دار الإفتاء: تصوير الأفعال الفاضحة ونشرها على مواقع التواصل محرمٌ شرعًا
ADVERTISEMENT
ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية، يقول السائل فيه: ما حكم من يقوم بتصوير الأفعال الفاضحة المُخلّة بالحياء في الطريق العام وينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي؟
حكم تصوير الأفعال الفاضحة ونشرها
وأوضحت دار الإفتاء، أن القيام بتصوير الأفعال الفاضحة للآخرين ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي وغيره؛ يُعدُّ إشاعة للفاحشة في المجتمع ومن التعدي على قيمه وثوابته، وهو عمل محرمٌ شرعًا ومجرمٌ قانونًا، ولا يُعدّ من إنكار المنكر في شيء؛ بل هو منكر في ذاته.
والأجدر للناشر تقديم العون والنصيحة والإرشاد للفاعل ومنعه من ارتكاب هذا الفعل قدر إمكانه، بدلًا من التصوير والتشهير به، وأن ينأى بنفسه عن الوقوع في التهلكة أمانًا له، وصونًا لمجتمعه ووطنه، والواجب على أفراد الناس إذا وقعت تحت أيديهم مثل هذه المقاطع والصور ألَّا يُعاودوا نشرها أو ترويجها.
احترام خصوصية الإنسان
وأكدت دار الإفتاء، أن الإسلام حرص على احترام خصوصية الإنسان، وهو أمر داخل في مقصد حفظ العرض، وهو أحد المقاصد الكبرى للشريعة، وشرع الله عزَّ وجلَّ لأجل ذلك من الأحكام والتشريعات ما يحفظ به للإنسان حقه في الخصوصية، في هيئته وصورته، وهذا ليس مقصورًا على أن يخترق الإنسان سترًا مسدلًا أو أن ينظر إلى عورةٍ، بل هو نهيٌ عن عموم اختراق خصوصية الآخرين بغير علمهم وبغير ضرورة لذلك.
ولما كان حفظ خصوصيات الجسد في هيئته وصورته أمرًا واجبًا؛ لا يحل استباحته إلا لسبب مما استقر على تسميته بأسباب الإباحة، وهي حالات تبيح - على خلاف الأصل - ما كان محظورًا؛ كأن يكون له سلطة قانونية تبيح له هذا التصوير: فقد جعلت الشريعة الإسلامية من آدابِ الطريق العام: غض البصر؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ» فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ؛ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: «فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا» قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: «غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ» متفق عليه.
وإذا كان من آداب الطريق، غض البصر، وكفُّ الأذى، فإن تصويرَ الناس فيه دون علمهم يشتمل على تجاوز غض البصر إلى استراق النظر وخرق الخصوصية التي كفلها الشرع الحنيف لعباده.
التحذير من تتبع عورات الناس
وأشارت دار الإفتاء، إلى أن الشرع الشريف أمر بالستر وغض الطرف عن عثرات الناس وعيوبهم، وعدم تتبع عوراتهم، وعدم التشهير بهم؛ لئلا يكون سببًا في نشر السوء من وجه، وسترًا وعونًا على التوبة وإصلاح النفس من وجه آخر؛ فعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» أخرجه الإمام مسلم في (صحيحه).
وفي رواية أخرجها الإمام ابن ماجه في (سننه): «مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ»؛ قال الإمام الصنعاني في (سبل السلام): «من ستر مسلمًا اطلعَ منه على ما لا ينبغي إظهارهُ من الزلاتِ والعثراتِ، فإنه مأجور بما ذكره من سترهِ في الدنيا والآخرة؛ فيسترهُ في الدنيا بألَّا يأتي زلةً يَكْرَهُ اطلاعَ غيرهِ عليها، وإن أتاها لم يُطلعْ الله عليها أحدًا، وستره في الآخرة بالمغفرة لذنوبه وعدم إظهار قبائحه وغير ذلك» اهـ.
حكم تصوير ما يخل بالحياء العام
وأكدت دار الإفتاء، أن تصوير ما يُخلّ بالحياء العام ونشره على وسائل التواصل، وجعلُ ذلك عرضة للتداول بين الناس أيًّا كانت وسيلة النشر والغرض منها - التربح أو إنكار المنكر أو الانتقام - أمرٌ يتعارض مع ما سبق ذكره، ويُعدُّ هتكًا لستر الآخرين بغير سبب مبيح، وهو إشاعة للفاحشة في المجتمع، فهو فعلٌ محرمٌ شرعًا، وموجب للإثم والعقوبة إن لم يلحقه توبة؛ لقول المولى عزَّ وجلَّ: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (النور: 19)، والآية عامة في الذين يَلتمسون العورات، ويشيعون الفواحش.
وعن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَمَنْ بَغَى مُؤْمِنًا بِشَيْءٍ يُرِيدُ بِهِ شَيْنَهُ حَبَسَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ» أخرجه الإمام أحمد في (المسند)، وأبو الشيخ الأصفهاني في (التوبيخ والتنبيه).
وقد جعل الشرع الحنيف إشاعة الفاحشة مساويًا في الوِزْر لفعلها؛ لعِظَم الضرر المترتب في الحالتين؛ فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «القائلُ الفاحشةَ والذي يشيع بها في الإثم سواء»، أخرجه البخاري في (الأدب المفرد)، وقال عطاء رضي الله عنه: «من أشاع الفاحشة فعليه النكال، وإن كان صادقًا» أخرجه ابن أبي حاتم في (تفسيره)، وأورده عبد الرزاق في (المصنف) بلفظ: «على الذي يشيع الفاحشة نكال وإن صدق".
فالإنسان مأمورٌ - كما سبق - بسترِ حالِ غيرِهِ وغَضِّ الطرْفِ عن فِعلِه، إن هو اطَّلع على شيءٍ من أموره وأحواله، لا بكَشْفِها وفَضْحِ أمْرِه؛ امتثالا لقولِهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» متفق عليه؛ ولقولِهِ صلى الله عليه وآله وسلم لهَزَّالٍ رضي الله عنه حين أمر خادمه ماعزًا رضي الله عنه بأن يخبر عن فعلته ليُقام عليه الحد: «وَيْلَكَ يَا هَزَّالُ، لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ» أخرجه أحمد في (المسند)، والنسائي - واللفظ له - والبيهقي في (السنن)، والحاكم في (المستدرك) وصححه.
الواجب على الإنسان أن يستر على نفسه خطأه
وأوضحت دار الإفتاء، أن الشرع الحنيف لم يكتف بالأمر بالستر على الآخرين، وإنَّما تطرق إلى أن الواجب على الإنسان أن يستر على نفسه خطأه، وألَّا يظهر عيبه أو يفضح نفسه إن وقع في معصية أو اقترف إثمًا؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا، فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ، نُقِيمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ» أخرجه الإمام مالك في (الموطأ) واللفظ له، والحاكم في (المستدرك).
قال الإمام ابن عبد البر في (التمهيد) شارحًا الحديث: «وفيه أيضًا ما يدل على أنَّ السِّتْرَ واجبٌ على المسلمِ في خاصةِ نفسهِ إذا أتى فاحشةً» اهـ. وقال الإمام ابن رشد في (المقدمات الممهدات): «الإنسان مأمور بالستر على نفسه وعلى غيره» اهـ.
نشر الفضائح الأخلاقية على وسائل التوصل
وتابعت دار الإفتاء، أَنَّ نشر الفضائح الأخلاقية للآخرين على وسائل التوصل للتشهير يغلب ألَّا يكون مقصده سليمًا؛ بل غالبًا ما يندرج تحت طلب مذموم للشهرة؛ وقد ورد عن أنس رضي الله عنه أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «حَسْبُ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ - إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللهُ - أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِ النَّاسُ بِالْأَصَابِعِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ»، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللهُ» أخرجهما البيهقي في (شعب الإيمان).