عاجل
الجمعة 15 نوفمبر 2024 الموافق 13 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب: الشراكة بين أفريقيا وروسيا بديلًا للصراع

ألفة السلامي
ألفة السلامي

لبيتُ دعوة كريمة من الصديق شريف جاد رئيس جمعية خريجي الجامعات الروسية والسوفيتية ومسؤول النشاط الثقافي بالبيت الروسي لحضور ندوة نظمتها السفارة الروسية بالقاهرة حول "مكانة وسائل الإعلام المصرية والأفريقية على الساحة الدولية في ظل التغيرات الراهنة ودورها في تمتين العلاقات الروسية الأفريقية".

والحقيقة أني رغم كل ما أعلمه عن الرصيد الإيجابي للعلاقات الشعبية الوثيقة بين روسيا ومصر إلا أني كنت أتوقع أنها خفتت حاليا مقارنة بالستينات لكني فوجئت بفيض من المحبة العميقة والعشق المتأصل الذي عكسته حكايات الذكريات على لسان المشاركين في الندوة، وفي مقدمتهم الدكتورة انا بيليكوفا مدير العلاقات العامة بقناة "ار تي" التي أدارت الندوة وقد روت بعض القصص التي كانت تسمعها من والدها طيلة طفولتها وشبابها مما شكل صورة ذهنية بهية لديها عن مصر التي تحتضن الحضارات والثقافات على مرّ العقود وتسعى لتحرير قرارها السياسي والاقتصادي مع دعم وشراكة مع الشعوب التي تبحث عن الانعتاق والاستقلالية والتنمية. وحاولت هذه الندوة بلورة مقترحات إعلامية جدية بين الجانبين الروسي من جهة والمصري والأفريقي من جهة أخرى في وقت تستعدُّ فيه روسيا لعقد القمة الثانية مع المنتدى الاقتصادي والإنساني الروسي الأفريقي، وذلك في سانت بطرسبرغ بمعرض اكسبوفورم في الفترة من 26 إلى 29 يوليو المقبل.

وجاءت كلمة السفير الروسي لدى القاهرة جيورجي بوريسينكو تأكيدًا لهذه المبادئ والقناعات التي تربط مصر وروسيا على امتداد ثمانين عامًا هي الآن عمر هذه العلاقة مع الحرص على خلق مفهوم الشراكة وتعايش السلمي بعيدا عن القطب الأوحد الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية على العلاقات الدولية. كما أعرب عن تطلع موسكو لمشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القمة الروسية الأفريقية الثانية. كما تحدث السفير أحمد أبوزيد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية عن العلاقة الطيبة بين البلدين مشيرًا بدوره إلى مواصلة الاحتفالات في مصر وروسيا بالذكرى الثمانين على إقامة العلاقات الدبلوماسية. كما جاءت كلمة ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجيةا لروسية، عبر زووم، مؤكدة أن موسكو تنتظر نتائج ندوة القاهرة التي تجمع بين نخبة من الصحفيين المصريين والأفارقة والروس نظراً لأهميتها في بلورة مقترحات إعلامية جديدة بهدف توثيق علاقات وطيدة ومباشرة بين روسيا وأفريقيا.

ومحصلة هذه الندوة أن المشاركين قدموا عدة أفكار ومبادرات تتعلق بأهمية إنشاء منصات إعلامية أفريقية مستقلة تقدم المعلومات الموثوقة ولا تمرُّ عبر وسائط إعلامية ثالثة حرصًا على تفادي أي أزمات محتملة خلال تلقي المعلومات من أطراف ثالثة والتي غالبا ما تخضع للأهواء السياسية. وكانت كلمة شريف جاد باسم خريجين الجامعات السوفياتية والروسية واضحة ومباشرة عندما ركز على أهمية سرعة رد الفعل من الجانب الروسي والأفريقي وإيجاد لغة إعلامية مشتركة بعيدا عن هيمنة الغرب والولايات المتحدة الأميركية التي عادة ما تشوه الحقائق لخدمة أغراضها، مبديًا اهتمامًا خاصًا بمنصة One – Africaالتي أسسها السنغالي "الحسيني با"، مطالبًا أيضًا الإعلام الروسي بالقاهرة بتسهيل مهمة التواصل بين الصحفيين المصريين مع الشخصيات السياسية والرموز الثقافية الروسية.

وهكذا نجحت هذه الندوة بتوصياتها في أن تكون خير تمهيد للقمة الثانية المرتقبة بين أفريقيا وروسيا والتي تسعى جاهدة للبناء على ما تحقق من نتائج خلال القمة الأولى عام 2019 في منتجع سوتشي، برئاسة مشتركة مصرية روسية من الرئيسين السيسي وبوتين. وكانت قد أرست دورية عقد القمة كل ثلاث سنوات كآلية ثابتة للتعاون وتعزيز الشراكة. وهو بلا شك حدث يُعد الأول بمثل هذا المستوى من التمثيل والأهمية في تاريخ العلاقات الروسية الأفريقية وما يعوِّلُ عليه كنتائج من شأنها الدفع بالتعاون الاستراتيجي والاقتصادي في وقت يعاني العالم بأسره من تداعيات الأزمات المتتالية جراء جائحة كورونا والحرب الدائرة في أوكرانيا وما تشهده من حشد هائل من الدول الغربية للإنفاق على التسليح وتمويل تلك الحرب متناسيًا أولويات التنمية ورغبة شعوب العالم خاصة في أفريقيا الفتية في تطوير إمكانياتها وتحقيق طموحات شعوبها نحو التنمية والتقدم. ولا يخفى التوجه الواضح مؤخرًا للولايات المتحدة نحو تركيز تواجدها في أفريقيا وإعادة صياغة استراتيجية تعكس التنافس الملحوظ على استعادة النفوذ في القارة السمراء الغنية بالموارد الطبيعية، والموارد البشرية الشابة.

ولعلنا نتذكر في هذا الإطار ما قالته سابرينا سينغ نائبة المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية تعليقًا على القمة الأولى (روسيا أفريقيا) من أن البنتاغون يلاحظ زيادة الوجود الروسي في شمالي إفريقيا وكان أن تحركت واشنطن بقوة بعدها لتعلن أنها تُعيد رسم سياستها في أفريقيا لمواجهة موسكو وبكين وذكرت الخارجية الامريكية نصًا "أنها تعتزم مواجهة الوجود الروسي والوجود الصيني، وتطوير أساليب غير عسكرية ضد الإرهاب"، مع التلميح إلى رغبة الولايات المتحدة في عدم التدخل في شؤون دول القارة وأنّ "لديها مصلحة كبيرة في ضمان إبقاء المنطقة مفتوحة ومتاحة للجميع، وأنّ الحكومات والشعوب يمكنها بنفسها اتخاذ خياراتها السياسية". وتعكس تلك التصريحات تعديلًا -اضطرت له أمريكا على ما يبدو-في استراتيجيتها، خاصة بعد إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين عن مفهوم الشراكة التكاملية والندية بين روسيا وأفريقيا -وليس التبعية وفرض القرارات كما يحدث من المعسكر الغربي-عندما قال إن "روسيا تستطيع تعزيز الأمن والاستقرار في العالم أجمع من خلال العمل المشترك".

تابع موقع تحيا مصر علي