ورحمتي وسعت كل شيء
ADVERTISEMENT
شهر رمضان المبارك شهر تتجلى فيه رحمات الله تعالى على عباده؛ فمن المعلوم أن هذا الشهر المبارك أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، ولعل المتأمل في نصوص الوحيين الشريفين يدرك للوهلة الأولى أن الإسلام يرفع شعار الرحمة وينادي بها في كل الأحوال وعلى جميع المستويات، وليس أدل على ذلك من افتتاح الكتاب العزيز بالسملة التي تحتوي على صفتين من صفات الله جل وعلا كلتاهما يتعلق بالرحمة، «بسم الله الرحمن الرحيم».
البسملة من الأمور المستحبة عند البدئ في أي عمل
وكلنا يعلم أن البسملة من الأمور المستحبة عند البدئ في أي عمل، وكأننا في تعاملنا مع الخلق (كل الخلق) مهما كان الجنس أو النوع علينا أن نتعامل بمقتضى تلك الرحمة التي افتتح الله بها كتابه العزيز، وهذا المعنى الشمولي للرحمة هو الذي أكد عليه نبي الإسلام صلوات الله وسلامه عليه حينما قال فيما يرويه سيدنا عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: «الرَّاحمون يرحَمُهمُ الرحمنُ، ارحموا أهلَ الأرضِ، يرحمْكم مَن في السماءِ»؛ فهذا الحديث في شموله وسعته يبرهن على أن دين الإسلام هو دين الرحمة التي لا تقف عند حد ولا تقتصر على أحد، والآيات القرآنية الكريمة تدفعنا دفعًا كي نمتثل هذا المنهج الرباني الذي امتدح الله تعالى به نفسه ومدته به ملائكته الكرام، قفال تعالى: «رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ» (غافر: 7).
وما من شك أن الإنسان الذي يرحم إخوانه من العباد ينال نصيبا من نوع الرحمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما يرحم الله من عباده الرحماء» (صحيح البخاري).
الله جعل الرحمة مائة جزء
وقد جعل الله الرحمة مائة جزء، وأنزل لنا في هذه الأرض رحمة واحدة نتراحم بها؛ كما ورد في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «جعلَ اللَّهُ الرّحْمةَ مِائةَ جُزءٍ، فَأَمسكَ عِندهُ تِسعَة وَتسعِينَ، وَأَنزلَ في الأَرض جُزءًا وَاحدًا، فمِنْ ذَلكَ الْجزءِ يَتَراحمُ الخلائِقُ حتى تَرفعُ الدَّابةُ حَافِرها عن ولدِها خشيةَ أن تصيبه» (رواه مسلم).
رقة فؤاد العبد تزيد نصيبه من الرحمة
وكلما كان العبد أرقَّ فؤادًا، وأعظم نفعًا لعباد الله، وأكمل إحسانًا في عبادة الله، كان نصيبه أعظم وأوفر من رحمة الله، يقول الله تعالى: «إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ» (الأعراف: 56)، ومتى فتح الله أبواب رحمته، فلا ممسك لها، ومتى أمسكها فلا مرسل لها؛ يقول جل وعلا: «مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (فاطر: 2)، وقد أجمل الله تعالى رسالة الإسلام في وصف الرحمة الذي وصف به رسالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» (الأنبياء: 107).
كل هذه المعاني تدفعنا إلى أن نقف مع أنفسنا ونتأمل دستور حياتنا - القرآن الكريم - وكيف يسوقنا إلى هذه الأخلاق الكريمة والمعاني السامية وكيف نستعين بهدي السماء لمداواة جراح أهل الأرض.