عاجل
الأربعاء 26 مارس 2025 الموافق 26 رمضان 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

رامي زهدي يكتب: «شراكات مصرية إفريقية متجددة.. قوة في وجه التحديات وفرص نحو المستقبل»

رامي زهدي خبير الشؤون
رامي زهدي خبير الشؤون الإفريقية

في ظل عالم يتغير بوتيرة غير مسبوقة، ويواجه أزمات مركبة اقتصادية وجيوسياسية وبيئية وسط حالة متفردة من الإستقطاب الدولي، لم يعد التعاون المصري الإفريقي رفاهية سياسية أو ترفًا تنمويًا، بل أصبح مسارًا حتميًا تفرضه التحديات وتدعمه الرؤى الاستراتيجية. فمنذ عام 2014، أطلقت مصر مسارًا جديدًا في علاقتها بالقارة الإفريقية، تحوّل من الحضور الرمزي إلى الفاعلية المؤسسية والمشروعات المتكاملة، على نحو يعكس إدراكًا حقيقيًا بأن أمن مصر وتقدمها مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بمصير إفريقيا،  وأن مصر دولة قوية تتعاظم قوتها بقوة دول القارة الإفريقية فرادي ومجتمعة.

منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم، شهدت السياسة المصرية تجاه إفريقيا نقلة نوعية، اتسمت بظواهر ايجابية كان منها استعادة العمق الإفريقي،  وذلك بعدما شهدت العلاقات المصرية الإفريقية فترات من التراجع في العقود السابقة، عادت القاهرة مرة أخري لتضع القارة في قلب أولوياتها الاستراتيجية، من خلال زيارات رئاسية متكررة وفتح قنوات دبلوماسية نشطة وتحرك منظم للإدارة المصرية المتكاملة بدءََ من القيادة السياسية ثم مؤسسات الدولة المختلفة وصولاََ الي هيئات المجتمع المدني والقطاع الخاص وحتي علي مستوي الإدراك الشعبي لأهمية إفريقيا بالنسبة لمصر وأهمية مصر بالنسبة للقارة،  وكذلك تفعيل الأدوات الاقتصادية والتنموية،  حيث أسست مصر عددًا من المبادرات والمشروعات الكبري بالقارة والتي تخدم إطار التنمية الإفريقية المستدامة والمستهدفة.

وأيضا، دعم بناء القدرات الإفريقية،  بأن عززت مصر دور الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية وغيرها من المؤسسات المصرية ذات الصلة مثل الأكاديمية الوطنية للتدريب والبرنامج الرئاسي الإفريقي لرفع القدرات، وقدمت مصر آلاف المنح والدورات التدريبية للكوادر الإفريقية في مجالات الصحة والتعليم والأمن والحوكمة والمجالات الإقتصادية من زراعة او صناعة او خدمات،  كل ذلك بالتوازي مع قيادة مصرية إفريقية مؤثرة كان من مظاهرها رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي عام 2019، وقيادتها ملف إعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات، وتصدي مصر لمشكلات البنية التحتية والبنية العلاجية، ومشكلات تراكم الديون وغياب العدالة في قواعد التمويل الدولية لخطط دول القارة التنموية، وكذلك مشكلات المناخ، حيث أثبتت القاهرة قدرتها على لعب أدوار تنسيقية توحيدية داخل القارة والتحرك دائما في اتجاه المصالح المشتركة لشعوب القارة الإفريقية كافة.

التكامل المصري الإفريقي ضرورة لا اختيارًا او رفاهية

أسباب عديدة تجعل من التكامل المصري الإفريقي ضرورة الأن ومستقبلا،  من هذه الأسباب، تشابك المصير السياسي والاقتصادي، فالتحديات الكبرى التي تواجه إفريقيا مثل الإرهاب، والتغير المناخي، والهجرة، وانعدام الأمن الغذائي،والصراعات،  كلها امور لا يمكن لأي دولة مواجهتها منفردة،  والجميع يحتاج الجميع، كذلك فإن تكامل الموارد والمزايا النسبية يجعل التكامل أمر حتمي، حيث تمتلك إفريقيا ثروات طبيعية هائلة وسوقًا يتجاوز 1.4 مليار نسمة، بينما تمتلك مصر الخبرات الفنية، والبنية التحتية المتطورة، والموقع الجغرافي المحوري بين القارات الثلاث،  ومن دواعي ودوافع التكامل الهامة أيضا، التنافس الدولي على إفريقيا، في ظل تسابق القوى الكبرى على القارة، من الصين وروسيا إلى أمريكا وأوروبا، يصبح التعاون الإفريقي الإفريقي ضرورة لحماية القرار السيادي والتنمية الذاتية.

كل هذا بالإضافة إلي الفرص الاقتصادية الكبيرة المشتركة والتكامل في سلاسل الإمداد، والتصنيع الزراعي، والنقل والتجارة البينية، كلها عوامل يمكن أن تعزز من مكانة القارة في الاقتصاد العالمي ويحقق فوائد ملموسة للجميع.

محاور جديدة لتعاون مصري إفريقي متجدد

لتجاوز النمط التقليدي للعلاقات، يمكن الدفع بالتعاون المصري الإفريقي عبر المحاور التالية:

. الاقتصاد الأخضر والرقمي، حيث أن الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا المالية، والبنية التحتية الرقمية التي تمكّن من نمو اقتصادي شامل ومستدام.


. توطين الصناعة الإفريقية عبر شراكات صناعية تقوم على تحويل المواد الخام داخل القارة وربط اماكن الإستكشاف بنقاط ومراكز التصنيع ثم التوزيع، مما يوفر فرص عمل ويقلل الاعتماد على الاستيراد.

. التحول الزراعي الذكي عبر نقل التكنولوجيا الزراعية المصرية إلى الدول الإفريقية لتعزيز الأمن الغذائي، وإقامة مشروعات إنتاجية تعتمد على الري الحديث والزراعة التعاقدية.


. التكامل الأكاديمي والثقافي من خلال تأسيس مراكز بحثية مشتركة، وتوسيع المنح الدراسية، وتبني خطط لتبادل الطلاب والمناهج، بما يرسخ لثقافة التكامل و"الهوية الإفريقية المشتركة".


. العمل المناخي المشترك من خلال بناء تكتل إفريقي لمفاوضات المناخ، وتوحيد المواقف في المحافل الدولية، وتبادل الخبرات في مجالات التكيف والصمود البيئي.

التحديات الراهنة.. ومسؤولية الشراكة المصرية الإفريقية

إن المتغيرات العالمية الراهنة، من الحروب والصراعات الجيوسياسية (مثل حرب أوكرانيا والتوترات في البحر الأحمر، وإستمرار العدوان الإسرائيلي علي فلسطين وعلي عدد من دول المنطقة)، وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وتباطؤ الاقتصاد العالمي، تتطلب عمل متكامل جاد من أجل إعادة هندسة العلاقات الإفريقية الإفريقية لتكون قائمة على المصالح المشتركة لا على الوساطات الأجنبية،وتبني نموذج تكاملي يدمج الشمال الإفريقي والجنوب في رؤية تنموية موحدة وكذلك دعم المؤسسات الإقليمية مثل تجمع الكوميسا، ومنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، كمحركات لتحقيق التكامل الحقيقي.


المستقبل.. رؤية استراتيجية للعلاقات المصرية الإفريقية

لكي تواصل العلاقات المصرية الإفريقية تطورها، لا بد من:

. تحويل القاهرة إلى مركز إفريقي للمال والأعمال والخدمات اللوجستية، بما يسهم في زيادة الاستثمارات البينية وخلق فرص تشغيلية.

. تفعيل دور القطاع الخاص عبر شراكات ثلاثية (حكومات – قطاع خاص – منظمات مجتمع مدني)، وخلق منصات تواصل بين رواد الأعمال المصريين والأفارقة.


. بناء شبكات النقل والتكامل الإقليمي، من خلال تطوير خطوط السكك الحديدية، والموانئ الجافة، والنقل النهري والجوي.


. إعادة تعريف الدبلوماسية المصرية الإفريقية لتصبح أكثر مرونة وابتكارًا، تعتمد على أدوات القوة الناعمة والتأثير غير المباشر،  وطرح مفهوم جديد يسمي "الدبلوماسية الإقتصادية"

أخيرا، إن مشروع التعاون المصري الإفريقي لا يجب أن يُختزل في علاقات ثنائية أو مشروعات متناثرة، بل ينبغي أن يكون مشروعًا حضاريًا طويل المدى، يُبنى على الشراكة لا التبعية، وعلى التكامل لا التنافس، وعلى المصير المشترك لا الحسابات الضيقة. فرفاهية الشعوب الإفريقية، واستقرار دولها، ومكانة قارتها في العالم، جميعها رهينة بمدى قدرتنا على أن نكون صفًا واحدًا، يدًا بيد، نحو مستقبل مشترك أكثر عدلًا وإنصافًا وازدهارًا.

تابع موقع تحيا مصر علي