حكم الغضب في الإسلام.. ونصيحة النبي للتخلص منه؟
ADVERTISEMENT
ما حكم الغضب وكيفية السيطرة عليه ؟ ذمت الشريعة الإسلامية الغضب ونهت عنه، إلا إذا كان في الحق، وأرشدت من يقع فيه ويصير سلوكا مضرا له ولغيره أن يبتعد عنه وعن أسبابه، وأن يستعين بالله تعالى ويتوكل عليه في كل شؤونه، ويتخذ الإجراءات المساعدة له على دفع الغضب، كالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وأن يسكت، ويتوضأ إذا غضب، وأن يغير هيئته، وأن يتحلى بخلق العفو، وألا يتسرع، وأن يكظم غيظه ليتمكن من التحكم في نفسه، وأن يعلم أن كلامه محسوب عليه ولو في وقت الغضب، وإن وجد سبيلا آخر مباحا يساعده فلا بأس به؛ وأولا وآخرا يدعو الله تعالى أن يقيه شر ما يضره.
خطورة الغضب على المسلم
قال الدكتور أسامة فخري الجندي، من علماء وزارة الأوقاف، إن من بين المشاكل الرئيسية لـ الغضب التي نشهدها هو أنه يحجب العقل، وإذا حجب الإنسان عقله، فلا يستطيع التعامل بفعالية في حياته.
وأوضح العالم بوزارة الأوقاف،: "أنا أتعامل مع الناس من خلال استخدام العقل، من خلال الحقوق والواجبات ومن خلال إحساسي للآخرين.. عندما يحجب العقل، لا يستطيع الإنسان أن يتصرف بطريقة طبيعية. لذلك، عندما جاء رجل إلى سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم وسأله أن يوصيه، كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر له 'لا تغضب'، مما يشير إلى أهمية ضبط الغضب".
وتابع: "آثار الغضب ليست ظاهرة فقط حقد وكراهية وباطل، لكن لها آثار باطنية، وتحجب العقل، وعندما يحجب العقل، فإذا لا حاكم لغرائز الإنسان يعنى كل غريزة لها مهمة، وعندما يحجب العقل يكون مثله مثل أى مخلوق، وبالتالى الغضب يصرف نعمة الله عن العبد ".
تعريف الغضب
الغضب: هو حالة غليان تنتاب الإنسان نتيجة انزعاجه من أمر من الأمور؛ بحيث يكون مريدا للتشفي والانتقام. قال الإمام الجرجاني في "التعريفات": [الغضب: تغير يحصل عند غليان دم القلب؛ ليحصل عنه التشفي للصدر] وقال الإمام الراغب الأصفهاني في "المفردات في غريب القرآن" (ص: 608، ط. دار القلم): [الغضب: ثوران دم القلب إرادة الانتقام].
ولا مراء في أن الشخص إذا تصرف وهو على حال الغضب فإن تصرفه لن يكون محمودا؛ بل سيفعل ما لا تحمد عواقبه ويندم عليه بعد ذلك غالبا؛ لأن الغضب نار تشتعل في الجسم فلا يكون الإنسان معها متحكما في تصرفاته وانفعالاته؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه» رواه الترمذي في "سننه"، والبيهقي في "شعب الإيمان".
نهي الشريعة الإسلامية عن الغضب والتحذير منه
لهذه الخطورة التي يحدثها الغضب ذمت الشريعة الإسلامية الغضب وحذرت الناس منه ومن عواقبه؛ فعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا معاوية: إياك والغضب، فإن الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل» رواه الطبراني في "المعجم الكبير"، والبيهقي في "شعب الإيمان"؛ فلخطورة ما يترتب على الغضب، وما قد يؤول صاحبه إليه، كان الغضب من حيث الأصل منهيا عنه شرعا.
وورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أوصني، قال: «لا تغضب» فردد مرارا، قال: «لا تغضب» رواه الإمام البخاري في "صحيحه"؛ فهذا يدل على أن الغضب في أصله منهي عنه شرعا.
قال الإمام الصنعاني في "سبل السلام" (2/ 668، ط. دار الحديث): [والحديث نهى عن الغضب].
الغضب من أجل إحقاق حق أو إبطال باطل
هناك حالات يكون الغضب فيها مطلوبا، وهي ما إذا كان هذا الغضب من أجل إحقاق حق أو إبطال باطل ونحو ذلك.
قال الإمام الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (7/ 214، ط. مطبعة السعادة) عند شرح قوله صلى الله عليه وآله وسلم: أوصني، قال: «لا تغضب»: [أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم امتناعه من الغضب في معاني دنياه ومعاملته، وأما فيما يعاد إلى القيام بالحق فالغضب فيه قد يكون واجبا، وهو: الغضب على أهل الباطل وإنكاره عليهم بما يجوز، وقد يكون مندوبا إليه، وهو الغضب على المخطئ إذا علمت أن في إبداء غضبك عليه ردعا له وباعثا على الحق، وقد روى زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما سأله رجل عن ضالة الإبل غضب حتى احمرت وجنتاه أو احمر وجهه، وقال: «ما لك ولها»، وغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما شكا إليه رجل معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه يطول بهم في الصلاة، ويحتمل أن يكون هذا الذي قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تغضب» قد علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان كثير الغضب قليل الملك لنفسه عنده، وإن كان ما كان يدخل عليه نقص في دينه وحاله من جهة الغضب؛ فخصه بالنهي عن ذلك، والله أعلم].
ويفهم من ذلك: أن الغضب منه ما هو حسن ومحمود، ومنه ما هو سيئ ومذموم، وهذا هو محل النهي الوارد في النصوص الشرعية.
ولما كانت أحكام الشرع متعلقة بأفعال المكلفين كان محل النهي عن الغضب الذي هو انفعال متعلقا بما إذا صار الغضب سلوكا مضرا بالنفس أو الغير؛ فقد نقل الحافظ ابن حجر عن الإمام النووي كلامه عن الحكم حال الغضب؛ حيث قال في "فتح الباري شرح صحيح البخاري" (13/ 138، ط. دار المعرفة): [ولا يكره في حقه صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه لا يخاف عليه في الغضب ما يخاف على غيره وأبعد من قال يحمل على أنه تكلم في الحكم قبل وصوله في الغضب إلى تغير الفكر].
إجراءات شرعية للتحكم في سرعة الغضب وعلاجه
الشريعة الإسلامية دائمة الحرص على دفع أي ضرر قد يلحق بالإنسان وتحصينه من الوقوع فيه؛ ولذا فقد وضعت مجموعة من الوسائل والإجراءات التي يتمكن الشخص مع مراعاتها من التخلص من الغضب وسرعته وآثاره، وأهمها ما يلي:
الابتعاد عن الغضب وأسبابه: وذلك بالحذر من الغضب وبمحاولة التحكم في النفس وكظم غيظها؛ لقول الله تعالى في وصف عباده المتقين المستحقين لمغفرته: ﴿والكاظمين الغيظ﴾ [آل عمران: 134]؛ قال الإمام أبو حيان الأندلسي في "البحر المحيط" (3/ 347، ط. دار الفكر): [أي: الممسكين ما في أنفسهم من الغيظ بالصبر، ولا يظهر له أثر] اه، وللحديث المذكور آنفا عن أبي هريرة رضي الله عنه، في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأحد أصحابه: «لا تغضب».
والحديث الشريف يدل على أن الابتعاد عن أسباب الغضب وعدم التعرض له وسيلة من وسائل اجتناب الغضب؛ ولذا نهت الشريعة عنه؛ قال الإمام الصنعاني في "سبل السلام" (2/ 668): [قال الخطابي: نهى عن اجتناب أسباب الغضب وعدم التعرض لما يجلبه].
وكظم الغيظ يعد محاولة للتحكم في ضبط النفس قدر الإمكان؛ فمن فعل هذا كان ذلك عونا له على دفع الغضب وأسبابه، وفي هذا نجاة للإنسان في العاجلة والآجلة؛ فعن سهل بن معاذ، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه؛ ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا» رواه أبو داود في "سننه"، والبيهقي في "شعب الإيمان".
وفي رواية: «من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور العين ما شاء» رواه الترمذي وأبو داود في "سننيهما"، والطبراني في "المعجم الكبير".
مداومة الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: فإنها تذهب عن الإنسان كل ما يجد من ضيق النفس والغضب؛ قال الله تعالى: ﴿وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم﴾ [الأعراف: 200].
وعن عدي بن ثابت قال: حدثنا سليمان بن صرد، قال: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسب صاحبه، مغضبا قد احمر وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إني لأعلم كلمة، لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: إني لست بمجنون. رواه البخاري في "صحيحه".
السكوت: فإن الإنسان إذا سكت فقد حافظ على نفسه من الغضب، وساعد نفسه على تهدئة الروع؛ ولذا أوصت السنة بذلك؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا غضب أحدكم فليسكت» رواه البخاري في "الأدب المفرد"، وأحمد في "المسند".
الوضوء: فمن يتعرض لما يغضبه عليه أن يتوضأ؛ فإن الوضوء يطفئ لهيب الغضب، ويقضي على شرارته؛ فعن عبد الله بن بجير الصنعاني قال: دخلنا على عروة بن محمد السعدي، فكلمه رجل، فأغضبه، فقام فتوضأ، فقال: حدثني أبي عن جدي عطية، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ» رواه أبو داود في "سننه"، والإمام أحمد في "مسنده".
أن يذكر الله سبحانه وتعالى؛ فذكر الله يبعث في القلب خشية تعين الإنسان على التأدب والتحكم في الغضب؛ قال الإمام الماوردي في "أدب الدنيا والدين" (ص: 258، ط. دار مكتبة الحياة): [واعلم أن لتسكين الغضب إذا هجم أسبابا يستعان بها على الحلم؛ منها: أن يذكر الله عز وجل؛ فيدعوه ذلك إلى الخوف منه، ويبعثه الخوف منه على الطاعة له، فيرجع إلى أدبه ويأخذ بندبه؛ فعند ذلك يزول الغضب؛ قال الله تعالى: ﴿واذكر ربك إذا نسيت﴾ [الكهف: 24]].
أن يغير الإنسان هيئته: فإن في ذلك عونا له على الخروج من الحالة التي هو عليها؛ فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع» رواه أبو داود في "سننه"، والإمام أحمد في "مسنده".
التحلي بخلق العفو: فمن تمكنت هذه الصفة فيه بحيث صارت خلقا من أخلاقه؛ أي: صار يصفح عن زلات الناس؛ فوقوعه في دائرة الغضب سيكون من الصعوبة بمكان؛ ولذا حثت الشريعة على التحلي بالعفو؛ قال الله تعالى عن المستحقين لمغفرته: ﴿والعافين عن الناس﴾ [آل عمران: 134].
التأني وعدم التسرع: فإذا غضب الإنسان فعليه ألا يقوم برد الفعل على الفور، وأن يمتلك نفسه، وأن يؤجل قراره إلى حين زوال الغضب؛ فيكون ذلك أنفع له؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» متفق عليه.
أن يعلم الإنسان أن الكلمة محسوبة عليه ولو في وقت الغضب؛ فعليه أن يدير انفعاله حتى لا يضيره انفعاله؛ وليتذكر أن المؤمن عليه ألا يخرج من فمه إلا الكلام الطيب؛ عملا بقول الله تعالى: ﴿ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء﴾ [إبراهيم: 24]، وقال جل شأنه: ﴿ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد﴾ [ق: 18].
وإذا وجد الإنسان وسيلة أخرى مباحة غير ما ذكر من الوسائل التي تعينه على التخلص من الغضب فيجب عليه أن يعمل بها؛ لأن الوسائل لها حكم المقاصد، ولأن الغرض هو ألا يقع الإنسان فيما يضره أو يضر من حوله؛ لما تقرر شرعا من أنه "لا ضرر ولا ضرار".
وإذا كان الغضب يتكرر بكثرة واتخذ الإنسان كل الوسائل المذكورة وما شابهها، ولم يجد تغيرا وصار ذلك بالنسبة له كالمرض؛ فإنه في هذه الحالة يذهب إلى الطبيب المختص من باب التدواي والأخذ بالأسباب التي حثنا عليها الشرع الشريف؛ فعن أسامة بن شريك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تداووا عباد الله، فإن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل معه شفاء» أخرجه الإمام البخاري في "الأدب المفرد"، وأحمد في "المسند"، وغيرهم.