عاجل
الأربعاء 18 ديسمبر 2024 الموافق 17 جمادى الثانية 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

هل تشهد سوريا ولادة عملة جديدة خالية من صور الأسد؟

الليرة السورية
الليرة السورية

مع سقوط نظام الأسد، الذي حكم سوريا لأكثر من خمسين عامًا، تزايدت الدعوات إلى إعادة تشكيل الهوية النقدية للبلاد من خلال إصدار عملة جديدة تزيل آثار حكم عائلة الأسد، التي أصبحت رموزها مطبوعة على العملة السورية القديمة. تأتي هذه الدعوات وسط أزمات اقتصادية متلاحقة وتضخم مفرط أوصل الليرة السورية إلى مستويات قياسية من الانهيار أمام العملات الأجنبية. هل يُمكن تنفيذ هذه الخطوة؟ وهل يُعتبر حذف الأصفار من العملة حلاً فعالًا لمشاكل الاقتصاد السوري؟

التحديات السياسية والاقتصادية لإصدار عملة جديدة

عملية إصدار عملة جديدة ليست مجرد قرار سياسي؛ بل تتطلب توافر ظروف خاصة على المستويين الاقتصادي والسياسي. الخبراء الاقتصاديون، وعلى رأسهم بيير خوري، يُشيرون إلى أن سوريا تحتاج إلى حكومة مستقرة تمتلك القدرة على اتخاذ قرارات جريئة وتنفيذها بكفاءة. غياب الاستقرار السياسي قد يُعيق أي خطوة من هذا النوع.

إضافة إلى ذلك، تتطلب طباعة عملة جديدة تكلفة مالية مرتفعة تتناسب مع المعايير العالمية في تصميم العملات الحديثة لضمان الحماية من التزوير. التمويل المحدود والاقتصاد المنهك قد يُشكلان عقبة كبرى في طريق هذا المشروع.

تجارب دولية عديدة أقدمت على هذه الخطوة بنجاح بعد تغييرات سياسية أو أزمات اقتصادية كبرى. العراق، على سبيل المثال، استبدل عملته بعد سقوط نظام صدام حسين، وكذلك تركيا التي نجحت في حذف الأصفار من عملتها في عام 2005، فيما واجهت دول أخرى مثل زيمبابوي تحديات كبيرة بسبب عدم توافر استقرار اقتصادي حقيقي.
 

مراحل إصدار العملة الجديدة في سوريا

عملية إصدار عملة جديدة تمر بعدة مراحل دقيقة تبدأ بمرحلة التصميم، حيث يُركز الخبراء على اختيار رموز وطنية جامعة تُلهم السوريين وتعزز الانتماء الوطني. المعالم التاريخية مثل المسجد الأموي وقلعة حلب ونواعير حماة قد تكون بدائل مثالية عن صور رموز النظام السابق التي أصبحت مصدرًا للخلاف والجدل.

التصميم الجديد يجب أن يُراعي أعلى معايير الأمان العالمية، عبر استخدام ميزات مثل العلامات المائية، الأحبار المتغيرة الألوان، الشرائط الأمنية، والأرقام التسلسلية المتطورة. تُعد هذه الميزات ضرورة حتمية لحماية العملة من التزوير.

من ثم يأتي دور المصادقة القانونية، حيث تُقر الحكومة الفئات النقدية الجديدة ويتم إصدار التشريعات اللازمة لتنظيم تداولها في الأسواق. تتبع ذلك مرحلة الطباعة والتوزيع التدريجي للعملة الجديدة بالتوازي مع سحب العملة القديمة، لضمان عدم حدوث اضطرابات نقدية.

هل يُعتبر حذف الأصفار حلًا للتضخم؟

مع الانهيار الكبير لقيمة الليرة السورية، تبرز فكرة حذف الأصفار من العملة كخيار مطروح لمعالجة التضخم. تجربة تركيا في منتصف العقد الأول من الألفية أثبتت نجاحها في تحقيق الاستقرار المالي وتعزيز الثقة بالعملة الوطنية. ولكن حذف الأصفار لا يمكن اعتباره حلاً سحريًا؛ فهو إجراء تقني يحتاج إلى بيئة اقتصادية مستقرة تحول دون عودة التضخم مجددًا.

يرى بيير خوري أن حذف الأصفار قد يُسهل المعاملات المالية اليومية، ويُعيد ضبط الأسعار ويُبسّط العمليات المحاسبية، لكنه يُحذر من أن هذا الحل سيبقى مؤقتًا إذا لم يُعالج السبب الحقيقي وراء انهيار الاقتصاد السوري. الحل الجذري يتطلب برنامجًا اقتصاديًا متكاملاً يُعيد بناء القطاعات الإنتاجية، ويُحفز النمو الاقتصادي عبر سياسات إصلاحية مدروسة.

الهوية النقدية الجديدة: سوريا ما بعد الأسد

الحديث عن إصدار عملة سورية جديدة يتجاوز البعد الاقتصادي ليشمل البعد الرمزي الوطني؛ فالعملة ليست مجرد ورق أو معدن، بل هي تعبير عن هوية البلاد وانتماء مواطنيها. التخلص من رموز النظام القديم قد يُمثل بداية جديدة للسوريين، تُمكّنهم من طي صفحة الماضي المؤلم والانطلاق نحو مستقبل مشرق.

المعالم المرشحة لتزيين العملة السورية الجديدة

إذا تم اعتماد تصميم جديد للعملة، فإن سوريا تزخر بمعالم حضارية وتاريخية تُمثل هويتها الثقافية العريقة. أبرز هذه المعالم:

المسجد الأموي في دمشق

قلعة حلب التاريخية

مسرح تدمر الأثري

نواعير حماة

قصر بصرى الشام

تُعتبر هذه الرموز أكثر قدرة على توحيد السوريين وتعزيز الشعور بالانتماء بعيدًا عن الانقسامات السياسية.

إعادة بناء الاقتصاد السوري

الحكومة السورية الجديدة، التي أُعلن عنها بعد سيطرة المعارضة على دمشق في ديسمبر، تسعى لتطبيق نموذج اقتصاد السوق الحرة، ودمج سوريا في الاقتصاد العالمي. هذه التوجهات، إذا طُبقت بفعالية، قد توفر الأساس الاقتصادي المتين اللازم لتنفيذ خطوة إصدار عملة جديدة وإنهاء التضخم المزمن.

تابع موقع تحيا مصر علي