عاجل
السبت 02 نوفمبر 2024 الموافق 30 ربيع الثاني 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

مفتي الجمهورية: تهنئة غير المسلمين والمشاركة في أعيادهم «جائز شرعًا»

الدكتور شوقي علام
الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية

قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن الإسلام دينٌ كلُّه سلامٌ ورحمةٌ وبرٌّ وصلة، وقد أمر أتباعه بالإحسان إلى الناس جميعًا بشتى صوره، فأمَرَنا الله عز وجل أن نقول الحسنى لكل الناس دون تفريق؛ لعموم قول الله تعالى: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا» (البقرة: 83)، وأمرنا الله بالإحسان دائمًا؛ قال تعالى: «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ» (النحل: 90).

وأضاف مفتي الديار المصرية، في معرض رده على سؤال حول حكم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم؟ أن الله لم ينهَنا عن بر غير المسلمين، ووصلهم، وإهدائهم، وقبول الهدية منهم، وما إلى ذلك من أشكال البر بهم؛ قال تعالى: «لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ» (الممتحنة: 8)؛ فالوصل، والإهداء، والعيادة، والتهنئة لغير المسلم، كلُّ ذلك يدخل في باب الإحسان، ويُعَد ضمنَ مظاهره.

قبول هدية غير المسلم سنة عن النبي

وأوضح فضيلة المفتي، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقبل الهدايا من غير المسلمين؛ فقد ثَبَت في صحيح السنة بما يفيد التواتر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قَبِلَ هدية غير المسلمين، ومن ذلك قبوله لهدية المقوقس عظيم القبط، وأخرج الترمذي في (سننه)، وأحمد في (المسند) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «أَهْدَى كِسْرَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَ مِنْهُ، وَأهْدَى لَهُ قَيْصَرُ فَقَبِلَ، وَأَهْدَتْ لَهُ الْمُلُوكُ فَقَبِلَ مِنْهَا».

وقد فهم علماء الإسلام من هذه الأحاديث أن قبول هدية غير المسلم ليست فقط مستحبة لأنها من باب الإحسان؛ وإنما لأنها سُنَّةُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ يقول العلامة السرخسي في كتاب (شرح السير الكبير) بعد ذكر إهداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم المشركينَ شيئًا: «والإهداء إلى الغير من مكارم الأخلاق؛ وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَا؛، فعرفنا أن ذلك حسنٌ في حق المسلمين والمشركين جميعًا».

وأشار مفتي الديار، إلى أنه ثبت عن كبار الصحابة رضوان الله عليهم وأئمة المسلمين شهود أعياد غير المسلمين والأكل من الأطعمة التي تُعدُّ خصيصًا لتؤكل في أيام الاحتفال بأعيادهم، مستحسنين لها بلا أدنى حرج؛ فقد أخرج الخطيب البغدادي في كتابه (تاريخ بغداد) بسنده أن النعمان بن المرزبان، أَبُو ثابت أهدى لـ علي بن أبي طالب -عليه السلام- الفالوذج في يوم النيروز، فقال: «نَوْرِزُونَا كُلَّ يَوْمٍ»، وقيل: كان ذلك في المهرجان، فقال: «مَهْرِجُونَا كل يوم»، وذكر هذا الأثرَ جمعٌ من الأئمة والعلماء في كتبهم؛ كالعلامة أبي زكريا السلماسي في (منازل الأئمة الأربعة)، والشيخ جار الله الزمخشري في (ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)، والإمام أبي الفرج بن الجوزي في (صيد الخاطر)... وغيرهم كُثر.

حكم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم

وتابع فضيلة المفتي: أن الفقهاء نصوا على جواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم ومناسباتهم التي يحتفلون بها، وهذا من قبيل الخلق الحسن المأمور به المسلم شرعًا، كما أنه يُعد من باب المشاركة الاجتماعية لهم.

وإن مِن أوجب الواجبات على المسلمين في هذا العصر أن يظهروا هذا الجمال الذي في الإسلام، ليكونوا خير حملة لهذا الدين بأخلاقهم وتعاملاتهم.

الرد على من يُحرمون التهنئة

وأكد مفتي الجمهورية، أن ما جاء في نصوص الفقهاء من النهي عن تهنئة غير المسلمين بأعيادهم فهي أقوالٌ لها سياقاتها التاريخية وظروفها الاجتماعية المتعلقة بها، ولا يصح إنزال هذه الأقوال على عصرنا الراهن؛ حيث مرت الدولة الإسلامية منذ نشأتها بأحوال السلم والحرب، وتعرضت للهجمات الضارية والحملات الصليبية التي اتخذت طابعًا دينيًّا يغذيه جماعة من المنتسبين للكنيسة آنذاك، فاتَّسم كثير من غير المسلمين بالعداء الدينيِّ الواضح للمسلمين.

وهذا المعنى لم يعد قائمًا في عصر المواطَنة الحاضر؛ لشدة المخالطة بين المسلمين وغيرهم والتي يفرضها واقعنا المعاصر، وعليه فتهنئة غير المسلمين وتبادل الفرحة معهم في أذهان العامة الآن هي من قبيل السلام والتحية وحسن الجوار، وهى مظهرٌ من مظاهر البر والرحمة والتعامل بالرقيِّ الإنساني الذي كان يفعله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع من جاوره أو تعامل معه منهم.

فالإسلام لم يأمر أبدًا بالانسلال من بعض طوائف المجتمع وعدائها وبغضها، بل أمر ببذل البِرِّ والإحسان إلى الجميع، كما أن ديننا الحنيف لم يأمرنا بكراهية الخلق، بل أمرنا ببرهم لأنهم خلق الله، ولأن الإنسان بنيان الرب ملعونٌ من هدمه؛ لأن الله خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته، فاحترام الإنسان من حيث هو صفةٌ ملائكية، ولذلك أمرنا الله تعالى بحب الناس، وصلة الأرحام، وحسن المعاملة، ودماثة الخلق، والكلام الجميل، والابتسامة الودود، والعشرة الطيبة، وبهذا انتشر الإسلام شرقًا وغربًا، وغزا قلوب الناس بالحب قبل أن يغزو بلدانهم.

تابع موقع تحيا مصر علي