ياسر حمدي يكتب: السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية (١٤)
ADVERTISEMENT
أعزائي القراء والمتابعين الكرام في كل مكان، كل عام وحضراتكم بخير بمناسبة شهر رمضان الكريم، أعاده الله عليكم وعلى مصرنا الغالية والأمتين العربية والإسلامية بالخير واليمن والبركات، عملًا بقوله تعالى «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، وتماشيًا مع ما قامت به الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية من إطلاق حملة «أخلاقنا الجميلة»، لاستعادة القيم الأصيلة، والأخلاق النبيلة، فقد قررت أن أتشرف بكتابة سلسلة مقالات يومية خلال هذا الشهر الكريم عن السيرة العطرة لخير البرية تحت عنوان «السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية».
هذه السلسلة الرشيدة خلاصة أبحاث دقيقة، وقراءات عميقة لأمهات الكتب الغنية لكبار العلماء والكتاب في السيرة المحمدية، لنتعرض خلالها لحياته الثرية، ونشأته البهية، وأخلاقه العظيمة، وصفاته الشريفة، ومواقفه النبيلة.. هذه المقالات أبتغي بها مرضات الله حتى نقتضي به، ونتأسى جميعًا بأخلاقه الجميلة، فقد قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فعلينا أن نتحلى بصفاته الحميدة، ونسير على دربه، لتسود فيما بيننا مكارم الأخلاق لأهميتها للفرد والأسرة، والمجتمع، وننعم بالمحبة والسلام.
مقالي الرابع عشر في السيرة النبوية لهادي البشرية وحبيب الإنسانية بعنوان «أشهر المواقف في غزوة أحد»، ومازلنا في غزوة أحد حيث نتعرض في هذا المقال لأشهر المواقف وأبرزها خلال الحرب بين المسلمين وقريش، خصوصًا بعد ما علمنا في المقال السابق أن إشاعة مقتل النبي صلى الله عليه وسلم كان لها أثر عظيم في صفوف جيش المسلمين، وكادت أن تكون سبب في فتك الجيش وإلحاق هزيمة كبرى بالمسلمين، لولا بطولات ومواقف الصحابة العظيمة التي نحن بصددها الآن.
ومن المواقف الشهيرة في هذه المعركة موقف أبو دجانة، فقد روى ثابت عن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال: أنه أمسك يوم «أحد» بسيف ثم قال: «من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فأحجم القوم.. فقال أبو دجانة: أنا آخذه بحقه، فأخذه ففلق به هام المشركين».. قال ابن إسحاق كان أبو دجانة رجلاً شجاعاً يختال عند الحرب، وكانت له عصابة حمراء إذا اعتصب بها عُلِم أنه سيقاتل حتى الموت، فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلَّى الله عليه وسلم تعصَّب وخرج يقول:
«أنا الذي عاهدني خليلـي .. ونحن بالسفح لدى النخيـل - ألاَّ أقوم الدهر في الكيول .. أضرب بسيف الله والرسـول».
وموقف حنظلة بن أبي عامر، حيث خرج حنظلة بن أبي عامر من بيته حين سمع هواتف الحرب، وكان حديث عهد بعرس، فانخلع من أحضان زوجته، وهرع إلى ساحة الوغى حتى لا يفوته الجهاد وهو جنب فاستشهد وسمي بغسيل الملائكة.
ومنها ما فعله سعد بن الربيع فقد روى ابن إسحاق: «قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟ أفي الأحياء هو أم في الأموات؟ فقال رجل من الأنصار: أنا.. فنظر، فوجده جريحاً في القتلى وبه رمق.. فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر، أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ فقال: أنا في الأموات، فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم سلامي! وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته! وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خُلِص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف».
انتهت المعركة بأخذ قريش ثأرها، فقد قتلوا 70 مسلمًا بسبعين مقاتلًا من مكة يوم معركة بدر وفي سورة آل عمران إشارة إلى هذا حيث ينص قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥)} [آل عمران: ١٦٥]، وكان من القتلى 4 من المهاجرين، ومسلم قتل عن طريق الخطأ على يد مسلمين آخرين، وكان اسمه اليمان أبا حذيفة، فأمرهم الرسول أن يخرجوا ديته، وكانت خسائر أهل مكة حوالي 23 مقاتلًا.. وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدفن قتلى المسلمين حيث أستشهدوا بدمائهم وألا يغسلوا ولا يصلى عليهم، وكان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد.
وقد حزن الرسول صلى الله عليه وسلم على مقتل عمه حمزة، قال ابن مسعود: «ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم باكياً قط أشد من بكائه على حمزة بن عبد المطلب، وضعه في القبلة، ثم وقف على جنازته، وانتحب حتى نشع من البكاء»، وروي أنه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعز حمزة، ويحبه أشد الحب، فلما رأى شناعة المثلة في جسمه تألم أشد الألم، وقال: لن أصاب بمثلك أبداً، ما وقفت قط موقفاً أغيظ إليَّ من هذا».
وروى الإمام أحمد: لما كان يوم أحد، وانكفأ المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استووا حتى أثني على ربي عز وجل!»، فصاروا خلفه صفوفاً فقال: «اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت؛ ولا مقرِّب لما باعدت، ولا مبعِّد لما قربت.. اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك.. اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول.. اللهم إني أسألك العون يوم العَيْلة، والأمن يوم الخوف.. اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا.. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.. اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين.. اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك.. اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق».