عاجل
الإثنين 25 نوفمبر 2024 الموافق 23 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية (٢٤)

ياسر حمدي
ياسر حمدي

أعزائي القراء والمتابعين الكرام في كل مكان، كل عام وحضراتكم بخير بمناسبة شهر رمضان الكريم، أعاده الله عليكم وعلى مصرنا الغالية والأمتين العربية والإسلامية بالخير واليمن والبركات، عملًا بقوله تعالى «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، وتماشيًا مع ما قامت به الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية من إطلاق حملة «أخلاقنا الجميلة»، لاستعادة القيم الأصيلة، والأخلاق النبيلة، فقد قررت أن أتشرف بكتابة سلسلة مقالات يومية خلال هذا الشهر الكريم عن السيرة العطرة لخير البرية تحت عنوان «السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية».

هذه السلسلة الرشيدة خلاصة أبحاث دقيقة، وقراءات عميقة لأمهات الكتب الغنية لكبار العلماء والكتاب في السيرة المحمدية، لنتعرض خلالها لحياته الثرية، ونشأته البهية، وأخلاقه العظيمة، وصفاته الشريفة، ومواقفه النبيلة.. هذه المقالات أبتغي بها مرضات الله حتى نقتضي به، ونتأسى جميعًا بأخلاقه الجميلة، فقد قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فعلينا أن نتحلى بصفاته الحميدة، ونسير على دربه، لتسود فيما بيننا مكارم الأخلاق لأهميتها للفرد والأسرة، والمجتمع، وننعم بالمحبة والسلام.

مقالي الرابع والعشرين في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بعنوان «غزوة بني قريظة»، فقد روى أنه في اليوم الذي رجع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، جاءه جبريل عند الظهر، وهو يغتسل في بيت أم سلمة، فقال: «أو قد وضعت السلاح؟ فإن الملائكة لم تضع أسلحتهم، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، فانهض بمن معك إلى بني قريظة، فإني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم، وأقذف في قلوبهم الرعب».

فسار جبريل عليه السلام في موكبه من الملائكة، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم مؤذناً فأذن في الناس: «من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة»، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وأعطى الراية لعلي بن أبي طالب، وقدّمه إلى بني قريظة فسار علي حتى إذا دنا من حصونهم سمع منها مقالةً قبيحةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وضرب المسلمون الحصار على بني قريظة خمسًا وعشرين ليلة، ولما اشتد الحصار وعظم البلاء على بني قريظة، أرادوا الاستسلام والنزول على أن يحكِّم الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم سعد بنَ معاذ، ونزلوا على حكمه، ورأوا أنه سيرأف بهم بسبب الحلف بينهم وبين قومه الأوس، فجيء بسعد محمولاً؛ لأنه كان قد أصابه سهم في ذراعه يوم الخندق، فقضى أن تُقتل المقاتلة، وأن تُسبى النساء والذرية، وأن تُقسم أموالهم، فأقرّه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: «قضيت بحكم الله».

ونفذ حكم الإعدام في أربعمائة في سوق المدينة، حيث حفرت أخاديد وقتلوا فيها بشكل مجموعات، وقد نجا مجموعة قليلة جداً بسبب وفائها للعهد ودخولها في الإسلام، وقسمت أموالهم وذراريهم على المسلمين.. ويرى المسلمون أن هذا جزاء عادل نزل بمن أراد الغدر وتبرأ من حلفه للمسلمين، وكان جزاؤهم من جنس عملهم، حين عرَّضوا بخيانتهم أرواح المسلمين للقتل، وأموالَهم للنهب، ونساءَهم وذراريهم للسبي، فكان أن عوقبوا بذلك جزاءً وفاقًا.

ولم تُقتل من نساء بني قريظة إلا واحدة، تروي السيدة عائشة بنت أبي بكر قصتها فتقول: «لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة، قالت: والله إنها لعندي تتحدث معي تضحك ظهرًا وبطنًا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالهم بالسوق إذ هتف هاتف باسمها: «أين فلانة؟»، قالت: «أنا والله»، قلتُ: «ويلك وما لك؟»، قالت: «أُقتل»، قلتُ: «ولم؟»، قالت: «حدثًا أحدثتُه»، (وكانت قد طرحت الرحا على خلاد بن سويد فقتلته، فقتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم به)، فانطلق بها فضُربت عنقُها»، وكانت عائشة تقول: «والله ما أنسى عجبي من طيب نفسها، وكثرة ضحكها، وقد عرفت أنها تقتل»، وبالقضاء على بني قريظة خلت المدينة تمامًا من الوجود اليهودي، وصارت خالصة للمسلمين.

وجمع الصحابة الغنائم التي خلفها بنو قريظة، فكانت من السيوف ألفًا وخمسمائة سيف، ومن الرماح ألفي رمح، ومن الدروع ثلاثمائة درع، ومن التروس ألفًا وخمسمائة ترس وجحفة، كما تركوا عددًا كبيرًا من الشياه والإبل وأثاثًا كثيرًا وآنية كثيرة، ووجد المسلمون دنانًا من الخمر، فوزعت الغنائم وهي الأموال المنقولة كالسلاح والأثاث وغيرها بين المحاربين من أنصار ومهاجرين ممن شهدوا الغزوة، فأعطي أربعة أخماس الغنائم لهم، إذ جعل للفرس سهمين، وللراجل سهمًا، فالفارس يأخذ ثلاثة أسهم له ولفرسه، وغير الفارس يأخذ سهمًا واحدًا له، والخمس المتبقي هو سهم الله ورسوله المقرر في القرآن.

وأما ما وجد الرسول عليه الصلاة والسلام والمسلمون من الخمر عند بني قريظة فقد أراقوه ولم يأخذوا منه شيئاً، ولم ينتفعوا به كذلك.. وأما الأموال غير المنقولة كالأراضي والديار فقد أعطاها الرسول صلى الله عليه وسلم للمهاجرين دون الأنصار، وأمر المهاجرين أن يردوا إلى الأنصار ما أخذوه منهم من نخيل وأرض، وكانت على سبيل العاريَّة، ينتفعون بثمارها.

وقد جاء في القرآن الكريم عن تلك الأراضي والديار قوله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (٢٧)} [الأحزاب: ٢٧]، هذا وقد أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة بالخمس من الذرية والنساء إلى الشام فباعها، واشترى بالثمن سلاحًا وخيلاً ليستعين به المسلمون في معاركهم مع الأعداء من يهود ومشركين، وكذلك بعث إلى نجد سعد بن زيد فباع سبيًا واشترى سلاحًا.

وجيء برئيس بني قريظة كعب بن أسد، وقبل أن يضرب الرسول صلى الله عليه وسلم عنقَه جرى بينه وبين كعب الحوار التالي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كعب بن أسد؟»، قال كعب بن أسد: «نعم يا أبا القاسم»، قال الرسول: «ما انتفعتم بنصح ابن خراش لكم، وكان مصدقًا بي، أما أمركم باتباعي، وإن رأيتموني تقرئوني منه السلام؟»، قال كعب: «بلى والتوراة يا أبا القاسم، ولولا أن تعيِّرني يهود بالجزع من السيف لاتبعتك، ولكني على دين يهود»، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه فضربت.

ومما ترويه كتب السيرة النبوية عن يهود بني قريظة أنهم كانوا يُرسَلون طائفة تلو طائفة لتضرب أعناقهم، وقد سألوا زعيمهم كعب بن أسد فقالوا: «يا كعب ما تراه يصنع بنا؟»، قال: «أفي كل موطن لا تعقلون؟ ألا ترون الداعي لا ينزع، وأنه من ذُهب به منكم لا يرجع؟ هو والله القتل».

تابع موقع تحيا مصر علي