جيهان السادات في حوار مع عمرو الليثي: المشير قُتل (1)
ADVERTISEMENT
المرأة التي عاشت لحظات الحرب والسلام.. وعاصرت قرارات شجاعة ومصيرية اتخذها الرئيس الراحل أنور السادات باعتبارها السيدة الأولى طوال 11 عاماً لتكون رفيقة درب الأوقات الصعبة ونشوة الانتصار في حرب أكتوبر ثم تحرير الأرض.. من هنا كان الحوار الضرورى في ذكرى تحرير سيناء مع السيدة جيهان السادات، والذى أجراه الإعلامى عمرو الليثى في برنامج «بوضوح» الذي أذيع أمس على قناة الحياة. في هذا الحوار نفتح مذكرات الأمس، ونقيّم الحاضر، ونقرأ المستقبل.. وإلى نص الحوار:
■ الفتاة الجميلة جيهان صفوت رؤوف، كيف تكونت الطفولة وشخصيتها البكر؟
- نشأت في منزل، تزوج فيه الأم والأب بعد قصة #حب ، كنا 4 أخوات يجمعنا ترابط عائلى، وهو ما حققته مع أولادى، خاصة أن الرئيس الراحل أنور السادات كان مشغولاً طوال الوقت، والدى كانت حياته كلها بيته وأولاده، وأتذكر نزهتنا كل جمعة، وكيف كان حريصاً على أن نرى #مصر وتاريخها من خلال زيارة المتاحف.
■ ماذا ورثت من الوالد؟
- الترابط الأسرى، والحرص على الأولاد، فلدىَّ ولد واحد و3 بنات، ولا تفرقة بينهم، وما اكتسبته من والدى وأمى نقلته لأولادى، وهم نقلوه للأحفاد.
■ والوالدة؟
- كانت إنجليزية، وليس لديها دفء المصريين، ولكنها كانت طيبة جداً، لكن قلبها جامد، وكانت تقول لى أنا وأختى: لفوا جنينة المنزل 3 مرات ليلاً حتى تُعلمنا ألا نخاف من الظلام، أو الوحدة، وهو ما تعلمناه منها.
■ أنت مهتمة جداً بالأدب، من أين جاء هذا الاهتمام؟
- كانت هديتى دائماً من الوالدين هي الكتب، ونقلت العادة لأولادى، وهذا مهم جداً لأنه يفتح مدارك الأطفال ويعلمهم القراءة ويعطيهم معلومات كثيرة.
■ لمن كنت تقرئين؟
- أنا رومانسية قوى، ويمكن أن تستغرب عندما تعلم أن أنور السادات على قوته كان رومانسياً جداً، وكان لا يستطيع أن يرى واحداً من أبنائنا يأخذ حقنة، فكان على الرغم من قوته ضعيفاً جداً تجاه أولاده.
■ وكيف ظهرت رومانسيته معك؟
- كان يكتب لى شعراً، ويغنى لى، وفى عيد ميلادى الخامس عشر خرج من السجن، وكنت معجبة به جداً لأنه وطنى ويحب بلده، وهذا ما جذبنى إليه، والسادات «ماكانش حيلته حاجة خالص، لما اتخطبنا كان مطرود من #الجيش ، وخارج من السجن وبلا وظيفة».
■ لماذا كان الارتباط؟
- أحببنا بعضنا، فبعد خروجه من السجن ذهب لزوج بنت عمتى الطيار حسن عزت، وبالصدفة كنت أقضى معهم الصيف بالسويس، وكنت متابعة قضيته قبل خروجه، وأعجبت بالبطل الذي أحب وطنه الذي أنساه كل حاجة في الدنيا، ليسجن ويتشرد ويُطرد من #الجيش ، وهذا ما شدنى له، وزوج ابنة عمتى كان يحكى لى عنه، ورغم أن ماما إنجليزية ومرتبطة ببلدها علَّمتنا الارتباط بمصر، وكانت حريصة على تربيتنا مسلمين، وطنيين، نصوم رمضان، وكانت تروى لنا قصصاً عن حكايات الإنجليز أيام الحرب العالمية الثانية، وتضحيات الشعب الإنجليزى.
■ الأم مؤمنة بوطنها.. والحبيب ضد المحتل الإنجليزى.. كيف تم الزواج وسط هذا الحرج؟
- في البداية اتفقنا أنا والسادات على الزواج في السويس، ووقتها السادات قال: «إزاى أتقدم للزواج وأنا معنديش وظيفة ولا أي حاجة؟»، فرد حسن عزت: «أنا هقول لوالدها إنك غنى وعندك جناين برتقال»، وهو ما رفضه بشدة أنور، وقال: «إزاى أغش الراجل اللى رايح أتجوز بنته؟»، فقلت له: «هو إنت هتتجوز أبويا، ملكش دعوة بالحاجات دى كلها، ماكنتش شايفة غيره»، واتفقنا أنه لو سأله والدى «عندك إيه؟» يقول له الحقيقة، لأنهم زمان كانوا بيشتروا راجل، ولو وثق في هذا الراجل لن يسأل في حاجة تانية، لن يسأل في مهر وشبكة وفلوس، ووافق أنور لأنه نفسه كان يتجوزنى.
■ وماما؟
- بحكم أنها كانت مُدرّسة ظلت تسأل كثيراً، وكان عندها أزمة أن أنور أسمر، وسألته عن رأيه في مستر تشرشل، فقال لها إنه حرامى، وكانت هتقع في الأرض من الصدمة، قلت ساعتها «الجوازة انتهت والجو إتكهرب»، ومشى، وكلمته في التليفون بعدها، وقلت «ملقتش كلمة تانية تقولها؟»، قالى: «أيوه طبعاً، ده حرامى وسرق بلدنا وخيراتها وشعبها، شوفى أنا دوغرى، ودى الحقيقة». وفضلت شهر أحاول أراضى والدتى، حتى وافقت مرة أخرى إنها تقابله، وطالبته بأن يتحدث معها في القراءة والأدب، وأى أشياء أخرى يمكن أن تسعدها.
■ وفعل ذلك؟
- جاء مرة أخرى وحكى لها عن قراءاته في السجن، وانبهرت به، ووالدى كان سعيداً بشخصيته، لأن ابنته وقعت في #حب هذا النوع من الرجال.
■ هل اشترطت أن يطلق زوجته الأولى؟
- بالطبع لا، هذا أمر لا يمكن التدخل بشأنه، لقد خرج من السجن على السويس، وسألت حسن عزت كيف لا يذهب إلى زوجته وأولاده، ففوجئت أنه انفصل عنها منذ عام، وطلب منه ألا تزوره حتى خروجه من السجن، ويطلقها ويعطيها كل حقوقها.
■ مرحلة الزواج كانت صعبة، لا دخل مع زوجة كانت تعيش حياة جيدة، والآن تنتقل لمستوى أقل، كيف كانت الحياة؟
- عند خطوبتنا كان أنور يعمل في دار الهلال، ويكتب مذكراته مقابل مبلغ معقول، وجاء حسن عزت بعد أن ترك #الجيش طلب منه أن يعمل معه في المقاولات، وعمل فترة بالمقاولات، وفى بداية الزواج كنا نقيم بشقة بـ 12 جنيهاً في الشهر، ثم ترك أنورالمقاولات ليرجع إلى #الجيش وقت أن كان حيدر باشا وزيراً للحربية، وتوسط له صديقه يوسف رشاد طبيب الملك، وحدد حيدر باشا موعداً لأنور، يومها كان عصبياً جداً، ومتوتراً، وقرر أن نخرج لكازينو بالجيزة، وشفت البخت، والراجل اللى بيشوفه قالى إنتى خط العمر طويل، هتعيشى كتير، وهتبقى نمرة واحد في #مصر ، ووقتها كنا في مأزق كبير مش لاقيين أي فلوس، وبنشيل هم أول الشهر هنعمل إيه، ورفض السادات يشوف بخته، وعندما عدنا إلى المنزل رن الهاتف، وتم تحديد موعد لأنور مع وزير الحربية تانى يوم، وذهب أنور في الميعاد، وطلب منه حيدر باشا أن يتوقف عن العمل في السياسة، ووافق أنور ورجع للجيش مرة أخرى.
■ هل انضم السادات للحرس الحديدى التابع للملك؟
- لا لا لا.. نهائى، غير حقيقى، أنور كان بيحب #الجيش ، والبدلة العسكرية، لذلك أنا متحيزة للجيش، وتقاليده المحترمة.
■ ثورة 1952 نقطة تحول في حياة السادات، كيف انضم للضباط الأحرار؟
- كان يعرف جمال عبدالناصر قبل معرفتى، وكان عبدالناصر دائم السؤال عنه، وكانوا يجتمعون كثيراً حتى قبل الثورة بأيام، وعندما عاد من رفح في إجازة غير متوقعة، لأن عبدالناصر طلب منه ذلك، ولأنه كان يعلم أن الثورة على وشك الحدوث، خرجنا لنذهب للسينما، لأنها كانت أكثر شىء يسعدنا.
■ من نجومكم المفضلون؟
- أنور كان يعشق أفلام الـ«كاو بوى»، لأن فيها مبادئ وأخلاقيات، أنا كنت أحب الأفلام القديمة الرومانسية، أفلام فريد الأطرش، أفلام الاستعراض والأغانى.
■ زيارة السينما ليلة الثورة، هل كانت سياسية أم عائلية؟
- ذهبنا إلى السينما، وشاهدنا فيلماً أجنبياً لا أتذكر اسمه، لكن أتذكر أن النور قطع مرات كثيرة، لذلك عدنا للمنزل، ونزلنى أمام البيت، وذهب لإعادة السيارة إلى الجراج، وأنا طلعت البيت، البواب أعطانى كارتاً مكتوباً عليه «جمال عبدالناصر.. المشروع يبدأ الليلة»، ومفهمتش حاجة، وقبلها بشهر أنور قال لى إنه يشعر بحبل على رقبته بعد وعده لوالدى بعدم الحديث في السياسة، فقلت له: «أنور، إنت متجوزنى أنا وليس والدى، أنا تزوجتك لحبك للوطن»، فأعطيته الكارت، وبسرعة لبس البدلة العسكرية، وقال إنه لازم ينزل، لأن لديه صديقاً بالمستشفى، وصدقته، وعند نزوله على السلم ارتكبت خطأ، قلت له: «أنور، لو دخلت السجن مش هزورك»، فرد: «كده برضه يا جيهان؟»، وقلت: «بهزر»، ثم ذهب وانتظرته ولم يأت، وفى الصباح رن جرس التليفون، وكان هو «جيهان افتحى الراديو الساعة 7»، فهمت إن فيه حاجة، فلم أملك إلا أن أرد: «ربنا معاك، وفتحت الراديو الساعة 7. وكان بيان ثورة يوليو».
■ كيف كان إحساسك عند سماعك صوته وهو يلقى بيان الثورة لكل شعب #مصر ؟
- ماجاش في بالى ثورة وقتها، لم يكن هناك مقدمات لها، تصورت أن هناك إصلاحات في #الجيش فقط، وفهمت حديثه لى قبل شهر، ولم يخطر ببالى أنهم سيقصون الملك عن الحكم، ونزلت قابلت صديقة لى، قالت إن بنت خالتها كانت آتية إليها، ولم تستطع لأن البلد ملىء بالدبابات في الشوارع والميدان، قلت لها «فيه حاجة هتحصل في #الجيش »، لكن مكنتش أعرف، ولم يأت أنور للمنزل حتى خروج الملك في 26 يوليو، ظل 3 أيام بالبدلة العسكرية دون تحرك في مجلس قيادة الثورة، اتصل بى وقال لى «محتاج أكلة دسمة»، وكان في قمة السعادة، وقال: «خرجنا الملك فاروق».
■ هل كان الضباط الأحرار يطمعون في الحكم؟
- كلهم سنهم 30 وأقل، كلهم شباب ثائر، كانوا عايزين يمسكوا البلد ويضعوها على الطريق السليم، والأهم إلغاء الإقطاع والملكية، ووجود عدالة.
■ هل كان هناك حالة عدم انسجام بين السادات وبعض أعضاء مجلس قيادة الثورة؟
- غير صحيح، بعد الثورة بفترة أجروا معه تحقيقاً لعلاقته بيوسف رشاد، طبيب الملك فاروق، وهو تمسك بعلاقة الصداقة ولم ينفها، وأتذكر أنهما كانا صديقين في #الجيش ، والسادات لم ينس له جميل عودته للجيش، وأنور كان لديه وفاء شديد للأصدقاء بدليل موقفه مع شاه إيران، رغم علمه بأن هذا الموقف سيكون خطراً عليه.
■ هل كان التحقيق بغرض أن يخرج السادات من المجلس؟
- لا طبعاً، عبدالناصر كان متمسكاً به بشدة.
■ وماذا عن صلاح سالم وجمال سالم؟
- أيضاً كانا صديقين، حتى إنه أثناء التحقيق قدم استقالته، وقال لى هنروح على بيروت، وقلت له حاضر، هروح معاك أي مكان، وكان زهقان جداً وقتها.
■ في الخمسينات، لم يكن للسادات دور بارز في المناصب، وأقصى منصب كان في جريدة الجمهورية.. الموقف غريب إلى حد ما؟
- أنور كان يرفض المناصب بشدة، وكان دائماً يقول إن منصب الوزير مقيد، وهو يحب الحرية، وكانت عضوية مجلس قيادة الثورة بالنسبة له أكبر من وزير، وعندما تم تعيينه وزيراً كان أمراً من عبدالناصر، وقال لى: «والله يا جيهان فوجئت بيها».
■ ثم جاءت نكسة 1967، فماذا كان رأيه في المشير عبدالحكيم عامر؟
- عبدالناصر كان من الرجولة بأن يتحمل النكسة بمفرده، في حين أن عامر مشارك معه.
■ هل كانت استقالة الزعيم حقيقة؟
- عبدالناصر كان صادقاً فعلاً في تنحيه، وأنور قاله مينفعش طبعاً.
■ من وجهة نظر السادات.. من المسؤول عن كارثة 67؟
- الاثنان طبعاً، عبدالناصر وعامر، لأن كثيرين من مجلس قيادة الثورة يرون عدم أحقية المشير بقيادة #الجيش ، وعبدالناصر هو من كان يتمسك به.
■ هل قُتل المشير أم انتحر؟
- (ضاحكة).. والله مفهومة طبعاً، ودى عايزة كلام، اتقتل، انتحر ليه، أو «انتحروه»، هقول لحضرتك حاجة، ريّسين في مركب تغرق، وعبدالحكيم عامر اتفق مع عبدالناصر يستقيلوا مع بعض، أو يحكموا مع بعض، وعبدالناصر الشعب رجّعه، وعبدالحكيم كان يأتى لنا البيت زعلان جداً، ويقول إننا اتفقنا، وقلت له دى مأساة يا حكيم، اترك عبدالناصر يكمل المسيرة، وبعدين اتعاتبوا، والحقيقة كان مجلس قيادة الثورة كله مع بعضه شىء، وعلاقة عبدالناصر وعامر كانت شيئاً آخر.
■ أليس من الصعب أن يقتل الأخ أخاه، أم أن السلطة تفعل أكثر من ذلك؟
- مش عبدالناصر، الحاشية من حوله، علشان يخلصوا من مشكلة.
■ هل من المعقول وأنت شاهدة على العصر أن هناك شخصاً في #مصر يستطيع أن يتخذ قراراً بتصفية المشير دون الرجوع للرئيس؟
- صعب جداً فعلاً لواحدة عارفة العهد ده، وعارفة مين هو جمال عبدالناصر، لكن لا أتصور لأنه حزن عليه كثيراً، وعندما ذهبت إلى العزاء، ورأيت أخوات المشير، وقالوا لى إن زوجته رجعت القاهرة، وكنت أعرفه شخصياً وأحبه جداً، وكان صديقاً للسادات.
■ في تقديرك كانت نكسة كما وصفها الأستاذ هيكل أم هزيمة؟
- هزيمة طبعاً.
■ اختيار السادات لمنصب نائب الرئيس الجمهورية هل كان محل دهشة؟
- رغم سعادتى الغامرة لكننى لم أتصور أن يكون رئيساً للجمهورية وعبدالناصر موجود، استحالة، لأن عبدالناصر عندنا قيمة كبيرة جداً، وكنا نعشقه، ونحبه ونقدره أنا وأولادى، واختار أنور لأن يحبه وعارف إخلاصه، وأنه الوحيد في مجلس قيادة الثورة الذي لا يريد منصباً أو وزارة، وكان عبدالناصر ذاهباً في رحلة للمغرب، وقيل له إن هناك مؤامرة ضدك هناك، وخاف عبدالناصر من الاغتيال، وقرر تعيين نائب، ولم يكن موجوداً من مجلس قيادة الثورة سوى السادات وحسين الشافعى، فطلب من السادات أن يأتى له قبل سفره للمغرب، ليقسم اليمين كنائب لرئيس الجمهورية، حتى إذا حدث له شىء يكون هناك نائب لرئيس الجمهورية، وكان عبدالناصر يصف دائماً السادات بـ«التعلب».
■ ما رأيك في تصريحات الدكتورة هدى جمال عبدالناصر بأن السادات من الممكن أن يكون متورطاً في عملية قتله بالقهوة؟
- حزنت طبعاً، لأن السادات ماكانش يعرف يعمل قهوة أو شاى، أنور كان سى السيد في البيت، و«هدى» دى بنتى، وزعلت إن بنتى تقول كده، وده راجع للتأثيرات حواليها خصوصاً من حسين الشافعى.
■ لماذا حسين الشافعى؟
- لأنه لم يأت نائباً للرئيس، وهو يكره السادات جداً.
■ ما مدى صحة أن بعض السيدات كُنَّ يُهنِّئنَك في عزاء عبدالناصر؟
- صحيح، بعض السيدات وأنا في العزاء كُنَّ يُهنِّئنَنى رغم حزنى، وكنت عايزة أخنقهم، لأنى كنت حزينة جداً، وعمرى ما كنت أتخيل إن السادات هيبقى رئيس.
اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة