هل الابتلاء عقوبة من الله أم امتحان؟ عالم أزهري يجيب
ADVERTISEMENT
هل الابتلاء عقوبة من الله ؟ نزول البلاء سنة كونية لتمحيص العباد، وابتلاء الله تعالى للعباد ليس مخصوصا بالظالمين والعصاة والمذنبين، بل يصيب أيضا الأنبياء والأولياء والصالحين، وابتلاء الله للصالحين لا يعد هوانا بهم أو ظلما لهم، وإنما هو علامة على حبه لهم، ورفعة في درجاتهم، ما لم يقصروا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فأخرج البيهقي في "الآداب" عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن أعظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط»، وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا أراد الله بقوم خيرا ابتلاهم».
هل الابتلاء عقوبة من الله
أكد الشيخ أبو اليزيد سلامة، أحد علماء الأزهر الشريف، أن الابتلاءات التي يُبتلى بها الإنسان تُعدّ وسيلة من وسائل رفع الدرجات وتكفير الذنوب"
الابتلاء ليس عقوبة بل هو امتحان
وأضاف العالم الازهري: "الابتلاء ليس عقوبة، بل هو امتحان لمدى صبر الإنسان وإيمانه، كما حدث مع الأنبياء، فالأنبياء هم أكثر الناس ابتلاء، ويأتي بعدهم الأكثر ابتلاءً، كما ورد في الحديث النبوي: (أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)".
وأشار إلى قصة سيدنا يوسف عليه السلام كمثال واضح: "سيدنا يوسف عليه السلام تعرض للابتلاء والأنواع المختلفة من المحن، من إلقاء في الجب إلى السجن، لكن الله عز وجل لم يرد له سوى الخير، لو استجاب الله له منذ البداية وعاد إلى أبيه، لما تحقق له مقامه الرفيع كعزيز مصر، لكن صبره على الابتلاء كان سبباً في رفع درجاته."
وشدد على أهمية الصبر والرضا بما قدره الله، قائلاً: "الصبر على ما قدره الله هو وسيلة لرفع الدرجات في الدنيا والآخرة. لنتعامل مع من حولنا من ذوي الهمم بكل احترام ومحبة، ولنسعى في دعمهم ومساعدتهم بما نستطيع، فهم أهل للبركة ويستحقون كل الدعم".
الابتلاء من أقدار الله تعالى ورحمته
قالت دار الإفتاء، إن الابتلاء من أقدار الله تعالى ورحمته، يجعل في طياته اللطف، ويسوق في مجرياته العطف، والمحن تحمل المنح، فكلُّ ما يصيب الإنسان من ابتلاءات هي في حقيقتها رفعة في درجة المؤمن وزيادة ثوابه ورفع عقابه، حتى الشوكة تُصيبه؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه". وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (10/ 105، ط. دار المعرفة): [وهذا يقتضي حصول الأمرين معًا: حصول الثواب، ورفع العقاب].
وأوضحت دار الإفتاء، أن ابتلاء الله تعالى لعباده لا يُحكم عليه بظاهره بالضر أو النفع؛ لانطوائه على أسرار غيبية وأحكامٍ علوية لا يعلم حقيقتها إلَّا رب البرية؛ قال تعالى: «وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» [الأعراف: 168].
الحكم بظاهر الابتلاءات
وواصلت: فليس المقصود هو الحكم بظاهر الابتلاءات؛ بل العلم بقدرة الله تعالى، والإسراع في الرجوع إليه، وأن يتفقد الإنسان نفسه بالسكون إلى قضاء الله تعالى والإذعان إلى مراده؛ قال سبحانه: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ [الأنعام: 43]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ [المؤمنون: 76].
وأكملت: سمَّى الله تعالى غزوة "تبوك" التي استمرت شهرًا «ساعةَ العُسرة» كما في قوله تعالى: «لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ» [التوبة: 117]، تهوينًا لأمرها وتيسيرًا لهولها، وإخبارًا بعِظَمِ أجرها.
ونقلت قول الإمام البقاعي في "نظم الدرر" (9/ 36، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وسمَّاها "ساعة": تهوينًا لأوقات الكروب، وتشجيعًا على مواقعة المكاره؛ فإنَّ أمدها يسير وأجرها عظيم خطير، فكانت حالهم باتباعه في هذه الغزوة أكمل من حالهم قبلها].
لا ينبغي للإنسان أن ييأس من رحمة ربه
فلا ينبغي للإنسان أن ييأس من رحمة ربه، أو أن يضجر من الدعاء، أو يستطيل زمن البلاء؛ لأنه لا يعلم حكمة البلاء ولا يعي كنه أسراره، وأن تَفَقُّدَ الله تعالى للمكلفين بالمصائب والابتلاءات إنما هو رحمة بهم، وحفظًا لصحة عبوديتهم؛ قال الإمام ابن الجوزي في "صيد الخاطر" (ص: 439، ط. دار القلم): [فإياك إياك أن تستطيل زمان البلاء، وتضجر من كثرة الدعاء؛ فإنك مبتلى بالبلاء، متعبد بالصبر والدعاء، ولا تيأس من روح الله، وإن طال البلاء].
وقال الشيخ ابن القيم في "زاد المعاد" (4/ 179، ط. مؤسسة الرسالة): [لولا محن الدنيا ومصائبها: لأصاب العبد -من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب- ما هو سبب هلاكه عاجلًا وآجلًا، فمن رحمة أرحم الراحمين: أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب، تكون حِمْيَةً له من هذه الأدواء، وحفظًا لصحة عبوديته، واستفراغًا للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه، فسبحان مَن يرحم ببلائه، ويبتلي بنعمائه].