تحليل|«الأزمة السورية تحت المجهر الإسرائيلي».. كيف تنظر الدولة العبرية إلى التطورات المشهد في سوريا؟
ADVERTISEMENT
مع احتدام المشهد في سوريا ونشوب حرب أهلية جديدة بعد شنت هيئة تحرير في 27 نوفمبر هجوماً مباغت ضد الجيش السوري، تترقب إسرائيل تطورات الأحداث فرغم أن الرئيس بشار الأسد الذي يحظى بدعم قوي من إيران وتصنفه تل أبيب أنه "عدو"، إلا أن وفق تحليل نشر في صحيفة Jerusalem Post فإن الإطاحة بنظام الأسد لا يصب في مصلحة إسرائيل!
حرب غزة ترسم خريطة الشرق الأوسط
الصحيفة أشارت إلى مدى تداعي الأحداث وانزلاقها نحو الهاوية منذ هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023، وما ترتب عليها من اندلاع حرب أخرى في لبنان إلى أن توصل حزب الله وإسرائيل إلى "اتفاق هش"، ثم استغلال الفصائل المسلحة في سوريا ما تعرض له حلفاء الأسد المتمثلين في إيران وحزب الله والضربات التي أدت إلى تكبدها خسائر فادحة، أو روسيا وحربها المستمرة مع أوكرانيا لنحو 3 سنوات. أنها فرصة ذهبية للانقضاض على نظام الأسد.
فهجوم السابع من أكتوبر كان بمثابة خريطة جديدة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط إلى ما هو أبعد من حدود غزة على نحو لم يتوقعه الكثيرون. فقد كان من الواضح بعد السابع من أكتوبر أن الهزات الارتدادية القوية سوف تكون محسوسة على نطاق واسع. والآن أصبح من الواضح مدى قوة هذه الهزات ومدى اتساع نطاقها.
وذكرت الصحيفة أن الحرب الأهلية السورية، التي بدأت في عام 2011، أدت إلى نشوء خليط من الجهات الفاعلة المختلفة التي تتنافس مع بعضها البعض بمصالح أيديولوجية مختلفة. ولا يختلف القتال المتجدد عن ذلك. وفيما يلي نظرة على المصالح الأساسية لأربعة لاعبين رئيسيين في هذه الدراما: إسرائيل وتركيا وإيران وروسيا.
إسرائيل.. وإضعاف الأسد وليس الإطاحة به
إن إسرائيل طرف فاعل في هذه الأحداث ، حيث أدت أفعالها في لبنان وسوريا إلى إضعاف اثنين من الداعمين الرئيسيين للأسد ــ حزب الله وإيران ــ الأمر الذي دفع المتمردين إلى توجيه ضربات. ولكن إسرائيل ليست سوى طرف فاعل غير مباشر، ولا تشارك بنشاط في القتال الدائر في شمال سوريا.
ومع ذلك، فإن لإسرائيل مصالح محددة في سوريا، في المقام الأول إضعاف المحور الإيراني السوري حزب الله ومنع إيران من استخدام سوريا، كما فعلت في الماضي، لإعادة تسليح حزب الله وبناء قوته.
إن إضعاف النظام السوري تحت حكم الأسد يصب في مصلحة إسرائيل، لكن تل أبيب ترغب في إضعاف الأسد، ولكن ليس إلى حد مبالغ فيه، وليس الإطاحة به.
ولكن لماذا إضعاف سوريا؟ حتى لا تتمكن سوريا لأجيال من تشكيل تهديد حقيقي لإسرائيل. فقد أخرجت الحرب الأهلية المستمرة منذ فترة طويلة سوريا من دائرة الدول التي يمكن أن تشكل تهديداً تقليدياً. ولاحظ أن الأسد لم يفتح في الحرب الحالية جبهة إضافية ضد الدولة العبرية، لأنه لا يريد أن يمنحها أي ذريعة لقصف الجيش السوري.
لقد ضرب الجيش الإسرائيلي نحو 70 هدفا في سوريا خلال العام الماضي، ولكن هذه الأهداف كانت في المقام الأول أصولا إيرانية وحزب الله، وليس أصولا تابعة للجيش السوري.
أما السبب الذي يجعل إسرائيل لا ترغب في رؤية الإطاحة بالأسد، فهو أن ذلك قد يؤدي إلى الفوضى، وهو أمر لا يصب في مصلحة الدولة العبرية
وأشارت الصحيفة في تحليل مطول إن":" تل أبيب، بشكل عام، تحب القدرة على التنبؤ ــ والأسد في سوريا يوفر ذلك. ورغم أن الأسد ليس صديقاً، فإن إسرائيل على الأقل تعرف ماذا تتوقع منه ــ ما يمكنه وما لا يمكنه فعله، وما سيفعله وما لن يفعله. والواقع أن أي حاكم جديد في دمشق من النوع الجهادي سوف يكون غير قابل للتنبؤ".
ضوء أخضر من تركيا إلى الفصائل المسلحة لشن الهجوم.. لماذا الآن ؟
الصحيفة أوضحت أيضاً أنه لكي يشن المتمردون هذا النوع من الهجوم، كانوا بحاجة إلى الضوء الأخضر من تركيا، وهو ما أعطاه أردوغان على الرغم من أن دعمه للمتمردين يضعه على خلاف مع إيران وروسيا، والولايات المتحدة ــ بما أن إحدى مصالحه هي سحق الأكراد.
ولكن لماذا المخاطرة بهذا؟ لأن أردوغان حريص على إعادة توطين ما يقدر بنحو 3.5 مليون لاجئ سوري تدفقوا إلى بلاده منذ بداية الحرب الأهلية في شمال سوريا، ولأنه يريد تقويض الجهود الكردية في المنطقة بشكل أكبر.
وفيما يتصل بإعادة توطين اللاجئين، كانت تركيا وسوريا تجريان محادثات مصالحة منذ أشهر (سارع أردوغان إلى دعم المتمردين عندما بدأت الحرب الأهلية). لكن هذه المحادثات لم تسفر عن أي نتيجة، حيث طالب الأسد تركيا بسحب قواتها من المنطقة الأمنية التي أنشأتها تركيا، بالتعاون مع الجيش الوطني السوري، في شمال سوريا. ويمنح هذا الهجوم الذي شنه المتمردون الآن أردوغان نفوذا إضافيا ضد الأسد للتوصل إلى اتفاق.
لقد أصبحت أزمة اللاجئين السوريين قضية داخلية في تركيا بشكل متزايد، حيث شهدت البلاد ــ في ظل الأزمة الاقتصادية ــ ردود فعل عنيفة ضد اللاجئين، وهو ما أضر بحزب أردوغان في الانتخابات المحلية والبرلمانية. وهو يريد أن يعود اللاجئون إلى المنطقة العازلة في الشمال على وجه التحديد.
وعلاوة على ذلك، يأمل أردوغان أن تساعد المعارك في احتواء وإزالة التهديد الذي يتصوره من الجماعات الكردية في شمال شرق سوريا، والتي تحظى بدعم الولايات المتحدة ــ على الأقل حتى وصول الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى السلطة في 20 يناير.
إيران ونفوذها في سوريا
إلى جانب الأسد، فإن إيران هي الخاسر الأكبر مع اكتساب المتمردين المزيد من الأرض. لقد استثمرت طهران مليارات الدولارات في سوريا منذ بداية الحرب الأهلية هناك، حيث تعتبر البلاد مركزية لجهودها الرامية إلى تطويق إسرائيل كـ "الكماشة" من الوكلاء على استعداد لتنفيذ أوامرها، إن مصلحة إيران تتمثل في الحفاظ على سوريا كممر للأسلحة لحزب الله، وكمنصة يمكنها من خلالها إنتاج الأسلحة للجماعة اللبنانية وإعادة بناء وكيلها الرئيسي. وإذا سقط الأسد، فسوف تضيع هذه القناة، ولكن كما هو الحال مع حزب الله، فإن موارد إيران ليست بلا حدود، ونتيجة للضربات القاسية التي تعرض لها حزب الله في لبنان، فإن الموارد التي تستطيع إيران تخصيصها الآن لإنقاذ الأسد ليست هي نفسها كما كانت في الماضي.
إن إيران لديها ميليشيات تتألف من عراقيين وباكستانيين وأفغان قد تنشرها، ولكن هذه الميليشيات لا تضاهي حزب الله من حيث الجاهزية القتالية والتدريب. وحزب الله، الذي دمرته إسرائيل، ليس في وضع يسمح له بإرسال قوات الآن لدعم الأسد.
روسيا ومحاربة النفوذ الأمريكي من سوريا
لقد تدخلت روسيا بشكل نشط في الحرب الأهلية السورية في عام 2015، وبذلك رجحت كفة الميزان لصالح الأسد. وكان تدخل موسكو نابعا من عدة مصالح لا تقل أهمية بالنسبة للكرملين اليوم عما كانت عليه آنذاك. الأول هو أن روسيا، من خلال سوريا، قادرة على فرض قوتها في مختلف أنحاء الشرق الأوسط ومحاربة النفوذ الأميركي في المنطقة.
لقد منح الأسد روسيا ميناء طرطوس، فضلاً عن قاعدة جوية بالقرب من اللاذقية. وسوف تسمح الاتفاقات مع الأسد لروسيا بتشغيل الميناء والقاعدة الجوية لمدة نصف القرن المقبل، إن لم يكن لفترة أطول. وهذا له أهمية استراتيجية بالنسبة لموسكو، وهو ما يفسر لماذا قامت موسكو، في خضم حربها مع أوكرانيا، خلال الأسبوع الماضي بشن غارات جوية ضد المتمردين في شمال سوريا، في محاولة لوقف تقدمهم.