إصلاح منظومة الدعم في مصر.. التحديات والفرص أمام التحول إلى النقدي
ADVERTISEMENT
تمثل قضية الدعم في مصر أحد أخطر القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الوطن في المرحلة الحالية لارتباطها بشكل مباشر بملايين المواطنين والفئات الأكثر احتياجا و محدودى الدخل والفقراء، و كانت هذه القضية جزءا من النقاش العام منذ عقود، خاصة في ظل النمو السكاني المتسارع وتزايد الأعباء الاقتصادية على الدولة ومع ذلك، فإن هذا النقاش اكتسب زخما إضافيا في الآونة الأخيرة، مع ظهور توجهات جديدة تدعو إلى التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي المباشر، في محاولة لتحقيق فعالية أكبر في توزيع الدعم وتقليل الهدر والفساد.
تعتمد الدولة المصرية على تقديم الدعم في عدة مجالات أساسية تشمل الغذاء، الطاقة، الصحة والتعليم حيث يستفيد ملايين المواطنين من هذه السلع المدعومة كما يمثل دعم الطاقة جزءا كبيرا من الإنفاق العام، ما يزيد من أعباء الموازنة غير أن هذا النظام في شكله الحالي يواجه عدة مشكلات، أبرزها هو التفاوت في الاستفادة بين فئات المجتمع، فالدعم العيني غالبا ما يصل إلى غير مستحقيه بسبب عدم دقة البيانات، وكذلك بسبب الفساد الذي يصاحب عمليات التوزيع في بعض الأحيان بالإضافة إلى ذلك، لا يؤدي الدعم العيني دائما إلى تحسين مستوى المعيشة بشكل ملموس، بل يمكن أن يسهم في تراكم الفوائد لدى فئة معينة على حساب الفئات الأكثر احتياجا.
من الناحية النظرية يبدو الدعم النقدي أكثر عدالة وفعالية حيث يتيح للمواطن حرية اختيار ما يناسبه من السلع والخدمات ويسهم في تقليل الهدر والتلاعب ويضمن توجيه الموارد المالية مباشرة إلى الفئات المستحقة دون وسيط، ما يحد من فرص الفساد ويزيد من الشفافية ولكن هناك تحديات كبيرة من أجل التحول إلى الدعم النقدي أبرزها بناء قاعدة بيانات دقيقة وشاملة لكافة المستفيدين، وهو ما قد يحتاج إلى وقت طويل وتنسيق بين عدة جهات كما أنه يتطلب سيطرة صارمة على معدلات التضخم، حيث إن زيادة السيولة النقدية في أيدي المواطنين قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار إذا لم تتخذ إجراءات مناسبة للحد من ذلك.
إن النقاش حول قضية الدعم لا ينبغي أن يقتصر فقط على خيار "العيني" أو "النقدي"، بل يجب أن يشمل تحسينات شاملة على النظام ككل لضمان استفادة الفئات المستحقة بشكل فعال ومستدام وهناك عدة مقترحات يجب أن تأخذ في عين الاعتبار قبل التحول إلى الدعم النقدي أبرزها تطوير قاعدة بيانات وطنية دقيقة ، لأن أي تحول نحو الدعم النقدي أو حتى تحسين آلية الدعم العيني يتطلب إنشاء قاعدة بيانات شاملة ومحدثة باستمرار عن المواطنين والمستحقين وتكون هذه القاعدة متاحة للحكومة وكافة الجهات المعنية بالرقابة لضمان عدم تسرب الدعم إلى غير مستحقيه، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة حيث يمكن لتقنيات مثل البطاقات الذكية والتحويلات الإلكترونية أن تسهم في تحسين توزيع الدعم وتوجيهه بشكل مباشر و استخدام بطاقات إلكترونية للمواطنين لتلقي الدعم النقدي أو العيني يضمن توجيه الأموال أو السلع مباشرة للمستحقين.
أيضا من بين المقترحات العمل علي تقوية الرقابة على الأسعار في حالة التحول إلي الدعم النقدي و أن تضطلع الدولة بدور رقابي قوي على الأسواق لضمان عدم ارتفاع الأسعار بشكل يفوق قدرة المواطنين، وإلا فإن الفائدة المرجوة من الدعم النقدي ستتلاشى أمام ارتفاع تكلفة المعيشة، أيضا يمكن توجيه الدعم لمجالات أكثر احتياجا بدلا من توزيعه بشكل عام على جميع المواطنين، و تخصيصه لفئات معينة مثل الأسر الأكثر احتياجا، والأطفال، وكبار السن كما يمكن توجيه جزء من الدعم إلى مجالات حيوية مثل التعليم والرعاية الصحية، لضمان تحسين جودة الحياة بشكل فعال ومستدام.
ومن بين المقترحات: التدرج في تطبيق الدعم النقدي وألا يكون التحول من الدعم العيني إلى النقدي فجائيا ولكن بشكل تدريجي، مع تطبيق برامج تجريبية في بعض المناطق أو الفئات الاجتماعية لتقييم تأثيره ومعالجة أي مشكلات قد تظهر وإشراك المواطنين في النقاش العام والخبراء والجهات المعنية لأن الحوار المفتوح يضمن توافقا أكبر حول أي تغييرات جوهرية، ويزيد من قبول المواطنين لأي إجراءات جديدة.
من وجهة نظري، إن التحول إلى نظام الدعم النقدي يعد الخيار الأمثل لتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز الحماية للفئات المستحقة ومنح المواطن الحرية في تحديد كيفية إنفاق هذا الدعم بما يتناسب مع احتياجاته اليومية، بدلا من تقييد الخيارات المتاحة كما يحدث في نظام الدعم العيني الحالي، حيث تقوم الدولة بتحديد السلع والخدمات المدعومة كما أن المواطن يتمتع من خلال الدعم النقدي، بمرونة أكبر في إدارة ميزانيته الشخصية، سواء كان ذلك لتلبية احتياجات أسرته الغذائية، أو سداد الفواتير، أو تغطية احتياجات أخرى ملحة و هذا النهج يمنح المواطن شعورا بالتمكين ويتيح للدولة توجيه الدعم بشكل أكثر دقة نحو المستحقين الفعليين.
في النهاية، تظل قضية الدعم في مصر من القضايا المحورية التي تتطلب حلا متكاملا يأخذ بعين الاعتبار مصالح المواطن والدولة على حد سواء ورغم أن التحول إلى الدعم النقدي قد يكون خطوة إيجابية، فإنه لا يمكن اعتباره الحل الوحيد ولكن الحل الأمثل يكمن في إعادة هيكلة منظومة الدعم بشكل يضمن العدالة والفعالية، ويحقق تطلعات المصريين في حياة كريمة ومستقرة.