عاجل
الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق 19 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

د. عاصم حفني: من يدرسون العلوم الدينية يقدسون الماضي بكل مكوناته ويشيطنون الحاضر (حوار – الجزء الثاني)

الدكتور عاصم حفني
الدكتور عاصم حفني في حواره لـ تحيا مصر

◘◘ أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية في حواره لـ «تحيا مصر»:

◄ عملية نقل التراث يجب أن تكون شمولية وليست اجتزائية.. العقل الأزهري قاصر الرؤى في التعامل مع التراث

◄ المسلمون يرفضون دفع الزكاة للدولة.. ويعتبرون التهرب من الضرائب أمر جائز شرعا.. ونحتاج إلى رجل اقتصاد يضع حلا لهذه الأزمة

◄ علاقة الزكاة بالضرائب من القضايا الكبرى التي نحتاج لبحثها.. وتضيع على المسلمين وعلى مصر بشكل خاص مليارات الجنيهات سنويا

◄ «الاجتماع السياسي» أهم علم له علاقة بالدين.. وأستاذ الاجتماع السياسي يزيد أهمية عن الفقيه الذي يخرجه الأزهر

◄ بعض المشتغلين بالتنوير يتخذون من نقد التراث وسيلة للهجوم على الدين كله.. و«نقض» رموز الإسلام لن يُفيد تجديد الخطاب الديني

◄ كيف يعم الدين الحياة والمشايخ يقصرون فهمه على أشخاص لم يتدربوا على كل شئون الحياة؟

◄ إذا أردنا أن يستمر الدين ويبقى فعلينا فتح مجال الحديث والتفكير فيه والتعامل معه وفهمه لكل مكونات المجتمع

الدكتور عاصم حفني في حواره لـ تحيا مصر

يواصل الدكتور عاصم حفني، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية، في الجزء الثاني من حواره لـ «تحيا مصر»، حديثه حول رؤيته لتجديد الخطاب الديني، وكيفية التغلب على العوائق التي تقف حائلًا دون وصولنا إلى الغاية والمأمول في هذا الطريق.

ويكشف أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية، عن الطريقة المُثلى للتعامل مع التراث الإسلامي، وفقًا لرؤيته التي توصل إليها بعد سنوات من البحث والقراءة المتأنية، وهل يُقر أولئك الذين دأبوا على مهاجمة رموز إسلامية مثل: الإمام البخاري، والشيخ الشعراوي.. وغيرهما، والمقصود بالهجوم هنا: نقد الأشخاص وليس الأفكار؛ أم أنه يرفض هذا الهجوم ويراه مُضرا بالتجديد.. وإلى نص الجزء الثاني من الحوار:

◄ ما هي الطريقة المُثلى للتعامل مع التراث؟

- في تصوري كباحث ومسلم مهتم بالشأن الديني، وأيضًا كآمل في مكان وموطأ قدم يليق بالإسلام، أتصور أن أفضل تعامل مع التراث هو: أن نقول ونؤمن ونعتقد أن القرآن نص مقدس مفارق للطبيعة، يعني أنه أتى من مصدر مفارق للطبيعة وهو الله سبحانه وتعالى، هذه القضية قضية إيمانية لا يُسأل عنها كيف ومتى؟ إما أن تؤمن أو لا تؤمن، ونحن نؤمن بها ونحترم من لا يؤمن بها.

يأتي بعد ذلك؛ أن كل تعامل مع هذا النص حتى لو كان من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم - فيما عدا إذا أخبر عن ربه - هو تعامل بشري يخضع لقاعدة الصواب والخطأ، وفي حالة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يوصف بالخطأ بالمعنى الحرفي للكلمة، ولكن المقصود أن فهمه صلى الله عليه وسلم كان مرتبطًا بظروف زمانه ومكانه؛ فلا يوجد قداسة لأي فهم لهذا النص المقدس (إذا جاز استخدام لفظة المقدس) في إسقاطه على الواقع؛ فكل ما قيل سواء قبل نشأة المذاهب الفقهية المختلفة أو أثناء نشأتها أو بعد نشأتها يمثل قيمة في حد ذاته كتجربة ومثال واقعي للفهم البشري لهذا النص.

وعلى سبيل المثال عندما أُدرس رأيًا فقهيًا للإمام أبي حنيفة النعمان، أو لأي واحد من الأئمة سواء كان: مالك، أو الشافعي، أو ابن حنبل، اسأل طلابي: ماذا لو أن أبا حنيفة عاش اليوم؟ ثم امنح أحدهم الحرية بشكل أكبر وأقول له: أنت الآن أبا حنيفة ماذا ستقول وكيف ستحكم في هذه المسألة؟

إذا منحنا الطلاب هذه الإمكانية، وقلنا لهم إن ما سيقومون به من تفكير ليس فقط مقبولًا، بل هو مطلوب ومرجو ولهم عليه ثواب؛ ستتفتح الأفاق حتى يتجاوزن المذهبية، بمعنى أنهم سيبنون على المذاهب الفقهية المختلفة ويأخذون منها طريقة التفكير.

ولكن إذا قلنا لهم: ليس في الإمكان أبدع مما كان، ومن أتوا بهذا الرأي كانوا أقرب جيلًا للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهم الأدرى بكذا وكذا وهم الأكثر علما وفهما...؛ فنحن بهذا نغلق الأبواب مباشرة أمام هؤلاء الطلاب الذين يعيشون في عصر التكنولوجيا والكمبيوتر والانفتاح وما غير ذلك.

وللأسف ما يحدث في التدريس، أنهم يقومون بتقديس الوقت والزمان والعصر الماضي بكل مكوناته، وهذا غير صحيح بالمرة، كما أنهم أيضًا يقومون بشيطنة هذا العصر، وهذا أيضًا غير صحيح بالمرة، والآن نحن لدينا وسائل تكنولوجية حديثة تمكن الجميع من رؤية ما كان موجودًا، لكنه لم يكن يُرى في السابق.

وبالتالي عملية نقل التراث يشترط ألا تكون اجتزائية؛ بل يجب أن تكون صورة شمولية، ويُعطى الطالب الأحقية في أن يقول رأيه في ذلك. وأعتقد أن هذه هي أفضل طريقة للتعامل مع التراث؛ لأنه في هذه الحالة لن يُمحى لأننا ندرسه بالفعل، بل سيستمر ويبقى، ولكننا سنتعامل معه بطريقة نقدية ابتكارية تنويرية ستدفعنا إلى الأمام مع وجود هذا التراث.

الدكتور عاصم حفني في حواره لـ تحيا مصر

◄ من الذي له الحق في تحديد - أو في الحكم على - ما يصلح من التراث لكي نأخذه ونبني عليه؟

- العقل البشري الحالي هو الذي يحكم على ما نأخذ وما نترك، حتى لو قلّ جدًا ما نأخذ، فالعبارة ليست فضفاضة بهذا المعنى، ولكن حتى لو وصلنا إلى رفض كل ما أتى به العقل البشري السابق (أي أن تكون النتيجة أنه لا يوجد لدينا أي رأي فقهي قديم مستخدم) واعتمدنا على البنية الفكرية للتراث التي تساعدنا على الوصول لآراء أخرى، هذا وإن كان صعب تصوره ولكنه مقبول وليس هناك ما يمنع من ذلك.

◄ بعض من يعملون في الحقل التنويري مُصرون على مهاجمة رموز إسلامية مثل: الإمام البخاري، والشيخ الشعراوي.. وغيرهما، والمقصود بالهجوم هنا: نقد الأشخاص وليس الأفكار؛ فهل هذا الهجوم أفاد التجديد أم أضر به؟

- بعضها أفاد وبعضها أضر؛ لأن العلاج بالصدمة مفيد إذا كان مقصود به العلاج، فإذا كان هذا الذي ينتقد فعلا يُريد التغيير عن طريق العلاج بالصدمة بأن وضح لك آراءً غير معروفة أو صدمك بمواطن معينة في التراث غير معروفة أو يجهلها الكثيرون، وبينّ لك كيف تتعامل معها، إذا كان يقصد من هذا أن تُصدم وتراجع نفسك فهذا أمرٌ محمود لأنه في النهاية سيساعد في العلاج.

ولكن البعض الآخر يستخدم طريقة العلاج بالصدمة ليركز على إظهار مسائل تقليدية أو غير مناسبة ذكرت في التراث، ويستغل هذا ليس للطعن في التراث؛ بل للطعن في الدين ككل، وهؤلاء يركزون في طعن أو نقد الأشخاص أنفسهم دون نقد الأفكار، لذلك أنا أتفهم ما يقوله بعض شيوخ الأزهر من أن هؤلاء يريدون النقض وليس النقد، وأنا أقول: نعم منهم كثيرون يريد النقض، ومنهم قليلون يريد النقد، ولكن أنا كمعني بالشأن لابد أن أتعامل مع كل طرح سواءً ممن يريد النقض أو ممن يريد النقد، لأنه ربما يلمس عنصرًا موجودا بالفعل في التراث، وبالتالي أنا مسئول عنه، هذه نقطة.

الدكتور عاصم حفني في حواره لـ تحيا مصر

النقطة الأخرى؛ من المفيد أن لا نغلق الباب ويجب أن نستمع للجميع؛ لأن العقل الأزهري، والعقل الديني بصفة عامة، عادة ما يكون قاصر الرؤى في التعامل مع التراث من زوايا معينة، وهذا ليس عيبًا فيه لأنه لم يدرس غير ذلك، فهو عقل لا يستطيع أن ينظر إلى التراث إلا من خلال هذه الزوايا التي تدرب عليها، هذا على أحسن الفروض أنه يريد أن يجدد، ولكن الزوايا الأخرى التي لم يدرسها مثلا علم الاجتماع، أو التاريخ السياسي، أو علم الاجتماع السياسي، أو حتى العلوم الطبية، قد يكون هناك شخص عندما يتعامل مع النص من هذه الزوايا يكتشف أو يصل إلى أفكار وربما قضايا فقهية لا يستطيع أن يصل إليها الشخص الدارس للدين بالطرق التقليدية، لذلك نحن بحاجة إلى كل رأي.

فالمشايخ يقولون إن الدين يعم أمور الحياة، ومع ذلك يقصرون فهمه عليهم دون غيرهم؛ فكيف يعمها ونقصر فهمه على أشخاص لم يتدربوا على كل شئون الحياة؟! فإذا جاء رجل اقتصاد، وأنا سأترك الحديث عن علم الاجتماع السياسي وهو أهم علم له علاقة بالدين؛ لأن الدين في النهاية كيف يعيش المواطن مع جماعة، وهذا مجال الاجتماع السياسي، وأستاذ الاجتماع السياسي ربما يزيد أهمية عن الفقيه الذي يخرجه الأزهر، ولكن أذهب إلى رجل الاقتصاد؛ فإذا كان لدينا رجل اقتصاد لديه آراء معينة في حل أزمة مثل: علاقة الزكاة بالضرائب، وهذه قضية كبرى في الاقتصاد عامة، وتضيع على المسلمين وعلى مصر بشكل أكبر مليارات الجنيهات سنويا، لأن معظم المسلمين يتهربون من الضرائب بشكل أو بآخر ويعتبرون هذا التهرب ليس حرامًا، إن لم يكن مستحبًا.

أما الزكاة باعتبارها أمرًا مفروضًا فينفقونها؛ والله أعلم أين ينفقونها..!! ويرفضون دفعها (أي الزكاة) إلى الدولة، وبالتالي تذهب إلى مصارف أخرى ربما تكون إرهابية، وفي أحسن الأحوال - إن لم تكن إرهابية - لا تُصرف بالشكل المطلوب المنتظر من الزكاة ومصارفها المعروفة، ومنها المستشفيات والتعليم... إلخ؛ فتضيع على الدولة المليارات.

الدكتور عاصم حفني في حواره لـ تحيا مصر

وهذه قضية دينية اقتصادية بحتة، ولن يستطيع أي فقيه حلها؛ فإذا جاء رجل اقتصاد واستطاع أن يضع صيغة تناسب فكرة الزكاة في حد ذاتها ومصارفها، التي لا تختلف عن الضرائب في الدول الغربية حقيقة، وفكرة الضرائب كمكون للدولة الحديثة سيكون رجل الاقتصاد هذا أهم من أي فقيه.

لذلك أنت كرجل دين مسلم تحتاج إلى رجل الاقتصاد، وتحتاج كذلك إلى عالم الاجتماع السياسي، إذا أردت أن يستمر الدين؛ أما إذا لم ترد أن يستمر الدين ويصبح قاصرا على جيلك أنت، ويندثر في الجيل الآخر ثم ينمحي في الجيل الذي يليه، فلتبقى على حالك.

وإذا كنت فعلا تؤمن بأنك تريد أن يبقى الدين؛ فعليك أن تفتح مجال الحديث في الدين والتفكير فيه والتعامل معه وفهمه – لكل مكونات المجتمع؛ لأن الدين يعني الجميع أيضًا، والدين يعيش في الدولة وهم يعيشون في هذه الدولة؛ فإن أردنا حياةً للدين فعلينا أن نجري للدين مجاري كثيرة تمده بمياه جديدة.

تابع موقع تحيا مصر علي