عاجل
الأحد 13 أكتوبر 2024 الموافق 10 ربيع الثاني 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

الكاتب الصحفي ياسر حمدي يكتب: الجندي المصري.. والنصر المبين

تحيا مصر

Yasser Hamdy حلت علينا الذكرى العطرة لنصر أكتوبر المجيد، وكنت أتمنى بشدة أن أكون من المقاتلين في حرب أكتوبر المجيدة، وأن أحظى بأن أكون جنديًا من جنودنا البواسل في هذه الحرب العظيمة التي رفت رؤوسنا ورؤوس العرب أجمع إلى يوم الدين، من روعة وجمال ما قص علينا من بطولات وتضحيات وشجاعة وبراعة الجيش المصري الباسل، سواء كانوا جنودًا أو ضباطًا أو جنود صف، وتعاون وتكاتف الشعب المصري كافةً وإلتفافهم حول القيادة السياسية لتحق النصر على العدو الغاشم.

فكان لتكاتفهم وتعاونهم وصبرهم وتحملهم الصعاب لتخطي المحنة السبب الرئيسي في الفتح المبين والنصر العظيم، كما أن بطولات وتضحيات قواتنا المسلحة وتطورها السريع بعد النكسة، وخوضهم لحرب الإستنزاف، وقيامهم بضربات مباشرة وهجمات مضادة وعمليات نوعية في عمق خطوط العدو دورًا فعالاً ورئيسيًا في رفع الروح المعنوية لكافة الجنود، بل وتصارعهم للإشتراك في هذه العمليات الفدائية السبب الواضح والأثر القوي والعامل المؤثر لقرار خوض الحرب لرد الأرض وصون العرض والكرامة.

كانت علاقتي بيوم السادس من أكتوبر تتمثل في يوم الأجازة من المدرسة، وعلمت بالنصر المجيد في هذا اليوم من خلال الإحتفال به حينما كنا تلاميذ بالمدرسة الإبتدائي والإعدادي بالإذاعة المدرسية، والتي كانت تحتفل من خلالها إدارة المدرسة بنصر أكتوبر عن طريق إستضافة أحد الجنود البواسل الذين خاضوا المعركة بضراوة وشجاعة وبسالة، وكان يقص علينا روائع البطولات والتضحيات التي قاموا بها أثناء الحرب، وطرق الإستعداد لها، وساعة الصفر، ولحظة العبور ورفع العلم، والتناغم الرائع بين كافة الجنود والأفرع الرئيسية في حرب العزة والكرامة.

السادس من أكتوبر من كل عام تعتبره الدولة المصرية عطلة رسمية فرحةً بالنصر المجيد، وفي اليوم التالي يأتي العم «رشدي» الرجل الطيب العجوز رحمة الله عليه، والذي كان يعمل حارس بالمدرسة، وبعد طابور الصباح وتحية العلم والنشيد الوطني ليقص علينا رواية الكفاح والنصر، قصص البطولات والتضحيات، ويوم العبور العظيم، وكيف نجحت قواتنا المسلحة الباسلة في العبور للضفة الشرقية لقناة السويس وتحطيم مانع خط برليف الحصين، والترتيب والتنسيق بين القوات المصرية وكافة الأفرع الرئيسية بعضها البعض، والتكاتف والتجانس والتناغم بين صفوف الجنود وكأنها سيمفونية رائعة تعزف بإحترافية وإتقان، لتوظيف كل فرد مقاتل في مكانة ووضع الخطة البديلة لكل فرد من أفراد السرية، ثم الكتيبة ثم الفرع ثم الجيش بأكمله.

الغريب أن العم رشدي كان في كل مرة يبكي بكاءًا شديدًا وهو يروي علينا تفاصيل الحرب والنصر وحقيقة هذه الملحمة الوطنية التي توجت بالنصر المبين على العدو مهين، الذي كان يظن أنه لن يقهر أبدًا، وبسؤالي له عن السبب؟ أجاب: «يأبني ده بكاء الفرح بالنصر، أنت ماتعرفش إحنا كان جوانا قهر شديد من مرارة النكسة، وكنا بنخجل من نزول الأجازات مش قادرين نكشف وجوهنا لأحد، وكان العار والخزي يطاردنا حتى في منامنا، وكانت نظرات أهلينا لنا صاخبة، وحالتنا المعنوية سيئة للغاية، وكنا بنتمنى الموت من أجل النصر»، هذا كان حال الجنود المصرية وقتها فما بالكم بحال القيادة!.

العم رشدي وغيره من الجنود والمقاتلين البواسل من أهل قريتنا كانوا المصدر الوحيد لنا عن نصر 73 العظيم، فكنا ننصت لهم بتمعن حينما يروون قصص الشجاعة والتضحيات، وكنا ننتظر السادس من أكتوبر من كل عام كي نسعد ونفتخر بهم ونسمع من أفواههم كم كانوا عظماء في البسالة والتضحية والشجاعة، وهم شهود عيان لواقع غير حياة الملايين من البشر، ووضع حداً لغترسة محتل غاشم كان يرى نفسه أنه فوق الجميع بقوته، كانت هذه الرويات السبب الرئيسي في تعميق الإنتماء بوطننا الغالي، وتعزز من فخرنا وإعتزازنا بجيشنا العظيم، كانت بطولاتهم وتضحياتهم بمثابة الروح التي إمتدات لتنعش أجسامنا بالحياة وترفع الرأس، فكان كل طالب منا بداخله طاقة وقوة تمكنه من صنع المعجزات لوطنه بسبب الشحنة الإيجابية التي تحصل عليها من حكاياتهم الصادقة عن الإنتماء والتضحية وحب الوطن.

من العم «رشدي» للعم «محمد» الأخ الأكبر لوالدي العزيز عليه رحمة الله، والذي ظل يخدم بالقوات المسلحة وقتها لفترة ال «٩» أعوام، حضر النكسة والإستنزاف وعبر القناة عدة مرات قبل حرب أكتوبر المجيد، وحرب النصر الذي قهر فيه الجيش المصري العظيم إسطورة إسرائيل التي لاتقهر كما كانوا يدعون، وتحطيم خط برليف الذي قالت عنه الجيوش العالمية وقتها «لا تستطيع مصر عبور هذا المانع العظيم إلا بعد تحطيمه بالقنبلة النووية»، لكن عبقرية وبراعة الجندي المصري وأفكاره التي كانت من خارج الصندوق حطمته بأبسط الأشياء وهو ضخ المياه، وعلمت العالم درسًا في التخطيط الإستراتيجي والعسكري يدرس إلى نهاية العالم.

روى عمي «محمد» لنا الكثير والكثير عن بطولاته وبطولات وشجاعة وبسالة زملائه من الجنود البواسل، فكان يحمل سلاح ال «أربيچية» سلاح بسيط بدائي مقارنة بالقدرة الهائلة للسلاح الإسرائيلي المتطور، ورغم كل هذا فكان يستخدمه ببراعة ويصتاد به دبابات العدو الامريكية الصنع غالية الثمن من أحدث الطرازات بطلقة بسيطة ليكبد العدو خسائر فادحة.

ولعل من أعظم ما صغت له أذناي هو قيام الرئيس جمال عبدالناصر بعد النكسة مباشرةً وقادة القوات المسلحة بتطوير شامل للجيش المصري، وأصبح الجندي المقاتل مجهز بدنياً وفنياً، وبات مدربًا على إستخدام عدة أسلحة بدلاً من السلاح الواحد، تحسبًا لإي شئ قد يحدث وقت الحرب من شهادة أو نفاذ الذخيرة، فيستطيع إستعمال أي سلاح أخر من أسلحة العدو المختلفة.

وكانت المفاجأة عندما حكى لنا شجاعة وبسالة كل الجنود وكم كان إشتياقهم للمواجهة والأخذ بالثأر، وتسابقهم وتصارعهم لخوض العمليات الفدائية التي كانوا يقومون بها في حرب الإستنزاف، وتضحياتهم بأرواحهم وكان شعارهم إما النصر أو الشهادة، عزيمة وإصرار وصبر وتحمل وجهد وكفاح وعطاء بلا حدود هذه كانت عقيدتهم، أتمنى أن تكون عقيدتنا وعقيدة كافة الشعب المصري الآن كعقيدتهم تجاه الوطن الغالي حتى نستكمل العبور الجديد ونبني جمهوريتنا الجديدة التي يحلم بها الرئيس السيسي ويسعى لتحقيقها بروح النصر وروح أكتوبر المجيدة.

ومن الروائع ما قصه عن أنه قبل إتخاذ قرار الحرب في رمضان كانت هناك تهيئة نفسية كبيرة للجنود، فقد تكاتف الجميع من أجل شحذ همم الجنود حيث زار الشيخ الجليل محمد متولي الشعراوي الجنود البواسل على الجبهة ضمن خطة التعبئة النفسية، وألقى محاضرة واحدة لمدة ساعة عبر فيها عن سعادته باللقاء معتبراً أنه مع القوات المسلحة ممن قال الله تعالى فيهم «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر»، كما قال لهم أنا ومهنتي وأنتم ومهنتكم نلتقي في أننا جميعاً جنود الحق أنا بالحرف وأنتم بالسيف وأنا بالكتاب وأنتم بالكتائب وأنا باللسان وأنتم بالسنان، وجاءت اللحظة الحاسمة التي كان ينتظرها الجنود بفارغ الصبر، وإذ بالقوات الجوية تحلق فوق رؤوسهم وتعبر القناة وتنجح في شل حركة العدو، والجنود مهرولين كالرياح تجاه قواربهم للعبور مهللين الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر ويرفعون العلم على أرض سيناء.

وكانت غاية الفخر عندما روى لحظة العبور وإذ به وبكل زملائه من الجنود البواسل في حالة ترقب شديد، والروعة عندما ذكر أن أحد أصدقائه الجندي المجاور له في الخندق وهو في حالة الهستيريا من شدة الفرح ويقول له هو أحنا هنحارب فعلاً يا محمد وهو يرد الله أكبر أنت مش سامع صوت الطائرات بتاعتنا وهي بتضرب، إضرب يا عبدالله إحنا بنحارب، الله أكبر على هذه الهمم.. الله أكبر على عبقريتهم وشجاعتهم.. الله أكبر على تكاتفهم وتعاونهم.. الله أكبر على هذه الجنود صانعة النصر والعزة والكرامة فعلًا جيل من ذهب.

لم تكن معركة العاشر من رمضان في السادس من أكتوبر عام 1973 ميلادية، مجرد نصر على عدو متغطرس غاصب، أو عبور من شاطئ إلى شاطئ لاسترداد الأرض المغتصبة، بل كانت عبوراً من اليأس إلى الأمل، ومن الانكسار إلى الانتصار، ومن الحزن إلى الفرح، ومن العشوائية إلى حسن التخطيط، ومن الضعف إلى القوة، ومن الماضي بآلامه إلى المستقبل بآماله وطموحاته، ومن المجهول إلى رؤية أكثر إشراقًا وعلمًا، وهي تمامًا كمعرقتنا الآن فلابد من روح أكتوبر المجيدة والتكاتف فيما بيننا ونطرق خلافتنا خلف ظهورنا ونتحد من أجل بناء الجمهورية الجديدة ونعبر بها سوياً إلى بر الأمان.

تابع موقع تحيا مصر علي