عاجل
الإثنين 04 نوفمبر 2024 الموافق 02 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

المصريون.. وخديعة الصحوة الإسلامية

علي الحلواني
علي الحلواني

في منتصف القرن العشرين اشتدت الحرب الباردة بين الأمريكان والسوفيت، وكادت كرة الثلج بين القطبين أن تتحول إلى كتلة مشتعلة تحرق الأخضر واليابس وتنهي حياة الكوكب بعد أقل من نصف قرن علي أكبر حرب عالمية شهدها كوكب الأرض البائس، وكان لا مفر من حسم هذه المعركة لصالح القطب الأوحد الذي سيفرض سيطرته علي العالم ويمسك بزمام الأمور.

وفي وسط هذه الصراعات التي اجتاحت الإقليم؛ فقدت الولايات المتحدة الأمريكية أهم حليف داعم لها في الشرق الأوسط وذلك بعد سقوط شاه إيران وصعود آية الله الخوميني، بعد ثورة شعبية اجتاحت بلاد الفرس وأُعلنت إيران عقبها دولة إسلامية ذات مرجعية شيعية.

تحويل الصراع الديني إلى صراع مذهبي

وهنا أدرك الأمريكان خطورة الدولة الوليدة وكيف أنها ستهدد مصالح إسرائيل، وأدركوا خطورة الصراع بين الديانتين وكان عليهم توجيه بوصلة المعركة نحو الشرق مع تحويل الصراع الديني إلى صراع مذهبي تُصدر فيه صورة ذهنية ووجدانية تقوم على اعتبار الشيعة أكثر عداوة من اليهود، واعتبار السنة ثورة مضادة علي آل البيت.

ومن هنا دشنت المخابرات الأمريكية خطة مستشار الأمن القومي الأمريكي، زبيغنيو بريجينسكي، ومساعده السياسي الأشهر، هنري كسينجر، في خلق تيار جديد منافس للدولة الشيعية الوليدة وتوفير كافة سبل الدعم لميلاد وحش كاسر يتمثل في التيار السلفي المتشدد العدو اللدود للشيعة، وظهر مصطلح «الحرب بالوكالة» من خلال الترويج لحزمة أفكار يعتنقها الناس ويؤمنون بها ويقدمون حياتهم من أجل تحقيق هذه الأفكار على أرض الواقع.

أدرك بريجنيسكي، القارئ الجيد للتاريخ الإسلامي، أن الحل بيد قادة ما أطلق عليه وقتها (الصحوة الإسلامية)، وبالفعل قام مستشار الأمن القومي الأمريكي بجولة مكوكية في عدة دول عربية التي بات الكثير منها متخوفًا من تزايد المد الشيعي بعد ولادة الدولة الإيرانية الشيعية الجديدة.

تمدد وتوغل وانتشار فكر الصحوة الإسلامية

ومع تمدد وتوغل وانتشار فكر الصحوة الإسلامية، أصيبت مصر بلوثة هذا الفكر المتشدد، ودخلت منذ عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، مرحلة جديدة - استمرت عقودًا زمنية طويلة - ارتدت خلالها الثوب السلفي المتشدد؛ بعد أن خلعت ثياب الحداثة والتمدن، وفتحت أبوبها علي مصراعيها لعناصر التيار الديني المتطرف، وأصبح لا صوت يعلو فوق صوت الداعية السلفي، وانخفض صوت المفكرين والنخب والمثقفين.

وكان الرئيس السادات، هو أول ضحايا هذا التيار المتطرف، وحين تولى الرئيس محمد حسني مبارك، مقاليد الحكم أدرك قوة هذا الوحش الكاسر، وقرر اتخاذ شكل جديد في التعامل معه من خلال التقارب وإعادة ترسيم العلاقة بينهم وبين السلطة، ووجد خفافيش الظلام فرصة أخرى تمكنهم من المجمتع المصري.

وحشد المصريون - وغيرهم من المسلمين في شتى البلدان - إلى ميادين الموت في أفغانستان تحت خديعة الجهاد ضد السوفيت، وبالفعل نجحت الخطة الأمريكية المنشودة وانهار وتفكك الاتحاد السوفيتي، وانتهى كابوس السوفيت المرعب للأمريكان، وهنا كان لابد من إعادة ترسيم العلاقة بين الأمريكان وبين الوحش الكاسر الذي تربي وترعرع داخل أروقة المخابرات الأمريكية.

نعم؛ تربى هذا الوحش الكاسر وترعرع داخل أروقة المخابرات الأمريكية؛ بل وصل الأمر أن الرئيس الأمريكي ريجيين، استقبل عناصر هذا التيار الجهادي المتطرف، داخل البيت الأبيض، وظهر برفقتهم أمام كاميرات كل القنوات العالمية، وأطلق عليهم جيش الحرية الذي سيحرر أوطانه من الاحتلال (نعم إرهابيو اليوم الذين دمروا سوريا والعراق وليبيا وأفغانستان... إلخ؛ كان آبائهم أمام كاميرات العالم بالبيت الأبيض).

علاقة المصريين بالدين علاقة دوجما أقرب للدروشة

وجاء وقت الخلاص، ولكن قوة هذا التيار وانتشاره والأدوات التي أصبح يمتلكها كانت أكبر بكثير من إمكانية القضاء عليه، وانقلب السحر علي الساحر، ولكن مفعول هذا السحر الأسود (الفكر السلفي المتشدد) علي عقول المصريين كان تأثيره أعمق وأكبر من كل التصورات؛ نظرًا لأن مصر مهد الأديان، وعلاقة المصريين بالدين علاقة دوجما أقرب للدروشة، ومن الصعب أن يعيش هذا الشعب بدون دعامة دينية.

وتحول الفكر السلفي المتشدد إلى ما يشبه الـ «أفيون المخدر» لعقلية المواطن المصري، بعد أن تم تجريف عقل المواطن المصري وتأميم المجتمع لصالح مشروع الصحوة، ونسي المواطن معاناته الحقيقية وأحلامه وطموحاته، وتكاسل عن العمل بقوةٍ والمشاركة في الإنتاج، وانشغل بصراعات طائفية ومذهبية لا تغني ولا تسمن من جوع.. ومازالت مصر تبحث عن بوصلتها أملًا في العودة من تلك الرحلة المشئومة.

تابع موقع تحيا مصر علي