ياسر حمدي يكتب: الخصوصية في زمن السوشيال ميديا!
ADVERTISEMENT
هل انتهى زمن الخصوصية في ظل وجود السوشيال ميديا؟.. قولًا واحدًا نعم.. فمهما كانت مخرجات منصات التواصل الإجتماعي مبهرة للحد الذي تقف أمامه المجتمعات عاجزة تماماً عن صد الأهداف الخبيثة المرسومة لها من أجل تغير هوية أو إحتلال عقول أو خرق للخصوصية، فإن جميع الحكومات المحلية لجميع دول العالم لا تستطيع منع هذا التوغل العولمي المذهل؛ فكانت تلك المنصات الإلكترونية أحد أدوات الجيل الخامس من الحروب؛ لنشر أفكارًا مغايرة وصادمة؛ لمحاولة إحداث شروخاً بطيئة الأثر، فتتحول مع الوقت إلى أنفجار كارثي يطيح بملامح المجتمعات وقيمها وتقاليدها؛ من أجل خلق مسوخاً مشتتة تحيا على أنقاض من الفوضي الأخلاقية.
فهناك العديد من البشر الذين تهدمت بيوتهم وتأثرت حياتهم بالسلب حتى وصلت لحد الدمار والخراب، لذلك صارت مواقع السوشيال ميديا من أخطر ما يهدد المجتمعات لسوء إستخدامها، وباتت جرائمها متعددة، وراح ضحيتها العديد من الأرواح البريئة، وسالت بسببها دماء ذكية من شهداء الوطن، بل طالت أنيابها الخبيثة الحريات الشخصية، وصرنا عراه أو شبه عراه في المجتمع.
والحقيقة المؤكدة أنه من المفارقات التي لابد من الإعتراف بها، أننا انغمسنا بشدة في إستخدام التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الإجتماعي، حتى أصبحت جزءاً مهمًا في حياتنا، واخترقت خصوصياتنا، وزاحمت علاقاتنا الإجتماعية، بدرجة تستدعي منا جميعًا، وقفة تصحيح أو بمعنى أكثر دقة مرحلة ترشيد لإستخدام هذه الوسائل.. فليس معنى تسميتها بشبكات التواصل الإجتماعي، إنعدام الخصوصية والقفز على حق كل فرد في حماية ما يخصه ونشره على الهواء، فقد فتحت هذه الشبكات «التواصل الإجتماعي»، المجال على مصراعيه، ما يهدد بالكثير من المشكلات الإجتماعية.
فلا عجب حينما ظهرت القضايا الجديدة من نوعها والمخيفة والمختلفة تمامًا عن المؤلوف والمثيرة للجدل والتي غيرت شكل ونوع الجريمة التقليدية المتعارف عليها في المجتمع، والسبب المنصات الإلكترونية، والتي لا يملك أي من الحكومات المحلية أن تتحكم فيما تبثه هذه المواقع، وللأسف تلك المنصات يشترك فيها الأفراد بملك إرادتهم وبمنتهي الأريحية، بحثًا عن الجديد والمثير فيها، وأصبح «الترند»، هو من يتحكم في مصير البشر.
القضية بالغة الأهمية، فقد إخترقت هذه المنصات الخصوصية بشكل بات مبالغ فيه، وأصبح له مساوئه التي تهدد المجتماعات بشكل ملحوظ، وفرضت عليها قضايا إجتماعية مخيفة وغريبه على قيمه ومبادئه المتعارف عليها، وإن كان الأمر متعلقًا بشكل أو بآخر بثقافة مستخدم الوسيلة، لكن هذا لا يعفي هذه المواقع من المسؤولية.
فمثلًا تجد الفتاة نفسها في مناسبة ما وتم تصويرها ونشر الفيديو من دون إذن منها، ويتداولها الجميع ويعلق عليها، والأدهى أن هناك من أدمن تصوير طعامه وشرابه وطقوس حياته ووضعها على منصته بالفيس بوك أو أي من هذه المنصات، لتصبح حياته كلها في حوزة الغير، أضف إلى ذلك ما صرنا نراه من صور خاصة بكل المناسبات دون خصوصية في الأمر.
التواصل الإجتماعي ظهر على حقيقته الخفية، وأصبح الدمار الجماعي «للفرد والأسرة والمجتمع»، وبات غول متوحش لم يسلم من أذاه وبطشه أحد، وخطر يهدد العالم كله، مساوئه وعيوبه ومخاطره أكثر بكثير من فوائده، لذلك لابد من حملات توعوية في جميع وسائل الإعلام المختلفة لتجنب هذا الإختراع المريب الذي بات على المحك، بسبب مخاوفه ومخاطره على المجتمع، علينا فهم كيفية إستخدام مثل هذه المواقع بالطريقة السليمة والمفيدة، لابد من وضع تشريع يجرم بث المقاطع المتعلقة بخصوصية البشر، وثني قوانين رادعة تعاقب مرتكبيها.
سبق وكتبت في هذا السياق من خلال هذه المنصة الغراء مقال بعنوان «هل صارت مواقع التواصل الإجتماعي خطر يهدد المجتمع؟»، واليوم أكتب عن الخصوصية التي فقدناه يومًا تلو الأخر بسبب ما يسمى «بالترند»، هذا اللفظ الغريب الذي أصبح مسيطر على عقول بني البشر، وراحت ضحيته قيم ومبادئ وأخلاقيات المجتمع، وصفاته وسماته الكريمة، وأصبح هناك الكثير من البشر يقدسونه، ويقدمون له كل القرابين حتى ولو كانت على حساب خصوصيات الأخرين ودمار حياتهم.
وأخيرًا ترند السوشيال ميديا الغول الذي يلتهم حياة الأبرياء، ويهدد المجتمع بشكل كبير، أصبح لا يمكن السكوت عنه، بسبب الكوارث الإنسانية التي تسبب فيها من عدم إحترام حقوق الإنسان، وتدمير الأسر.. فلو أن وسائل التواصل الإجتماعي غير موجودة، فلم يكن المجتمع ليعرف أو يشعر بهذه القضايا أصلًا، ولم تساهم هذه المواقع في نشر الفوضى المجتمعية التي أصبحنا عليها الآن، ولم تكن خصوصيتنا مخترقة أمام الجميع، ولم يكن هناك أشرار يبتزوا الأبرياء بدون وجه حق، ولم تحدث هذه الفجوة الكبيرة بين أفراد الأسرة بسبب الانطواء على هذه المواقع، ولم تنتشر فضائح الترند التي تسببت في دمار بيوت الكثير من الناس وكانت السبب الرئيسي في إزهاق أرواح الملايين من البشر.