطاب الديني هو قضية الساعة.. والتراث ليس مقدسًا (حوار – الجزء الأول)

الدكتور عاصم حفني
الدكتور عاصم حفني في حواره لـ تحيا مصر

أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية في حواره لـ «تحيا مصر»:

◄ حتى الآن لم نقطع شوطا واحدا في طريق تجديد الخطاب الديني.. وكل ما سوى القرآن فهم بشري لإسقاط النص على الواقع

◄ المؤسسة الدينية لا تطور مناهجها بالشكل الكافي.. وعقول طلابها غير مقتنعة بتجديد الخطاب الديني

◄ السعودية حققت قفزات سريعة نحو فهم ديني يتماشى مع ظروف ومقتضيات العصر

◄ هناك عوائق كثيرة تقف أمام تجديد الخطاب الديني.. أخطرها أن المزاج العام أصبح «سلفي وأوصولي»

◄ عجلة التاريخ لن تقف وإما أن نسايرها أو تدهسنا.. وتجديد المفاهيم الدينية يحتاج إلى وقت

الدكتور عاصم حفني في حواره لـ تحيا مصر

يُعد الدكتور عاصم حفني، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية، أحد أهم أساتذة جامعة الأزهر المعنيين بقضية تجديد الخطاب الديني؛ إذ أن أطروحاته في هذا المجال تُثري التجديد، وتتميز بجرأتها، وتمثل شعاعًا من النور الذي يُعيد إلى الأذهان مشاهد تلك الشموع التي أوقدها الشيخ حسن العطار، ورفاعة رافع الطهطاوي، وأمين الخولي، والإمام محمد عبده، ليضيئوا بها طريق التجديد المُظلم من كثرة الجمود وطول بقائه.

يعيش «حفني»، منذ سنوات في ألمانيا؛ فهو عقلٌ من عقول مصر النابغة، المتميزة، المهاجرة؛ إذ يُدرس في جامعة مونستر الألمانية الدراسات الإسلامية وله مئات الطلاب من مختلف دول العالم، وخلال الأيام الحالية يزور مصر في أجازة له، وهو ما اعتبرناه فرصة سانحة لإستضافته في صالون «تحيا مصر»، وإجراء هذا الحوار الفكري معه.

الدكتور عاصم حفني، يقول: إن تجديد الخطاب الديني هو قضية الساعة وكل ساعة منذ ظهور الإسلام وحتى يومنا هذا، ولو قسنا قضية التجديد على ما هو مأمول ومنتظر بعد مرور كل هذه القرون، نجد أننا - حتى الآن - لم نقطع شوطًا واحدًا في طريق التجديد.

أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية، يرى أن عوائق تجديد الخطاب الديني كثيرة، وهي لا تتعلق بالمؤسسة الدينية فقط، بل تتعلق أيضًا بالمُستقبل وهم جماعة المسلمين، فهناك حالة تسلف في المجتمع المسلم، والمزاج العام عند المسلمين أصبح «متسلف وأوصولي»، ولا شك أن تغيير المفاهيم الدينية إلى الأفضل يحتاج إلى وقت لترسيخ هذه المفاهيم والاقتناع بها وممارستها، والأهم اقتناع المُستقبل أن هذا التغيير لن يبعده عن الدين وعن الله سبحانه وتعالى.. وإلى نص الجزء الأول من الحوار:

◄  نبدأ من قضية تجديد الخطاب الديني -حديث الساعة وكل ساعة-: هل ترى أننا في مصر - بوجه خاص - وفي العالمين العربي والإسلامي - بوجه عام - قطعنا خطوات جادة وملموسة في طريق تجديد الخطاب الديني؟

- تجديد الخطاب الديني هو قضية الساعة وكل ساعة على مدار أربعة عشر قرنًا، منذ ظهور الإسلام وحتى يومنا هذا، ولو قسنا قضية التجديد على ما هو مأمول ومنتظر بعد مرور كل هذه القرون، نجد أننا - حتى الآن - لم نقطع شوطًا واحدًا في طريق التجديد.

ولكن عندما نقيس بعض القضايا التجديدية مثلًا في الأزهر - أهم وأكبر مؤسسة دينية في العالم - لو قسنا خلال فترة موجزة من بعد ما عرف بثورات أو أحداث الربيع العربي حتى الآن نجد أن هناك قفزات تجديدية، وإن كانت لم تحقق كل الأهداف المرجوة، إلا أنها قفزة سريعة قياسًا على ما سبقها من فترة جمود طويلة.

والتجديد في ما قامت به مؤسسة الأزهر مثلًا، يحتاج إلى وقت حتى تستقر تلك الأفكار، يعني ما جاء في وثائق الأزهر الشهيرة المعروفة من أمور تجديدية واضحة مثلا في ما يتعلق بأمور الخلافة، وقضايا الحريات، وقضايا المرأة، لم يصل بعد إلى المعاهد حيث يُدرس بها لكي يتعلمه وينشأ عليه النشء والشباب - شيوخ المستقبل – ويعتادوا أن هذا هو الفهم العصري للإسلام.

الدكتور عاصم حفني - استاذ الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر

◄ تقصد أن العقل الجمعي ما زال حتى يومنا هذا غير مقتنع بهذه القضايا التجديدية؟

- عقل الطالب الذي يدرس في الأزهر هو الذي ما زال غير مقتنع بهذه القضايا التجديدية، وليس فقط العقل الجمعي المتسلف الموجود خارج المؤسسة الأزهرية، وهذا مثال على ما يواجهه التجديد من عوائق داخل مصر.

وإذا نظرنا إلى الوطن العربي كمثال أكبر؛ نجد أن دولة مثل السعودية قفزت في مجال تجديد الخطاب الديني قفزات سريعة في فترة وجيزة، أسرع بكثير من قفزات الأزهر، ولو قسنا مستوى الوعي الجمعي والتدين وفهم الدين في مصر قبل عام 2011 م وما بعده، ومستوى الوعي الجمعي والتدين وفهم الدين في السعودية قبل وبعد فترة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، ستكون خطوات التجديد التي قامت بها المملكة العربية السعودية بتوجيه من ولي العهد هي أكبر وأسرع بكثير جدا نحو فهم يتماشى ويتماهى مع ظروف ومقتضيات العصر.

فهذا التغير الذي حدث في السعودية قياسا على ما قبله، هو تغير متطور وينظر إلى الإسلام في القرن الواحد والعشرين كيف سيتعايش مع التحديات التي تزداد يومًا بعد يوم. وإن كان الواقع والصورة العامة في مختلف الدول الإسلامية يؤكد أننا نصل إلى المأمول في طريق تجديد الخطاب الديني.

ولكن هذه المؤشرات سواء في الأزهر على قلتها، أو في السعودية على كثرتها، تُعطي أملًا كبيرًا في أن المستقبل سيفتح أفاقًا أكثر نحو فهم للإسلام يتعايش مع مفهوم الدولة الحديثة، ومع تحديات العصر، ويستمر، تحقيقًا للمقولة المعروفة: «الإسلام صالح لكل زمان ومكان».

الدكتور عاصم حفني في حواره لـ تحيا مصر

◄ ما هي العوائق التي تقف حائلًا دون وصولنا إلى تجديد حقيقي للخطاب الديني؟

- العوائق كثيرة، وهي لا تتعلق فقط بالمؤسسة الدينية، بل تتعلق أيضًا بالمُستقبل وهم جماعة المسلمين، فهناك حالة تسلف في المجتمع المسلم، والمزاج العام عند المسلمين أصبح «مزاج متسلف وأوصولي».

ولا شك أن تغيير المفاهيم الدينية إلى الأفضل يحتاج إلى وقت لترسيخ هذه المفاهيم والاقتناع بها وممارستها، والأهم اقتناع المُستقبل أن هذا التغيير لن يبعده عن الدين وعن الله سبحانه وتعالى.

أما عن عوائق تجديد الخطاب الديني من جانب المؤسسة الدينية، المسؤولة عن هذا الشأن؛ فيأتي في مقدمتها أنها لا تطور مناهجها بالشكل الكافي، وحتى في حالة الوثائق التي أصدرتها المشيخة إبان فترة الربيع العربي والتي احتوت على الكثير من الأفكار التجديدية إلى حد كبير فهي لم تصل إلى النشء الذي بدوره سيقوم بتوصيلها لاحقًا إلى الأجيال الأصغر منه، ولو وصلت هذه الأفكار إلى طلاب الأزهر في مرحلة مبكرة (المرحلة الإعدادية مثلا) وهضموها واستوعبوها - حتى لو كان هناك بعض اعتراضات صغيرة من المزاج المتسلف - سيتطور هذا الفكر وينمو بشكل كبير في المرحلة الثانوية، ثم في المرحلة الجامعية تكون مرحلة التفكير والنقد؛ فإذا تولى الواحد من هؤلاء عملية التدريس سينقل هذه المفاهيم الدينية الجديدة وذاك الفهم المتطور للمُستقبل سواء في المسجد أو عبر وسائل الإعلام أو في المعهد الذي سيتولى التدريس فيه.

وهذا التغير هو أفضل طريقة للتغير أو التطور، وهو يرتكز على أن نبني من الصغر وبالتدريج، أما الصدمات فلها ايجابياتها، ولكن قد يكون لها تأثير سلبي كبير - أيضًا -.

الدكتور عاصم حفني في حواره لـ تحيا مصر

◄ عند التعامل مع التراث الإسلامي يظهر لدينا فريقان متصارعان؛ أحدهما يرى أن التراث مقدسٌ ولا يجوز الاقتراب. بينما الفريق الثاني يرى أن التراث لم يعد صالحًا لزماننا المعاصر ويجب التخلص منه؛ كيف ترى هذين الاتجاهين؟

- كلمة «مقدس» في اللغة العربية لا يوصف بها سوى الله سبحانه وتعالى، وكل ما عدا الله حتى النص القرآني اسمه قرآن كريم أو كتاب محفوظ، وكلمة مقدس أتت إلينا من فكر آخر، ومن هذا المنطلق أؤكد أن التراث ليس مقدسًا، لكنه في ذات الوقت لا يُهمل؛ لأنه لا يمكن أن تبني دون أساس.

كما أن من أنتج لنا هذا التراث هي عقول مسلمة فكرت كيف توفق بين النص الموحى - الذي يكتسب القداسة من حيث أنه موحى من الله - وبين الواقع الذي كانوا يعيشون فيه، وحتى الحضارة الغربية عندما أرادت أن تنهض من ثباتها فيما عُرف بـ عصر النهضة، اقتبست في عصر نهضتها أفكارًا من الحضارة اليونانية القديمة.

والتراث به صورة صادقة عن التوافق أحيانًا، وبه صور كثيرة ومتعددة عن الاختلاف؛ لذلك هذا التراث عندما نغربله نجد أن معظمه أتى في عملية تناحر وتقاتل بين المسلم وأخيه المسلم، ولذلك لا يمكن أن يكون هذا التراث له نفس قيمة قيم أخرى ثابتة في الدين مثل العدل والخير، أو له نفس قيمة الجانب التعبدي مثل الصلاة والصيام؛ فهذه القيم ثابتة، أما هذا التراث - الذي حاول أن يثبت أو يستمر في مرحلة الخلاف والصراع - فهو يفيد فقط في أنه تجربة بشرية لإسقاط النص على الواقع، ويعطينا صورة وأمل أن نثق في أنفسنا في أن تكون لنا تجربتنا البشرية في إسقاط النص على واقعنا هذا.

الدكتور عاصم حفني في حواره لـ تحيا مصر

◄ قلت إن التراث لا يُهمل لأنه لا يمكن أن تبني دون أساس؛ فهل تراثنا يقبل أن نبني عليه وصولا إلى تجديد مثالي للخطاب الديني أم أن هذا التراث غير قابل للبناء عليه؟

- هنا يأتي دور العقل البشري الحالي؛ فهو الذي يحدد أي أساس يمكن أن يُبنى عليه دون أن يُهدم البيت، وأي أساس لم يعد صالحًا للبناء عليه، أو هو في الأصل لم يكن أساسا ولكنه نشأ في ظل صراع وحروب وتناحر.

والمنوط بهم تحديد قابلية الأساس للبناء عليه من عدمه هم المشتغلين بالشأن الديني؛ فهذا دورنا المتمثل في التوضيح والتأكيد على أن هناك فرق بين الرأي البشري في القيمة، وبين القيمة ذاتها، فمثلا؛ إذا قلنا: إن الدين يحض على السلام؛ فالسلام قيمة لا تتغير، ولكن كيف نبنيها؟ ما هو البيت الذي يعبر عن السلام؟.

قديما قسم الفقهاء الدول إلى دار الحرب ودار الإسلام، ووقتها كان هذا التقسيم هو صورة صادقة لـ العدل، قياسًا على ظروف زمانهم وعلى المحيط العالمي حينذاك، وكانت من صور العدل الصادقة أيضًا أن يكون هناك إماء وعبيد حقوقهم أقل من الأحرار، ولكن في وقتنا المعاصر هذه الصورة لم تعد صالحة وذلك بعد أن نشأ مفهوم جديد للتعايش وهو الدولة الحديثة الديمقراطية الدستورية التي لا تفرق بين مواطنيها، إذن أصبح هناك صورة أخرى من صور العدل، وهي ألا يكون هناك فرق بين إنسان وغيره، أو بين مسلم ومسيحي، أو بين متدين غير متدين، طالما أنه يجمعهم إطار قانوني واحد وهو الدستور، وطالما أن الكل التزم بقيم وقواعد هذا الدستور. ولا نعرف بعد 500 سنة من الآن ما هو الإطار الذي سيتوافق عليه الإنسان؟ فنحن نساير الزمن مع تطوره؛ لأن عجلة التاريخ لن تقف إما أن تسايرها وإما أن تدهسك.

تابع موقع تحيا مصر علي