ياسر حمدي يكتب: ماذا ينتظر المصريون من الحكومة الجديدة؟
ADVERTISEMENT
تشكلت بالأمس الحكومة الجديدة، وأدت اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية، واستمر الدكتور مصطفى مدبولي في رئاسة الحكومة للعام السادس على التوالي، وتم تعيين نائبين له لأول مرة، الفريق كامل الوزير نائبًا لرئيس الوزراء للتنمية الصناعية، والدكتور خالد عبد الغفار نائبًا للتنمية البشرية، مع استمرار احتفاظ الأول بوزارة النقل وأضيفت إليه الصناعة، واحتفاظ الثاني بحقيبة وزارة الصحة والسكان، وكذلك ضم التشكيل 28 وزيرًا من بينهم وزيرين جدد للوزارات السيادية (الدفاع، والخارجية) مع تجديد الثقة في وزير الداخلية، وتم دمج وزارتي التخطيط والتعاون الدولي، والخارجية والهجرة، واستحداث وزارة للاستثمار والتجارة الخارجية، وتعيين 23 نائبًا للوزير.
وتزامن مع تشكيل الحكومة، حركة محافظين موسعة شملت تغيير 21 محافظًا وتعيين جدد من خلفيات متنوعة، والإبقاء على 6 محافظين فقط وهم محافظي: البحر الأحمر، والفيوم، ومطروح، والوادي الجديد، وبني سويف، والمنوفية، إضافة إلى تعيين 32 نائبًا للمحافظين، ووجه الرئيس السيسي في أول اجتماع له مع الوزراء والمحافظين الجدد بـ استكمال مسار الإصلاح الاقتصادي، وتحقيق طفرة في الخدمات المقدمة للمواطنين وعلى رأسها الصحة والتعليم، وجذب وتشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية وتشجيع نمو القطاع الخاص.
إن تشكيل الحكومة الجديد يتميز بالتنوع والخبرة في كل المجالات سواء على صعيد القطاعات الاقتصادية المختلفة أوعلى صعيد الخدمات المقدمة للمواطنين، ويظهر ذلك في ديناميكية السيرة الذاتية للوزراء الجدد، والحوار الوطني حدد العديد من المقترحات والتوصيات التي تشكل مجموعة جديدة من السياسات والتشريعات والممارسات التي يجب على الحكومة الجديدة تبني تنفيذها خلال الفترة المقبلة، خصوصًا وأن الرئيس وعد بذلك.
الرسالة إذن أننا على أعتاب مرحلة جديدة ستكون كل الملفات فيها مفتوحة، ولكن كما قلنا سابقًا- وأكرر اليوم- إن المهم هو السياسات والتوجهات وليس الأسماء والوجوه.. لهذا فاسمحوا لي بالتعليق اليوم على ما أرى أنها التحديات الكبرى خصوصًا الإقتصادية التي سوف تواجه الحكومة الجديدة دون الدخول في تفاصيل، متمنيًا للفريق الجديد التوفيق والنجاح في مهمته الصعبة.
التحدي الأول هو الإهتمام بملف تطوير الصناعة الوطنية، لترشيد الواردات وزيادة الإنتاج الصناعي لتحقيق نمو مستدام، مع العمل على تحسين وتطوير الخدمات المقدمة للمواطنين، فمن أهم الملفات الإقتصادية التي يجب أن تركز عليها الحكومة الجديدة هي زيادة حجم الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية، واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية والتكنولوجيا الحديثة، وتوطين صناعات المستقبل في مصر، وتوطين الصناعات الحديثة يتطلب إنشاء مدن صناعية بمستوى عالمي، وتقديم حوافز مغرية لجذب كبرى الشركات الصناعية العالمية، مع حل المشاكل العالقة مع المستثمرين المحليين لتهيئة مناخ الاستثمار المحلي لجذب نظيره الأجنبي.
التحدي الثاني هو ضرورة استرداد مصداقية الحكومة لدى الناس، من حيث الفاعلية والقدرة التنفيذية؛ فالانطباع الذي ساد مؤخرًا كان «قلة حيلة» الحكومة في رسم السياسات واتخاذ القرارات الهامة بشكل فعال ومستقل، وتحول دورها إلى التنفيذ فقط.. دستوريًا وعمليًا فإننا نعيش في نظام حكم رئاسي، ولا أحد يتوقع أن تكون لدينا حكومة مستقلة، ولكن إقناع الرأي العام بأن الحكومة استردت قدرًا من «الفاعلية الإدارية والتنفيذية» أمر مطلوب، محليًا ودوليًا، وإذا كان للأمن والرقابة دور حيوي وهام في حفظ البلد واستقراره- وهذه أولوية دائمة وليست موضع نقاش- فإن هناك توازنًا مطلوبًا بين هذا الدور وترك المساحة اللازمة للإدارات المدنية (وعلى رأسها الوزارات) كي تقوم بمهامها، ثم تخضع بعد ذلك للرقابة والمساءلة بشكل سليم.
التحدي الثالث البيروقراطية في تنفيذ قرارات الوزراء، وهي أهم التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة، فتغيير الوزراء ليس العامل الوحيد لتحسين وتطوير أحد الملفات الحكومية، لأن هناك بعض الوزراء يجيدون في اتخاذ القرارات ووضع الخطط للتطوير إلا أنهم يصطدمون بالبيروقراطية وضعف الجهاز الإداري المسؤول عن التنفيذ، والقضاء على البيروقراطية يعمل على تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين بشكل عام.
التحدي الرابع أننا لا نزال في وضع إقتصادي حرج (وهذا وصف دبلوماسي)، وذلك رغم طوق النجاة الذي جاءنا في اللحظة الأخيرة بسبب صفقة «رأس الحكمة» ثم القروض والمعونات الدولية التي سمحت بانفراج مشكلة سوق الصرف، وبسداد الديون الحالَّة، والإفراج عن الأدوات والمواد الخام والسلع المستوردة، وتحسن تصنيف مصر الائتماني، ومنح المستثمرين من الخارج بعض التفاؤل، كلها خطوات إيجابية، ولكن الجميع يعلم أنها ليست كافية لأنها لم تخاطب الإقتصاد الحقيقي ولا عبرت عن تغيير في المسار الإقتصادي.
الواقع أن المجموعة الإقتصادية الجديدة عليها التعامل مع استمرار عجز الموازنة المرتفع، والديون الخارجية التي تضاعفت عدة مرات في سنوات قليلة، والتضخم المستمر، وتراجع الاستثمار الخاص، بالإضافة لأزمات متتالية للكهرباء والأدوية وغيرها، وهذا يقتضي تغييرًا جذريًا في سياساتنا الإقتصادية لم نلمس بوادره بعد، هناك فرصة لتصحيح المسار لأن المجموعة الإقتصادية الحالية يغلب عليها الشباب (نسبيًا) والسمعة الدولية الممتازة والخبرة في الاستثمار، وعليها عبء كبير في تحويل دفة سفينة اقتصادنا، ولكن قدرتها على التأثير على الإقتصاد الحقيقي ستكون هي معيار النجاح.
لم أتطرق لتحدي انفجار الأسعار لأنه أمر غاية في الأهمية، وتحدي مفروغ منه، ولم أتطرق للتحدي الأكبر وهو ثبات سعر الصرف والقضاء على السوق الموازية بفرض سياسات إقتصادية جديدة تساعد في توفير السيولة الدولارية للقضاء على السوق السوداء، ولم أتطرق أيضًا للمسار السياسي، وهو مجال أظن أن هناك اتفاقًا على أنه خارج تدخل الحكومة، والمهم أن يحدث تقدم في هذا الموضوع، أيًا كان من يتولى إدارته.
أخيرًا: تحية لمن بذلوا جهدًا كبيرًا وأخلصوا العمل من الوزراء المغادرين، ومرحبًا بالأعضاء الجدد في الحكومة، ومع تقديري للمخاوف السائدة من ألا يؤدي تغيير الوجوه إلى تغيير في السياسات، إلا أن علينا جميعًا واجب التفاعل مع الوافدين من الوزراء ومساعدتهم ومنحهم المساحة اللازمة لوضع سياساتهم والإعلان عنها والبدء في تنفيذها لأن نجاح الحكومة- أيًا كان من فيها- نجاح لمصر ولشعبها.