ياسر حمدي يكتب: إنجازات ب «شهادات دولية»
ADVERTISEMENT
شهادة دولية جديدة تضاف لرصيد مصر وجهودها الإصلاحية على المستوى البشرى والمادي، فخلال السنوات الماضية، تقدمت مصر نحو إصلاح شامل، أعطى أولوية للنهوض بالاقتصاد كقاطرة أساسية للتنمية، وحرص في ذات الوقت على وضع الإنسان المصري في قلب عملية التنمية، وهو ما حفظ مكتسبات التنمية للمصريين جميعاً في عقد شهد تغييرات مهمة في مصر، وتميز بتحولات سياسية واقتصادية وإجتماعية كبرى.
وجاء ذلك بشهادة في تقرير التنمية البشرية في مصر 2021 والذي أطلقه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووزارة التخطيط والتنمية الإقتصادية في مصر تحت عنوان «التنمية حق للجميع: مصر المسيرة والمسار» في النصف الأخير من الشهر الماضي.
إن التقرير جاء بعد أنقطاع دام لعشر سنوات، حيث تم إطلاق التقرير في نسخته الثانية عشر من سلسلة تقارير التنمية البشرية الوطنية التي تصدرها مصر منذ عام 1994، وجاء في نسخته الجديدة متناولاً لكثير من الأحداث والوقائع والتحديات خلال فترة مفصلية في تاريخ مصر الحديث بدأت مع ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013 ثم إقرار دستور جديد في عام 2014، وكل الأحداث التي توالت بعد ذلك من نجاحات وإنجازات مهمة على مختلف الأصعدة الداخلية والخارجية للدولة، والكثير من الإصلاحات المهمة في السياسات الإقتصادية والاجتماعية عالجت بحسم تحديات تنموية مزمنة، كما ساهمت خلال فترة قصيرة في خفض معدلات البطالة، وتبني الدولة للعديد من مبادرات الحماية الإجتماعية، بالتوازي مع عملية الإصلاح الإقتصادي، وكل ما سبق من إصلاحات يأتي في إطار رؤية التنمية المستدامة الشاملة التي وضعتها القيادة السياسية بعنوان رؤية مصر 2030، لكن الحقيقة المؤكدة أنه ورغم ماسبق من إنجازات مازالت البطالة عالية بشكل يحتاج إلى جهد كبير من الدولة للقضاء على هذه المشكلة.
ولعل تأكيد «رنده أبو الحسن» الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر، على التزام مصر بالنهج التنموي الذي يضع البشر في قلب عمليات التنمية ويركز علي الإنسان كمحرك لعجلة التنمية والمستفيد الأول من إنجازاتها «شهادة» أخرى تضاف لرصيد مصر، والذي نسبها بعد ذلك الرئيس السيسي للمصريين، حينما قال أنها شهادة للمصريين وليست للحكومة كنوع من رد الجميل لهذا الشعب العظيم الذي تحمل وساعد وأنجز في عملية الإصلاح الإقتصادي لبناء الجمهورية الجديدة.
ويتخذ التقرير من إعلان مفهوم «الحق في التنمية» الذي توافقت حوله الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عام 1986 إطاراً فكرياً ليناقش المحاور الأساسية لسعي مصر لكفالة هذا الحق لشعبها بما يشمل الإستثمار في رأس المال البشري، وتعزيز الإصلاح الإقتصادي والاجتماعي، وتعزيز الاستدامة البيئية، وتمكين المرأة، وتعزيز الحوكمة.
وفي حقيقة الأمر كانت الرسالة المسجلة ل «آخيم شتاينر» مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وقتها، والذي أكد فيها أن مصر حققت إنجازات كبيرة في مجالات التنمية الرئيسية.. «شهادة» دولية ثالثة تضاف لرصيد مصر من الإنجازات والذي لا يحتاج إلى شهادات.
ومع بقاء مؤسسات التصنيف الدولية «موديز، فيتش، ستاندرد آند بورز» التصنيف الإئتماني لمصر مع نظرة مستقبلية مستقرة في ظل أزمة «كورونا»، وقد جاءت مصر من أفضل دول العالم في خفض الدين بنسبة ٢٠٪ خلال ٣ سنوات رغم «الجائحة»، وبشهادة مدير عام صندوق النقد الدولي عن أداء الإقتصاد المصري حيث قالت: «نموذج ناجح في الإصلاح الإقتصادي».
وتوقعات مؤسسة «ستاندرد آند بورز» مساهمة الإستثمارات الحكومية والخاصة بشكل قوي في تحقيق معدلات نمو مستدامة تصل إلى نحو ٥،٣٪ على المدى المتوسط خلال الفترة «٢٠٢٢- ٢٠٢٤»، كما توقعت وكالة «فيتش» نمو الإقتصاد المصري بنحو ٦٪ خلال العام المالي المقبل، وتوقع أيضًا تقرير «آفاق الإقتصاد الأفريقي ٢٠٢١» أستعادة مصر خلال عام ٢٠٢٢ لمعدلات النمو ما قبل «كورونا» لتسجل ٤,٩٪، وجميعها شهادات دولية رابعة تؤكد على إنجازات الدولة المصرية.
وفي الواقع رصد تقرير التنمية البشرية إستثمار مصر في تنمية رأس مالها البشري في مجالات التعليم والصحة والسكن اللائق.. وأشار إلى تحسن مؤشرات إتاحة التعليم ما قبل الجامعي بين العامين 2010 و2020، وأكد على إرتفاع معدلات قيد الطلاب في كافة مراحل التعليم وتلاشت الفجوة النوعية بين الجنسين في مراحل التعليم ما قبل الجامعي كما توضِّح البيانات المفصلة لمعدلات القيد للبنين والبنات بين العامين 2010/2011 و2019/2020 - وانخفضت معدلات التسرب بالنسبة لمرحلة التعليم الإعدادي من 5.5٪ للبنين و4.7٪ للبنات في عام 2010/2011 إلى 2.8% للبنين و2.6% للبنات في 2018/2019.. كما إرتفعت معدلات الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الإعدادية، وكذلك معدلات الانتقال من المرحلة الإعدادية إلى المرحلة الثانوية (بشقّيها العام والفني).
كما زادت الطاقة الاستيعابية لمنظومة التعليم العالي مع إفتتاح عدد من الجامعات الأهلية الجديدة وجامعات حديثة متخصصة في التكنولوجيا.
كذلك تحسنت صحة المصريين بشكل عام، وأدت البرامج والمبادرات الصحية إلى زيادة معدلات الأداء الخاصة بالوحدات المكونة لمنظومة الصحة في مصر.. فقد إرتفع متوسط العمر المتوقع عند الميلاد في مصر من 70.3 عام في 2010 إلى نحو 71.8 عام في 2018.. وأنخفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة في مصر من 28.8 طفل إلى نحو 20.3 طفل لكل ألف مولود حي بين الأعوام 2010 و2019، وذلك بفضل المبادرات الصحية التي أطلقتها الدولة في الاونة الأخيرة.
وخاضت مصر تجربة رائدة على المستوى العالمي في مواجهتها فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي «فيروس سي» الذي كانت تشهد واحداً من أعلى معدلات انتشاره في العالم، إذ نجحت في خفض تكلفة العلاج وتقصير مدته، مما سهل من فرص اتاحته للجميع ورفع نسب الشفاء بنسبة كبيرة تجاوز 98% - من خلال الحملة القومية للقضاء على فيروس سي التي انطلقت في عام 2014، وأسهمت في تحقيق وفر مالي في تكلفة العلاج يقدر بنحو 8 مليارات جنيه.. وحقيقة الأمر ورغم هذا التقدم الملحوظ في مجالي التعليم والصحة إلا أنه يجب زيادة الإنفاق على هاتين القطاعين الحيويين؛ نعلم جيداً حجم الإنفاق الضخم عليهما لكن في واقع الأمر مازال لا يرضي طموحات المصريين، وللأسف الشديد مصر تحتاج إلى معجزة في مجال الصحة والتعليم.. فهل ستتحقق هذه المعجزة؟.
ولعل من أهم الأسباب التي أشاد بها التقرير وأكدها الواقع هو «الحق في السكن».. والحقيقة المؤكدة أن مصر كانت واحدة من دول العالم الرائدة في توفير سكن لائق للجميع من خلال برامج موسعة لدعم الإسكان الإجتماعي والتطوير العمراني من أجل توفير سكن لائق للفئات محدودة الدخل وتطوير المناطق غير المخططة والتي تفتقر للخدمات وزيادة التغطية بخدمات مياه الشرب والصرف الصحي - في عام 2014 بلغ عدد المستفيدين من برنامج الإسكان الإجتماعي حتى يونيو 2020 قرابة 312 ألف مستفيد، حصلوا على دعم نقدي من صندوق الإسكان الإجتماعي يصل إلى 4.9 مليار جنيه، وبتمويل عقاري في حدود 30.8 مليار جنيه.
فمصر ومنذ تولي الرئيس السيسي الحكم وقد سابق الزمن في توفير سكن لائق وتوفير المسكن لمحدودي الدخل وتطوير العشوائيات واقتحام هذا الملف الشائك والحقيقة هي واحدة من الإنجازات العظيمة للإدارة السياسية الحالية، فالإسمرات وأهلينا 1 و2 وبشاير الخير والمدن الجديدة والعاصمة الإدارية الجديدة وغيرهم الكثير والكثير من توفير السكن الملائم الذي يليق بالشعب المصري من الشهادات المؤكدة على نجاح الدولة في القضاء على العشوائيات، لكن على الدولة وضع الخطط والإستراتيجيات التي تساعدها على الحفاظ بهذا النجاح خاصةً مع زيادة النمو السكاني السريع.
ورصد التقرير نجاح برنامج الإصلاح الإقتصادي والاجتماعي في تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي وخفض معدلات الدين العام وسد فجوة ميزان المدفوعات وإعادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.. وساهمت تلك الإصلاحات في تهيئة الإقتصاد المصري لمواجهة جائحة كورونا؛ فنجحت في تحقيق معدلات نمو إيجابية رغم الجائحة مما أدى إلى تحقيق معدل نمو بلغ 3.6 % في 2019 / 2020 و2.8 % في 2021/2020 مع توقع معدل نمو 5.4 % في العام المالي 2021 /2022.
الحقيقة أن مصر عملت على تخفيف أثر الإصلاحات الإقتصادية على الفئات الأكثر احتياجًا من خلال زيادة مخصصات برامج الحماية الإجتماعية والتوسع في برامج الدعم النقدي المشروط وتحسين استهداف منظومة دعم السلع التموينية.. من خلال برنامج تكافل وكرامة وغيرها من البرامج الإجتماعية التي قامت بها وزارة التضامن في كل المحافظات وكان لها دور حقيقي وملحوظ في تخفيف أعباء برنامج الإصلاح الإقتصادي.. لكن وعلى الرغم من تراجع معدلات الفقر إلى 29.7 % في العام 2019/2020 مقارنة 32.5 % في عام 2017/2018 إذ تعد هذه هي المرة الأولى التي تنخفض فيها معدلات الفقر منذ 20 عامًا، فإن الشعب المصري لا يزال يحتاج إلى مزيد من البرامج الداعمة لاستمرار هذا الاتجاه النزولي في معدلات الفقر.
والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة هو لابد على الحكومة العمل على زيادة برامج الحماية الإجتماعية لتقليل نسبة الفقر، وتحسين معيشة الفرد وخصوصًا في الريف المصري والمحافظات الحدودية - فهل ستعمل الحكومة على ذلك؟. في واقع الأمر كانت هناك إنجازات عدة سنتحدث عنها بالتفصيل والتدقيق في مقالات أخرى لكن من أعظم الإنجازات والتي أشاد بها تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية هو تمكين المرأة؛ والحقيقة أن مصر بذلت في عهد السيسي العديد من الجهود لتعزيز إدماج المرأة وقضاياها في السياسات المختلفة، وتعزيز دورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. فشهدت مصر منذ عام 2014 جهود كبيرة في تعزيز مصر لدور المرأة وتمكينها كشريك لا غنى عنه لتحقيق التنمية المستدامة.
وتبنت مصر في عام 2017 إستراتيجية وطنية لتمكين المرأة تعد الأولي من نوعها في العالم في إطار أهداف التنمية المستدامة 2030 على كافة الأصعدة، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والحماية.. ووصلت المرأة المصرية لكثير من المناصب التي لم تصل لها من قبل، فتجاوز تمثيل المرأة في مجلسي النواب (28%) والشيوخ (14%) الحدود الدنيا المنصوص عليها في الدستور (25% و10%).. وفي الحيز التنفيذي بلغت حصة المرأة 25% من الوزراء و27% من نواب الوزراء و31% من نواب المحافظين.. وهذا إنجاز بلا شك فأصبحت المرأة تعيش عصرها الذهبي.
لكن وبعد هذه الإنجازات العدة نطمح في أضعافها مئات المرات بل ملايين المرات حتى تصبح مصر كما نحلم بها ويحلم بها القائد والزعيم السيسي.. ويمكن مواجهة التحديات التنموية من خلال ترتيب الأولويات وتعزيز قدرات مصر العملية لاستكمال مسيرتها التنموية سعيًا لكفالة الحق في التنمية لكل المصريين خلال عقد جديد من الإنجاز (2021-2030) في ضوء توافق رؤية مصر له مع رؤية خطة 2030 للتنمية المستدامة العالمية، وأجندة إفريقيا 2063. ولضمان الحق في التنمية، يجب تعزيز التمويل من أجل التنمية؛ وتطوير قاعدة المعلومات للتخطيط التنموي السليم؛ والتوسع في التحول الرقمي وتسريع وتيرته في الخدمات العامة والمعاملات المالية؛ وتطوير المؤسسات التنفيذية لتعزيز كفاءة وجودة تقديم الخدمات العامة؛ وتدريب العاملين بالدولة على أسس الحكومة الالكترونية حتى نقضي على الفساد والمحسوبية.