ألفة السلامي تكتب من تونس: نعم انقلاب.. لكن ضد الإخوان!
ADVERTISEMENT
ما يلاحظ الآن أن ما يسمى بالقوى الديمقراطية يمينها ويسارها ملهيّة في غالبيتها بقضايا بعيدة عن اهتمامات الشارع الملحّة وفتحت جدلا حول الديمقراطية ومسميّاتها والانقلاب ومفاهيمه واتسع منها الجدل حتى تحول إلى ملهاة لا طائل منها. وبعيدا عن فقه المفاهيم والتسميّات، لم تحصد التجربة التونسية عائدا من هذا الجدل العقيم يفيدها في خضم فوضى المفاهيم وفوضى الواقع.
ولعل من اعترضوا على وجود دبابة أمام مبنى البرلمان لم يفترضوا أن التونسيّين يحترمون جيشهم وأن الدبابة بالنسبة لهم "أشرف" من السيارة الفاخرة المصفحة ضد الرصاص و التي كان يركبها الغنوشي وبقي فيها ساعات طويلة أمام مبنى مجلس النواب لتحميه من حرارة الجو غير المسبوق في تونس وكأن الطبيعة بدورها معترضة على طريقتها تجاه ما يحدث في تونس؛ أما الدبابة فكانت تحمي سلطة الشعب ولم تكن تحمي شخصا بعينه بما في ذلك الرئيس الذي قام بجولة في الشارع مرتين منذ احتجاجات 25 يوليو وتحدث مع الناس وكأنه يبعث رسالة للداخل والخارج بأنه لا خوف عليه طالما شعبه يحميه.
ولعل من اعترض على تجميد الرئيس لعمل البرلمان لم يفترض ماذا لو لم يجمده.. لاشك أن الدماء كانت للركب بين النواب ولربما سحب نواب الإخوان والمتحالفون معهم ككتلة الكرامة الثقة من الرئيس.
كما لم يجل بخاطر المعترضين على القرارات الرئاسية أن أخطر انقلاب تمثل عندما تلقت النهضة أموالا طائلة من الخارج ووظفتها لشراء الأصوات و الذمم في الانتخابات، وسهلت تسفير الشباب للمحرقة السورية، بل ومن قبل ذلك عندما باركت بث الفكر الظلامي في المجتمع وسمحت برفع علم القاعدة في الربوع.
الانقلاب الحقيقي على الشعب والمصلحة الوطنية عندما هددت النهضة الحكومة بسرعة صرف تعويضات غير مشروعة لأنصارها الذين كانوا يحاربون قيم الحرية والعدالة والمساواة.. وعندما عطلت إنتاج الفسفاط من قفصة أحد أهم صادرات الدولة ومواردها من العملة الصعبة .. وعندما كونت "لوبيهات" الفساد وأنشأت تنظيمها السري لتنفيذ الاغتيالات ضد المعارضين ورجال الأمن واستخدمت القضاء في إخفاء ملفات جرائمها لطمس الحقيقة.
كل ذلك بعيد كل البعد عن الديمقراطية التي يتشدق الإخوان بمفاهيمها الآن ولا يخجلون في الاستقواء على شعبهم بطلب التدخل الأجنبي في شؤونه من أجل عيون الديمقراطية المزعومة.
أبناءالشعب الذين يتوقون فعليا للديمقراطية لم يشتموا رائحتها ولم تمر من أمام بيوتهم وفي أسواقهم وشوارعهم ومستشفياتهم طيلة السنوات العشر التي حكمت فيها النهضة من على خشبة المسرح خلال حكومة الترويكا أو من وراء الستار من خلال الحكومات المتعاقبة وعانى الناس طيلة عقد تعيس من تردي أوضاعهم و حرقة قلوبهم على فلذات أكبادهم وأحبتهم ضحايا الإهمال واللامبالاة والتفقير والبطالة والمرض والتسفير لبؤر الإرهاب أو الموت غرقا في عرض البحار بحثا عن أمل في فرص أفضل لأوضاعهم المتردية.
فتبّا للديمقراطية التي يتباهى بها الإخوان ويرفعونها شعارا خاويا .. إنها ديمقراطية نخرها الفساد و الانتهازية الإخوانية، وتبا لديمقراطية الكراسات و كتب الأكاديميين في القانون. فالوقت والظرف ليسا للكتب والنظريات وإنما للواقع المأزوم الذي يبحث عن سياسات عامة حقيقية لإنقاذهم من البؤس وعن سياسيين يولون الوطن الأولوية قبل مصالحهم الضيقة.
هل كانت الممارسات السياسية خلال هذه العشرية تعكس استيعاباّ لروح الديمقراطية؟ هل جدل النخبة والطبقة السياسية له أي معنى بعد هذا الأداء الرديء لما يسمى برلمان منتخب و حكومات توافقية؟ هل تنشيط الذاكرة بالفيديوهات حول الحرب الأهلية في لبنان وأحداث "رابعة" في مصر و فزّاعات التنظيمات الإرهابية ونشر الفوضى والاقتتال سيحمي الديمقراطية المزعومة؟
الكلمة الآن لمن ينخرط في مشروع الإصلاح الشامل لإنقاذ تونس وبث الأمل في شبابها ومستقبله بتحسين فرصه في التعليم والعمل والحياة الكريمة. هذا هو المشروع الوطني الذي يحقق العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية ودولة القانون التي تحاسب أباطرة الفساد والرشوة وتقف بالمرصاد لمن استولوا على ثروات الشعب ونهبوا مقدراته. تلك هي الديمقراطية التي يستحقها التونسيون وليست الديمقراطية الإخوانية التي يفصلونها على مقاسهم. كلمة واحدة لعل الإخوان ومن دار في فلكهم يدركونها: لقد انقلبتهم على الشعب ولم تستحقوا إلا أن ينقلب عليكم![email protected]