حكم التأمين على الحياة .. اعرف رأي الأزهر ودار الإفتاء
ADVERTISEMENT
ما حكم التأمين على الحياة ؟ أباحت دار الإفتاء التأمين على الحياة، وهو من المعاملات المستحدثة، حيث إن التأمين على الحياة معاملة قائمة على التبرع بمعني أنه يستقطع من دخله الشهري ثم إذا حصل له عجز أو خرج من وظيفته أو توفي فإن مبلغًا يعطي للمستفيدين من هذه الوثيقة سواء له أو لأهله إن كان توفى، وأفتت دار الإفتاء المصرية أن وثيقة التأمين جائزة شرعًا لا شيء فيها.
حكم أنواع التأمين المختلفة
قالت دار الإفتاء، إن التأمين بأنواعه المختلفة من المعاملات المستحدثة التي لم يرد بشأنها نص شرعي بالحل أو بالحرمة -شأنه في ذلك شأن معاملات البنوك- فقد خضع التعامل به لاجتهادات العلماء وأبحاثهم المستنبطة من بعض النصوص في عمومها؛ كقول الله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب» [المائدة: 2].
هل يجوز التأمين على الحياة
وأضافت الإفتاء في إجابتها عن سؤال: «ما حكم التأمين على الحياة؟»، أن التأمين على ثلاثة أنواع، الأول: التأمين التبادلي: وتقوم به مجموعة من الأفراد أو الجمعيات لتعويض الأضرار التي تلحق بعضهم، والثاني: التأمين الاجتماعي: وهو تأمين من يعتمدون في حياتهم على كسب عملهم من الأخطار التي يتعرضون لها، ويقوم على أساس فكرة التكافل الاجتماعي، والثالث: التأمين التجاري: وتقوم به شركات مساهمة تنشأ لهذا الغرض.
وأوضحت أن النوع الأول والثاني يكاد الإجماع أن يكون منعقدا على أنهما موافقان لمبادئ الشريعة الإسلامية؛ لكونهما تبرعا في الأصل، وتعاونا على البر والتقوى، وتحقيقا لمبدأ التكافل الاجتماعي والتعاون بين الناس دون قصد للربح، ولا تفسدهما الجهالة ولا الغرر، ولا تعتبر زيادة مبلغ التأمين فيهما عن الاشتراكات المدفوعة ربا؛ لأن هذه الأقساط ليست في مقابل الأجل، وإنما هي تبرع لتعويض أضرار الخطر.
حكم التأمين التجاري
وتابعت: أما النوع الثالث: وهو التأمين التجاري: فقد اشتد الخلاف حوله واحتد: فبينما يرى فريق من العلماء أن هذا النوع من التعامل حرام لما يكتنفه من الغرر المنهي عنه، ولما يتضمنه من القمار والمراهنة والربا، يرى فريق آخر أن التأمين التجاري ما دامت بنوده في إطار الضوابط الشرعية للعقود وما دام محققا لمقاصد الشريعة فإنه يكون جائزا؛ لأنه قائم أساسا على التكافل الاجتماعي والتعاون على البر وأنه تبرع في الأصل وليس معاوضة.
واستكملت: واستدل هؤلاء الأخيرون على ما ذهبوا إليه بعموم النصوص في الكتاب والسنة وبأدلة المعقول: أما الكتاب: فقول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود» [المائدة: 1]؛ فقالوا: إن لفظ العقود عام يشمل كل العقود ومنها التأمين وغيره، ولو كان هذا العقد محظورا لبينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحيث لم يبينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن العموم يكون مرادا ويدخل عقد التأمين تحت هذا العموم.
واستطردت: وأما السنة: فقد روي عن عمرو بن يثربي الضمري رضي الله عنه قال: شهدت خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنى وكان فيما خطب: «ولا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه»، فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طريق حل المال أن تسمح به نفس باذله من خلال التراضي، والتأمين يتراضى فيه الطرفان على أخذ مال بطريق مخصوص، فيكون حلالا.
وبينت أنه من المعقول: أن التأمين -وهو تبرع من المؤمن؛ حيث يتبرع بالقسط المدفوع، وتبرع من جهة أخرى من الشركة؛ حيث تتبرع بقيمة التأمين وذلك على سبيل توزيع المخاطر والتعاون على حمل المبتلى- لا يشتمل على منهي شرعا، كما استدلوا أيضا بالعرف، فقد جرى العرف على التعامل بهذا النوع من العقود، والعرف مصدر من مصادر التشريع كما هو معلوم، وكذا المصلحة المرسلة، كما أن بين التأمين التجاري وبين التأمين التبادلي والاجتماعي المجمع على حلهما وموافقتهما لمبادئ الشريعة وجوه شبه كثيرة، مما يسحب حكمهما عليه، فيكون حلالا.
ونبهت على أن عقد التأمين ليس من عقود الغرر المحرمة؛ لأنه فضلا عن ضرورة تعديل وثائق التأمين كما سيأتي، فإنه عقد تبرع وليس عقد معاوضة فيفسده الغرر؛ لأن الغرر فيه لا يفضي إلى نزاع بين أطرافه؛ لكثرة تعامل الناس به وشيوعه فيهم وانتشاره في كل المجالات، فما ألفه الناس ورضوا به دون ترتب نزاع حوله يكون غير منهي عنه، ومن المقرر شرعا أن عقود التبرعات يتهاون فيها عن الغرر الكثير بخلاف عقود المعاوضات فإنه لا يقبل فيها إلا الغرر اليسير.
وأكدت أن الغرر يتصور حينما يكون العقد فرديا بين الشخص والشركة، أما وقد أصبح التأمين في جميع المجالات الاقتصادية، وأصبحت الشركات هي التي تقوم بالتأمين الجماعي لمن يعملون لديها، وصار كل إنسان يعرف مقدما مقدار ما سيدفعه وما سيحصل عليه، فهنا لا يتصور وجود الغرر الفاحش المنهي عنه، كما لا يوجد في عقد التأمين شبهة القمار؛ لأن المقامرة تقوم على الحظ، في حين أن التأمين يقوم على أسس منضبطة وعلى حسابات مدروسة ومحسوبة من ناحية، وعلى عقد مبرم من ناحية أخرى.
ولفتت إلى أنه بدراسة وثائق التأمين بجميع أنواعه الصادرة عن شركات التأمين تبين أن أكثر بنودها ما هي إلا قواعد تنظيمية مقررة من قبل شركات التأمين، إذا ارتضاها العميل أصبح ملتزما بما فيها، وأن أكثر هذه البنود في مجموعها لا تخالف الشريعة الإسلامية، غير أن هناك بعض البنود يجب إلغاؤها أو تعديلها لتتمشى مع أحكام الشريعة وتتفق مع ما قررته قيادات التأمين في محضر اجتماعهم برئاسة مفتي الجمهورية بدار الإفتاء المصرية المؤرخ 25/ 3/ 1997م؛ وذلك في البنود التالية الواردة في إحدى صور التأمين على سبيل المثال:
البند المتضمن: (رد قيمة الأقساط بالكامل إذا كان المؤمن عليه على قيد الحياة عند انتهاء مدة التأمين)، يجب تعديله إلى: (رد قيمة الأقساط بالكامل إذا كان المؤمن عليه على قيد الحياة عند انتهاء مدة التأمين مع استثماراتها بعد خصم نسبة معينة نظير الأعمال الإدارية التي تقوم بها الشركة).
والبند المتضمن: (أنه إذا حدث بالرغم من إرسال الخطاب المسجل لم يسدد العميل في المهلة المحددة وكانت أقساط السنوات الثلاث الأولى لم تسدد بالكامل يعتبر العقد لاغيا وبغير حاجة إلى إنذار وتبقى الأقساط المدفوعة حقا مكتسبا للشركة)، يجب تعديله إلى: (وترد الأقساط المدفوعة إلى العميل بعد خصم نسبة لا تزيد على 10% في المائة مقابل الأعمال التي قامت بها الشركة)؛ حتى لا تستولي الشركة على أموال الناس بالباطل.
والبند المتضمن: (يسقط الحق في المطالبة بأي حق من الحقوق الناشئة عن عقد التأمين إذا لم يطالب به أصحابه، أو لم يقدموا للشركة المستندات الدالة على الوفاة)، يجب إلغاؤه؛ حيث إن الحق متى ثبت للعميل لا يسقط بأي حال من الأحوال حتى ولو لم يطالب به أصحابه. وبعد مرور عشر سنوات يسلم المال إلى بيت مال المسلمين.
وكذلك البند المتضمن: (كما يسقط بالتقادم حق المستفيدين في رفع الدعاوي ضد الشركة للمطالبة بالحقوق الناشئة عن هذا العقد بمضي ثلاث سنوات من وقت حدوث الوفاة)، يجب تعديله إلى: (يسقط الحق في رفع الدعاوي بعد مضي ثلاث وثلاثين سنة)، وهي مدة التقادم في رفع الدعوى في الحقوق المدنية عند الفقهاء في الشريعة الإسلامية.
ويسري هذا الحكم؛ من ضرورة إلغاء بعض البنود الواردة في بعض عقود التأمين أو تعديلها لتتمشى مع أحكام الشريعة، على كل بند يرد في أي من عقود التأمين يكون على شاكلة هذه البنود السالف ذكرها.
وأفادت: بأن التأمين بكل أنواعه أصبح ضرورة اجتماعية تحتمها ظروف الحياة ولا يمكن الاستغناء عنه؛ لوجود الكم الهائل من عمال وأعمال المصانع والشركات الاقتصادية العامة والخاصة، وأصبحت الشركات تحافظ على رأس المال حتى يؤدي وظيفته المنوطة به في المحافظة على الاقتصاد الذي هو عصب الحياة، وتحافظ على العمال بغرض تأمين حياتهم حالا ومستقبلا، وليس المقصود من التأمين هو الربح أو الكسب غير المشروع، وإنما هو التكافل والتضامن والتعاون في رفع ما يصيب الأفراد والهيئات من أضرار الحوادث والكوارث، وليس التأمين ضريبة تحصل بالقوة، إنما هو تكاتف وتعاون على البر والإيثار المأمور بهما في الإسلام.
وقد أخذت دول العالم بنظام التأمين بغية الرقي بأممهم والتقدم بشعوبهم، ولم يغلق الإسلام هذا الباب في وجوه أتباعه؛ لأنه دين التقدم والحضارة والنظام، وإنما وجد من علماء المسلمين قديما وحديثا في كل بلاد العالم الإسلامي من أجازوه وأباحوه، ولهم أدلتهم التي ذكرنا طرفا منها.
لا مانع شرعا من العمل في مجال التأمين والأخذ بنظام التأمين بكل أنواعه
ورأت دار الإفتاء المصرية، أنه لا مانع شرعا من العمل في مجال التأمين والأخذ بنظام التأمين بكل أنواعه، مع ضرورة تعديل البنود السابق ذكرها متى وجدت، ونأمل توسيع دائرته كلما كان ذلك ممكنا ليعم الهيئات والأفراد الذين لم يشملهم التأمين، ويكون الاشتراك شهريا أو سنويا بمبلغ معقول، ويكون إجباريا في بعض المجالات ليتعود الجميع على الادخار والعطاء، على أن تعود إلى المشتركين الأموال التي اشتركوا بها ومعها استثماراتها النافعة لهم ولأوطانهم، فالأمم الراقية والمجتمعات العظيمة هي التي تربي في أبنائها حب الادخار والعمل لما ينفعهم في دينهم ومستقبل حياتهم.