عاجل
الأحد 08 سبتمبر 2024 الموافق 05 ربيع الأول 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

إمام المسجد النبوي: «الغفلة» حجاب بين العبد وربه والذِكر يزيله ويطرد الشيطان

إمام المسجد النبوي
إمام المسجد النبوي

 قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم،  إن الله تعالى بعث الرسل ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور فمن أجابهم خرج إلى نور الهداية، ومن لم يجبهم بقي في ظلمة الجهل وغفلة فهي أصل الشرور ومن أعظم أمراض القلوب يحرم العبد بها خير الدنيا والآخرة.

 

 الله تعالى أخذ على بني آدم الميثاق بأنه ربهم ومعبودهم


وأضاف إمام وخطيب المسجد النبوي، خلال خطبة الجمعة اليوم، أن الله تعالى أخذ على بني آدم الميثاق بأنه ربهم ومعبودهم لئلا يعتذروا بالغفلة قال تعالى «ولا تكن من الغافلين» وفي الحديث «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والبخل والهرم، والقسوة والغفلة».

 

ذم من يعلمون ظاهرا من الدنيا وهم غافلون عن الآخرة


وتابع: أمر الله لرسوله بإنذار الناس قبل أن يتحسروا على غفلتهم، وأخبر سبحانه باقتراب حساب الناس ليستيقظوا من غفلتهم، اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون، وذم من يعلمون ظاهرا من الدنيا وهم غافلون عن الآخرة؛ وكل أمة انقطع عنها الإنذار وترك فيها التذكير تقع في الغفلة، لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون، وأخبر الله أن كثيرا من الناس عن آياته غافلون.

 

 من أسباب الغفلة: حب الدنيا


وواصل: أن من أسباب الغفلة: حب الدنيا والركون إليها، وتقديم محابها على الآخرة؛ قال بعض الحكماء: «من نظر إلى الدنيا بغير العبرة؛ انطمس من بصر قلبه بقدر تلك الغفلة»، والإعراض عن تلاوة القرآن وذكر الله يوجب الغفلة وموت القلب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه، مثل الحي والميت» (متفق عليه)، ومآل ترك الجمعات تهاونا وكسلا يوجب الغفلة، وصحبة الغافلين سبيل لها، وقد نهى سبحانه عن صحبتهم، وعن طاعتهم والقبول منهم، «ولا ‌تطع ‌من ‌أغفلنا ‌قلبه ‌عن ‌ذكرنا».


واستطرد: إن من الاغترار أن يسيء العبد فيرى إحسانا؛ فيظن أنه قد سومح، وربما رأى سلامة بدنه وماله؛ فظن أن لا عقوبة عليه، وما علم أن غفلته عما عوقب به من أعظم العقوبة، والسلامة من الغفلة أمر عزيز؛ فقد تلحق العبد التقي، ولكنه سرعان ما يتنبه ويتذكر فيتوب، قال تعالى: إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون.

 على المسلم أن يدعو الله دعاء الطلب


وأكمل: أن على المسلم أن يدعو الله دعاء الطلب وبما يتناسب وحاجته قال عز من قائل «قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى» واليقظة من الغفلة أول مفاتيح الخير؛ وتتحقق بامتثال أوامر الله ورسوله، ومما يوقظ منها تلاوة كتاب الله العظيم؛ هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين، والمحافظة على الصلوات الخمس مما ينجي من الغفلة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «‌من ‌حافظ ‌على ‌هؤلاء ‌الصلوات ‌المكتوبات؛ ‌لم ‌يكتب ‌من ‌الغافلين» (رواه ابن خزيمة).

 

قيام الليل ولو بآيات قليلة زكاة من الغفلة

وأردف: وقيام الليل ولو بآيات قليلة زكاة من الغفلة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين» (رواه أبو داود)، وحلق القرآن والسنة ومجالس العلم تزيل الغفلة عن القلوب؛ قال ابن القيم رحمه الله: «مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشياطين، فليتخير العبد أعجبهما إليه، وأولاهما به؛ فهو مع أهله في الدنيا والآخرة»؛ والغفلة حجاب بين العبد وربه، والذكر يزيل ذلك الغطاء، ويطرد الشيطان قال تعالى: واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين؛ وأداء العبادات في الأوقات التي يغفل عنها الناس مما ينجي من الغفلة؛ والتوبة سبب طهارة القلب، والسلامة من الغفلة قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا أخطأ خطيئة؛ نكتت في قلبه نكتة - أي نقطة - سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب؛ سقل قلبه» أي: محيت عنه تلك النقطة.

 

الشيطان يترقب غفلة العبد 


ولفت إلى أن الشيطان يترقب غفلة العبد ولا يزال به حتى يغطي القلب ويعميه، فيكون قلبه الغافل مأوى للشيطان، ومن غفل عن الله؛ عوقب بطمس البصيرة، فيصد عن معرفة الله وآياته، وتمييز الحق من الباطل؛ وإذا استحكمت الغفلة؛ فصاحبها لا يفقه ولا يبصر ولا يسمع ولا يعقل، لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون، وهي سبب انتقام الله من العبد وهلاكه، قال عز وجل: فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين.

 

 الله تعالى توعد الله الغافلين بالنار


وحذر من أن الله تعالى توعد الله الغافلين بالنار، إذ يكشف غطاء الغشاوة عن قلوبهم، ويبصرون ما كانوا ينكرون يوم القيامة قال تعالى: لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد، ويقرون بغفلتهم ويندمون عليها، واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا، وإذا ولجوا النار أعادوا كرة الندامة على غفلتهم؛ يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين, مشيرا إلى أن الله ليس بغافل قال تعالى: وما ربك بغافل عما تعملون، وأن جماع الشر الغفلة والشهوة؛ فالغفلة عن الله والدار الآخرة تسد باب الخير، والشهوة تفتح باب الشر، وكلما كان القلب أبعد من الله كانت الآفات إليه أسرع، وكلما قرب من الله بعدت عنه الآفات؛ والبعد من الله مراتب، بعضها أشد من بعض، ولا خلاص من بلوى المعصية إلا بالتخلص من الغفلة.


ونبه إمام وخطيب المسجد النبوي، على أن دخول الشيطان على العبد من الغفلة والشهوة والغضب، وصدأ القلب بالغفلة والذنب، وجلاؤه بالاستغفار والذكر، ومن علامة صحة القلب: أنه لا يزال يحدو بصاحبه، حتى ينيب إلى الله، ويخبت إليه، ويتعلق به, ومن غفل عن نفسه؛ تصرمت أوقاته، واشتدت عليه حسراته؛ فاستدركوا ما فات بما بقي، ومن أصلح ما بقي غفر له ما مضى، والرشيد من وقف مع نفسه وقفة حساب وعتاب، يصحح مسيرتها، ويتدارك زلتها، ويتصفح في ليله ما صدر من أفعال نهاره.
 

تابع موقع تحيا مصر علي