الإدارية العليا: قائمة المنقولات الزوجية ملك للزوجة وهى عرف تم تجريم تبديدها
ADVERTISEMENT
قضت المحكمة الإدارية العليا دائرة الفحص برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين محسن منصور وشعبان عبد العزيز نائبى رئيس مجلس الدولة ، بإجماع الاَراء برفض الطعن المقام من (ن.أ.ع) ويعمل بوظيفة معلم بمدرسة حسن حجازى الابتدائية بحصة أبار التابعة لإدارة بسيون التعليمية بطنطا ، لقيامه بتبديد منقولات زوجته السيدة (ج.ع.ع) والمسلمة إليه على سبيل عارية الاستعمال وقد اختلسها لنفسه بنية تملكها إضراراً بزوجته عند نزوله مصر بعد 18 عاماً من الإعارة ، مبدداً كافة منقولاتها وعاد لعمله بالخارج ، وعند نزوله فى العام التالى تم القبض عليه وعوقب جنائياً بالحبس, وأيدت المحكمة الحكم المطعون فيه بعقابه تأديبياً بمجازاته بخصم أجر خمسة عشر يوماً من راتبه ، ورفضت المحكمة اعتبار التبديد جريمة مخلة بالشرف لكونها جريمة أسرية تنال من شيم الرجال.
قالت المحكمة برئاسة القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة ، أن الشريعة الغراء أعلت من شأن المرأة وكفلت حقوقها خاصة الناشئة عن الزواج ,فقد جعل الله عز وجل العلاقة الزوجية قائمة على المودة والعطف والرحمة ؛ ليسكن كل من الزوجين للآخر، ولا ريب أن قيام الزوج بتبديد قائمة منقولات منزل الزوجية يتناقض مع الأمر الإلهى الدائر بين الأمر بالِمَعْرُوفٍ أَوْ التَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ .
قائمة المنقولات ملك للزوجة
وأضافت المحكمة ، أن قائمة منقولات منزل الزوجية بكافة مشتملات هذا الجهاز يعد مِلكًا للزوجة مِلكًا كاملاً بالدخول ،يستوى أن تكون المرأةُ قد قامت بتجهيز بيت الزوجية بمقدم صداقها ويستوى أن يكون الزوج قد أَمْهَرَهَا الصداقَ نَقدًا أو قَدَّمَه إليها في صورة جهازٍ أَعَدَّه لبيت الزوجية, وبهذه المثابة فإنّ قائمة منقولات منزل الزوجية تمثل حفظاً لحقوق الزوجة، ولا يَضُرُّ الزوجَ منها شيئاً، وعَدَمُ وجودها في صدر ظهور الإسلام لا ينال من مشروعيتها، فهى وليدة البيئة الحديثة والشريعة الغراء صالحة لكل زمان ومكان وهى بهذا النسق تتفق مع المقاصد العامّة للشريعة مِن السعي لضمانِ حقوق المرأة من العسف والعصف بها فى زمن كثرت فيه المنازاعات الأسرية .
وأشارت المحكمة الى أنها تجد لزاماً عليها التذكير للمجتمع بأن العقيدة الاسلامية – التى يستقى الغرب جواهرها - قوامها خلقاًمتكاملاً وسلوكاً متسامياً وأعمق فضائلها أن يكون المؤمن منصفاً خيراً فطناً معاوناً لغيره رءوفاً بالأقربين وعلى القمة زوجته فلا يمد يده لها بسوء ، ولا يلحق بها ضرراً غير مبرر , بل يكون للحق عضداً وللمروءة نصيراً ولإباء النفس وشممها ظهيراً، وما الزواج إلا علاقة نفسية واجتماعية يرتهن بقاؤها بمودتها ورحمتها باعتدالها ويقظتها بعدلها وإحسانها , وأن تمزيق أوصالها بالشحناء إيهان لها ومروق عن إدراك حقيقتها , وكلما استبد الرجل بزوجته وأرهقها صعوداً بما يجاوز حد احتمالها فإن سعيها فى التفريق منه يكون جزاءً وفاقاً , فاذا ما استمر عتو خلافهما وقد أحال مسراها ظلاماً فلا يجوز له الكيد لها بتبديد منقولاتها الزوجية عنداً ونفيراً .
قاعدة عرفية تم تجريم تبديدها
وأوضحت المحكمة أن قائمة المنقولات الزوجية نشأت فى البداية قاعدة عرفية قبل أن يتلقفها المشرع ويجرم تبديدها , فقد درجت الأسر المصرية على أن العريس عندما يتقدم للزواج يحرر له أهل العروس قائمة المنقولات الزوجية أو ما يسمى " قايمة العروسة " مما ترتب على ذلك الكثير من قضايا التبديد بسبب تبديد الزوج لها , وبالتالى نشأت قائمة المنقولات فى البداية كوثيقة عرفية تتم بين أهل العروسة والزوج سواء قبل إتمام الزواج ليتم إثبات منقولات الزوجية في تلك القائمة بما فيها من أثاث و سجاد و مفروشات وأواني وأجهزة كهربائية وكماليات البيت و كافة ما يحتويه المنزل من أغراض ويتم إثبات أن الزوج قد تسلم تلك الأشياء من الزوجة على سبيل الأمانة ، ليقوم بردّها على الحالة التي تسلّمها بها عند الطلب . وحينما تعددت المشاكل القانونية المتعلقة بقائمة المنقولات بما يهدد حياة الأسر المصرية تدخل المشرع ورصد عقوبة لتبديد قائمة المنقولات الزوجية .
وأضافت المحكمة لقد باتت قائمة النقولات الزوجية من أهم المشكلات المجتمعية ، وأضحت وسيلة حمائية وضمانية لحقوق المرأة المادية وقد حشد أهلها أقصى ما يمكن أن يقدموه من إمكانيات لإنشاء أسرة جديدة للزوجين ، ولها عدة أهداف تتمثل فيما تمنحه من الثقة والأمان الاجتماعي وتعزيز المكانة الاجتماعية للزوجة وتعويض أسرة الزوجة عن الخسائر التي تكبدتها من جراء العلاقة الزوجية، وأخرها توفير الأمان النفسى للزوجة بإثبات حسن النية والرغبة الصادقة في إقامة علاقة زوجية مستقرة دائمة. ونظرا لخطورة جريمة تبديد منقولات منزل الزوجية على استقرار الأسر فإن المادة 341 من قانون العقوبات المصرى قد نصت على تجريم اختلاس أو تبديد الأشياء التي تسلم على وجه الوديعة أو الإعارة أو على سبيل عارية الاستعمال أو الوكالة .
ليست من شروط صحة الزواج
واستطردت المحكمة أن قائمة منقولات منزل الزوجية وإن كانت حقا للمرأة فإنها ليست من شروط صحة عقد الزواج , فهناك الكثير من الحالات يكون الزوج أحد أقارب الزوجة وتنشأ موانع أدبية تحول دون كتابه القائمة بين الزوجين وتثور المشكلة فى اثبات عنصر التسليم بخلاف القائمه ، وقائمة منقولات الزوجية لا تمت بصلة بشروط الزواج ، بل هي أمر أوجدته البيئة المستحدثة بعدما ساءت سلوكيات بعض الناس و خربت الذمم والضمائر، فنشأ لأهل الزوجة ضمانة حق ابنتهم حال حدوث الخلافات أو الإنفصال، ومن ثم فإن كانت قائمة منقولات الزوجية مشروعة وجائزة إلا أن الزواج صحيح بدونها , والقول بغير ذلك مؤداه نتيجة شاذة يأباها المنطق ، هي عدم صحة الزواج الذي لم تلازمه تلك القائمة , ومن ثم فإن أي مانع يخضع لتقدير قاضي الموضوع لظروف كل حالة و ملابساتها على حدة .
لاجريمة مخلة للشرف
وأشارت المحكمة أنها تسجل حكمها أن تبديد منقولات الزوجة ليست جريمة مخلة بالشرف لأن الأحكام القضائية الصادرة من أعلى محكمة فى قضاء مجلس الدولة وتستوى على القمة من بين محاكمه , ترسى العدل بميزان القسط وتعالج القضايا المجتمعية التى تمس حياة الأسر المصرية فى علاقتها بجهات الإدارة فى بوتقة الحق ولا تبترها بتراً ينال من وجودها وبقائها بما لا يقضى على رب الأسرة , فلو انتهت المحكمة إلى أنها جريمة مخلة بالشرف ترتب على ذلك فصل الموظفين من أعمالهم وتلك سياسة تناقض العدالة ولا تتفق والإرادة المجتمعية نحو استقرار المجتمعات , ولا تتسق والإرادة التشريعية نحو الإصلاح والتقويم بين الزوجين, خاصة وأن الجرائم المخلة بالشرف لم تتحدد في قانون العقوبات أو في أي قانون سواه تحديداً جامعاً مانعاً ويتعذر وضع معيار مانع , والقدر المتيقن منه أنها تلك الجرائم ترجع إلى ضعف في الخلق وانحراف في الطبع أخذاً في الاعتبار طبيعة الوظيفة ونوع العمل الذي يؤديه العامل المحكوم عليه ونوع الجريمة والظروف التي ارتكبت فيها والأفعال المكونة لها ومدى كشفها عن التأثر بالشهوات والنزوات وسوء السيرة والحد الذي ينعكس إليه أثرها على العمل وغير ذلك من الاعتبارات.وبهذه المثابة فإن طبيعة جريمة تبديد منقولات الزوجة هى فى الأصل وليدة الخلافات العائلية والمشاحنات الزوجية والنزاعات الأسرية، وبهذه المثابة فإن جريمة تبديد منقولات منزل الزوجية لها خصوصية فى أنها تكون بين زوجين وتقع في محيط أسرتيهما العائلي , ومن ثم فإنها وإن وصفها القانون بأنها جريمة تبديد إلا أن ذلك لا يعد كافياً بذاته لاعتبارها جريمة مخلة بالشرف .
وأضافت المحكمة أيضًا، أن التبديد ليست مخلة بالشرف لصلة الزوجية والاعتبارات العائلية بما يقتضى الحفاظ على سمعة الأبناء والبنات فى مجتمعهم المدرسى والحفاظ على كيان الأسرة من الضياع . وهى لا تتعدى كونها تبديدا لمنقولات زوجته تكون إثما جنائيا يقتضى العقاب الجنائى الموصوف فى نموذج التجريم وأيضا ذنباً إدارياً يسوغ مؤاخذته تأديبياً رغم ارتكاب هذا الذنب خارج نطاق العمل الوظيفي لأن هذا العمل يكون في حد ذاته سلوكاً معيباً ينعكس أثره على كرامة الوظيفة ويمس اعتبار شاغلها ويزعزع الاطمئنان إلى استقامة القائم بأعبائها ويتنافى مع ما ينبغي أن يتحلى به من طيب الخصال , خاصة إذا كان الطاعن يعمل معلماً إنما يكون قواماً على تربية النشء وتهذيب التلاميذ وتثقيف عقولهم وتغذية أرواحهم بالقيم من مبادئ الأخلاق وغرس الفضائل في نفوسهم يجب أن يكون قدوة مُثلى في سلوكه وأن ينأى بتصرفاته عن مواطن الريب فلا ينزلق إلى مسلك موصوم بالجور على حقوق زوجته فإذا ما تنكب الطريق السوي وجب مؤاخذته ومجازاته عن ذلك.
تفاصيل الدعوى
وذكرت المحكمة أن الثابت من الأوراق أن الطاعن (ن.أ.ع) ويعمل بوظيفة معلم بمدرسة حسن حجازى الابتدائية بحصة أبار التابعة لإدارة بسيون التعليمية بطنطا , حصل على إجازة خاصة بدون مرتب للعمل بالمملكة العربية السعودية لمدة سبعة عشر عاماً تجدد سنوياً وعند نزوله مصر قام وعلى إثر خلافات زوجية بينه وبين زوجته فى غضون عام 2011 بتبديد أعيان الجهاز والمنقولات الزوجية الخاصة بزوجته السيدة (ج.ع.ع) والمسلمة إليه على سبيل عارية الاستعمال وقد اختلسها لنفسه بنية تملكها إضراراً بزوجته ثم حصل على تجديد الإجازة الخاصة وسافر للعمل بالسعودية للعام الثامن عشر, ثم قامت الزوجة بمقاضاته جنائياً وصدربشأنه حكم جنائى فى قضية جنح بسيون الجزئية بحبس الطاعن غيابياً ثلاث سنوات مع الشغل وكفالة ثلاثمائة جنيه لإيقاف التنفيذ مؤقتا وألزمته بأن يؤدى للمدعية بالحق المدنى مبلغ واحد وخمسون جنيها على سبيل التعويض المؤقت ثم قام الطاعن باستئناف الحكم المذكور وقيد بجنح مستأنف طنطا التى حكمت برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المتهم بالمصاريف , وعند نزوله مصر تم القبض عليه وقام بتنفيذ الحكم المستأنف لمدة أسبوع مع الشغل وبعد قضاء مدة العقوبة تقدمت زوجته بشكوى إلى النيابة الإدارية بطنطا بعدم السماح له بتجديد إجازته إلا بعد تنفيذ الأحكام الصادرة ضده بالنفقة لصالحها لأنه قام بتفيذ نفقة عام واحد فقط وباقى الأحكام مازالت منظورة بالمحاكم ثم قدم الطاعن طلباً للإدارة بحصوله على الإجازة الخاصة للعام التاسع عشر وتم رفض طلبه وإحالته للتحقيق عن ارتكابه جريمة تبديد منقولات منزل الزوجية .
وأشارت المحكمة أنه يتشكل وجدانها وقناعتها بقيام الطاعن بتبديد منقولات منزل الزوجية بموجب الحكم الجنائى المذكور وهو ما يمثل خروجا منه على مقتضى الواجب الوظيفى بما يمليه عليه من الثقة وما تتطلبه من بعد عن مواطن الريب وما انطوى عليه من سلوك معيب يمس كرامته وكرامة مرفق التعليم الذى ينتمى إليه بل وينال من الكرامة الإنسانية التى هى من شيم الرجال، فإذا كان الموظف غير أمين على منقولات وممتلكات زوجته وهى التى تعايشه معظم الوقت , وزوجته أغلى أمانة , فكيف يكون أميناً على ممتلكات الوظيفة العامة التى يعايشها بعض الوقت ! ومما يعد تصرفه مخالفا للسلوك القويم وإهانة لزوجته ومفسدة للمودة بينهما، أخذا في الاعتبار أن منقولات منزل الزوجية تعد حقاً لزوجته ما كان يجب على الطاعن أن يصدر منه أى تصرف بالعدوان والتبديد عليها , وتبديد منقولات الزوجية تمثل جريمتين جنائية وتأديبية تستوجب العقاب فى الحالتين جنائى وتأديبى ولكل منهما نطاقه , ومن ثم تكون المخالفة ثابتة في حق الطاعن ثبوتاً يقينيا , وتكون مجازاته بخصم أجر خمسة عشر يوما من راتبه هو الجزاء الأوفى مع مراعاة أن هيئة النيابة الإدارية قد ارتضت بتلك العقوبة التى لم تتناسب مع ما اقترفه الطاعن من جُرم فى حق شريكة حياته ولم تطعن على الحكم .
واختتمت المحكمة أنها تسجل فى حكمها أنه من حق كل زوج على زوجه إحسان كلٍّ منهما إلى الأخر، وعدم إيذائه , فإن ذلك من حسن العشرة والبر، ومحاسن الأخلاق, وهي دليل على المروءة وحسن الخلق، وسبب قوي لإدامة العِشرة بين الزوجين وتوطيد العلاقة بين أسرتيهما، وله أثر طيب تحمد عقباه على الذرية, فإكرام الأصهار وتَبجيلهم وتوقيرهم من الأمور التي حرصت الأديان عليها ونص الدستور المصرى على أن الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية , وهى من أرفع وأطهر العلاقات البشريّة وأنقاها تحتاج إلى إعادة صياغة مستجدة سليمة للمجتمع تتفق وصحيح حكم الدين والأخلاق والوطنية .