ألفة السلامي تكتب: دروس من حرب أكتوبر
ADVERTISEMENT
جاءت ذكرى انتصار أكتوبر مناسبة جيدة و فرصة مهمة لتذكير الأجيال الجديدة التي يقل سنها عن 20 عاما وحتى أكثر بحجم وقيمة انتصار مصر ضد الكيان الصهيوني عام 1973. وأهمية التاريخ تكمن دائما في كونه يحمل الدروس والموعظة ولذلك تدرس المدارس والجامعات التاريخ الوطني للبلدان لتشحذ عزيمتهم وتصلب إرادتهم. وإذا كانت حرب 67 تمثل هزيمة الجيش المصري فإنها تمثل أيضا نقطة بداية جديدة لتطويره وتحديث معداته وإحداث تغيير جوهري في برامج إعداد الجندي والمقاتل واستراتيجيات الحرب. وكانت نتيجة هذا التطوير أن قام الجيش من جديد وهجم وانتصر في حرب 73 وظهر ذلك الإعداد الجيد للجندي المصري الذي أبهر العالم بل ومن قبله العدو الإسرائيلي.
ومن منطلق تذكير الأجيال بهذه الدروس، جاءت رواية اللواء الدكتور سمير فرج، أحد أبطال حرب أكتوبر، خير شهادة على ما حققته القوات المسلحة المصرية من استرداد للكرامة العربية، فى معركة ضربت فيها قواتنا المسلحة أروع أمثلة البطولة والفداء. وأهمية هذه الشهادة أنها جاءت خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة الـ 34 تحت عنوان "العبور إلى المستقبل"، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ 48 لحرب أكتوبر المجيدة، وحظيت بتغطية واسعة محليا ودوليا ليصل صداها بسهولة هذه المرة إلى أجيالنا الشابة، وتعرف بعضهم ربما للمرة الأولى على هذه التفاصيل.
وسلط اللواء الدكتور سمير فرج الضوء على حدث هز العالم آنذاك عندما عقد مناظرة علمية باعتباره طالبا في كلية كمبرلى الملكية بإنجلترا، إحدى أعرق كليات القادة والأركان في العالم، مع الجنرال الإسرائيلى ايريال شارون قائد القوات الإسرائيلية آنذاك في معركة ثغرة الدفرسوار غرب قناة السويس ونظمتها قناة بي بي سي البريطانية وذلك عام 1975.
وكان شارون أيضا من خريجي هذه الكلية. وقد قام بالتحكيم على هذه المناظرة أساتذة من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن؛ وهو معهد يضم خيرة الباحثين العسكريين في مجال العلوم الاستراتيجية والأمن القومي على مستوى العالم.
وعندما عدت لوثائق هذا المعهد (IISS) وأرشيف الإذاعة البريطانية لم أتمكن من الحصول على معلومات تفصيلية ووجدت أن مدونة اللواء الدكتور سمير فرج هي فقط التي تتيحها بالتفاصيل، لذلك فمن الضروري السعي من الدولة المصرية للحصول على هذه المناظرة التاريخية من مصادرها وإتاحتها سواء للدارسين المصريين أو لوسائل الإعلام المختلفة. وقد شرح الطالب العشريني سمير فرج ما قام به الجيش المصرى في مجال الفكر والتخطيط و إدارة العمليات العسكرية على ضفاف قناة السويس.
وأوضح كيف أن خطة عبور القناة واقتحام خط بارليف كان تخطيطاً مصرياً صرفا ونابعا من الفكر العسكري المصري وهو عكس ما كان سائدا في الدوائر السياسية والاستراتيجية الغربية آنذاك من أنه اعتمد على العقيدة السوفياتية في التخطيط للهجوم والتكتيكات وأساليب القتال.
وقد فسر من خلال خرائط ميدان الحرب التي عرضتها الإذاعة البريطانية كيف أنه تم تطبيق مبدأ جديدا لم يكن مطبقا من قبل يعتمد على تحييد القوات الجوية المعادية وكيف أن القوات المسلحة المصرية اقتحمت قناة السويس بخمس فرق مشاة مترجلة وأن ذلك القرار أربك حسابات قوات العدو، حيث وقفت الإحتياطيات المدرعة الإسرائيلية عاجزة عن القيام بالهجمات المضادة ضد قوات رؤوس الكبارى المصرية وتحطمت أمام الخطة الرائعة المضادة للدبابات التي نفذتها لأول مرة في التاريخ عناصر مشاة مترجلة دون دعم من دبابات التعاون الوثيق التي لم تصل لرؤوس الكبارى إلا في اليوم التالى بعد تشغيل الكبارى. لذلك جاء إعلان موشيه ديان وجولدا مائير يوم 9 أكتوبر 1973 هزيمة إسرائيل وتفوق التخطيط المصري علاوة على الأداء المتميز لتنفيذ هذا التخطيط.
ولعل أهم ما ذكره شارون في هذه المناظرة -وقد ذكره أيضا لاحقا وعبر عن ألمه العميق بشأنه في مذكراته بعنوان "محارب"- أنه فوجئ بقتال شرس وعنيد من القوات المصرية غرب القناة في منطقة الدفرسوار ومنطقة الجناين مبررا خسائره الكبيرة في المعدات والأرواح بل وإصابته هو شخصياً نتيجة لشراسة القوات المصرية.
وفي مقابل هذه الشراسة للمقاتل المصري أشار شارون إلى الغرور الذي أصاب الكيان الصهيوني المحتل بعد حرب يونيو 1967 وأشعل النار في غطرسته وتسبب في فشله في حرب 73 كما دحض عقيدته في ذلك الوقت والتي كانت تؤمن إيمانًا مطلقًا بأن الدبابة هي سيدة المعارك، لكن المفاجأة التي أربكت العدو الإسرائيلي أن قوات المشاة المصرية قد تدربت جيدًا على تصيد الدبابات الإسرائيلية، وكانت الدبابات عادة هي التي تتقدم وتخيف وتسحق، وهي التي تنهي المَعارك لصالح إسرائيل، لكن تم تدميرها وتكبدت الفشل والهزيمة.
وأتذكر في هذا السياق أحد أسباب التفوق المصري الأخرى وكيف أن مصر فاجأت العدو الإسرائيلي بموعد إعلان شرارة الحرب واستخدمت الشفرة النوبية وهي لغة سرية لإرسال الإشارات لبدء الحرب وقد عجز العدو عن فكها لأنها ليست لها أبجدية موثقة.
وتم تنفيذها من خلال 344 جندي مصري على دراية تامة باللغة النوبية وتولوا إرسال الإشارات بدهاء وتمويه، كما حكى الصول أحمد إدريس صاحب الفكرة في حوار له مؤخرا قبل وفاته بفترة وجيزة، قائلا: " كنا نستخدم كلمات نوبية مثل (أولوم) وتعني تمساح ونرمز بها إلى الدبابة، و(أسلانغي) وتعني ثعبان ونرمز بها إلى العربة المصفحة وغيرها من الكلمات النوبية".
وهكذا فإن الجندي كان صانع الانتصار العظيم ولم تستطع النكسة أن تهزم الشعب المصري والمقاتل المصري رغم تدمير غالبية عتاد الجيش في 67 لكنه قام من جديد وصنع نصر أكتوبر بفضل تصميم أبنائه. لذلك فالرسالة التي يجب تعلمها من هذه الشهادة والمناظرة أيضا في معارك التنمية كما في معارك الحروب أن العنصر البشري وتسليحه المعنوي الجيد يصنع الفرق. وربما من هذا المنطلق فإن الانتباه الجيد حاليا من الدولة المصرية إلى مؤامرات لمحاولة تدمير الشعب المصري الذي لم يُقهر أصبح جزءا من فلسفة حروب الجيل الرابع.
وستظل حرب أكتوبر 37 ونتائجها تدرس في المؤسسات العلمية والأكاديميات العسكرية في العالم وفى مراكز الدراسات االستراتيجية، كما تظل محفزا حيا للتعلم واستخلاص الدروس لشحذ عزيمة المصريين للانتصار في معاركهم الحالية وفي مقدمتها معارك التنمية الشاملة وتحدياتها الراهنة![email protected]