ياسر حمدي يكتب: قانون المحليات إلى أين؟!
ADVERTISEMENT
في الثامن والعشرين من يونيو عام ٢٠١١ أصدرت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار كمال زكي عبدالرحمن اللمعي حكمًا بحل المجالس الشعبية المحلية على مستوى الجمهورية، ومنذ هذا الوقت لم تعد لدينا مجالس محلية، وهذا الأمر في غاية الخطورة، ويضعنا أمام سؤال هام: لماذا تأخر إصدار قانون الإدارة المحلية إلى الآن؟ وما هو السبب الحقيقي وراء تأخر انتخابات أعضاء المجالس المحلية حتى هذه اللحظة؟!.
حينما وافق المصريون على دستور ٢٠١٤، فقد نصت المادة ٢٤٢ على إستمرار العمل بنظام الإدارة المحلية القائم إلى أن يتم تطبيق ما نص عليه الدستور الجديد تدريجيًا خلال ٥ سنوات من تاريخ نفاذه، وبالتالي صار ضروريًا إصدار قانون جديد للإدارة المحلية يتوافق مع الدستور أولًا، ويستجيب للتطورات المجتمعية ثانيًا، ثم إن الدستور أعتبر هذا القانون مكملًا له، وأن ينبغي إصداره بحد أقصى عام ٢٠١٧.
الملفت للنظر ما قاله المستشار عدلي حسين محافظ القليوبية والمنوفية الأسبق، في جلسات الحوار الوطني في الأسبوع الماضي والخاصة بالمحور السياسي والمتعلقة بلجنة المحليات حيث قال إنه أعد مشروع قانون للمحليات بناء على تكليف رسمي وأرسله للحكومة عام 2014 ولا يعلم مصيره، وهناك مشروع قانون ذهب إلى مجلس النواب منذ إنتهاء لجنة الإدارة المحلية بالمجلس من مناقشته في فبراير ٢٠١٧، لكنه لم ير النور حتى الآن، بل لم يتم حتى تعيين مجالس محلية مؤقتة إلى أن يتم إصدار القانون أولًا ثم إجراء الانتخابات.
الجميل أن خلال الجلسة اقترح البعض إعطاء المجالس المحلية القادمة حق سحب الثقة من المحافظين، لكن محافظ الإسكندرية الأسبق محمد عبدالظاهر رفض الفكرة باعتبار أن المحافظين يتم تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية، على أن يقتصر سحب الثقة على باقي رؤساء الوحدات المحلية من القرى والأحياء والمدن، لكن سمير عبدالوهاب مقرر لجنة المحليات بالحوار الوطني قال إن سحب الثقة نص دستوري، باعتبار أن المحافظين رؤساء وحدات محلية.
أكاد أجزم أن البرلمان لو تمكن من إصدار قانون جديد للإدارة المحلية، فسيكون قد قدم خدمة عظمى لمصر، تساعدها أن تضع قدميها على طريق التقدم الحقيقي، المفترض أن وجود مجالس محلية منتخبة أمر شديد الأهمية لأن يصنع كوادر ويحقق ديمقراطية قاعدية أساسية، ويجعل هناك رقابة شعبية فعلية على المحليات، ويتيح صنع كوادر يتم تصعيدها للإنتخابات النيابية وفي كافة المجالات.
الإدارة المحلية في أي نظام سياسي هي عماده، فمن خلالها يبدأ التدريب على العمل السياسي، وهي وبمجالسها البلدية وسيلة من وسائل التجنيد السياسي، مثلها مثل الأحزاب السياسية والبرلمان ومؤسسات المجتمع المدني، مع الخلاف في الطبيعة والوظيفة والدرجة.
عدم وجود قانون جديد للمحليات في مصر هو واحد من أبرز النواقص التي تحمل مؤشرات سلبية للغاية، إن الناظر إلى المحليات في مصر، ومقارنة ذك بحالها في الأيام الغابرة وفي الإقليم، ليدرك أن هناك وضعًا شاذًا غير مبرر، فعقب حركة يوليو ١٩٥٢، وهزيمة يونيو ١٩٦٧، لم تتوقف المجالس الشعبية المحلية عن العمل، وفي الإقليم لا زلنا نجد تلك المجالس تعمل في سوريا رغم النواكب التي ألمت بها منذ عام ٢٠١١ حتى اليوم، لذلك فمن الضروري أن تعود الإدارة للمحليات.
لقد أشارت المادة ٢٤٢ من الدستور الحالي بما لا يدع مجالًا للبس، أن هناك تأخيرًا غير مبرر ليس فقط في عقد انتخابات المجالس الشعبية المحلية فحسب، بل في سن قانون الإدارة المحلية بأكمله، ولا عزاء لذلك فيما بات يتلكأ به سياسيًا وليس قانونًا بعض المبررين لذلك التأخير، بأن تلك المواد المشابهة بالدستور، وما حوته من نطاق زمني هو من قبيل المواقيت التنظيمية وليست الآمرة.
وأهمية الكيان الذي أتي به الدستور، وهو المجالس المحلية، المتعارف على جدواها في كافة النظم السياسية المدنية، لا يسري عليها هذا التهميش والذرائع المتعمدة، بدعوى أو بحجة أن هذا التوقيت تنظيمي، كما أنه لو افترض أن هذا التوقيت تنظيمي وليس ملزمًا، ألا يكفي مرور تسع سنوات على غياب المجالس المحلية، حتى يقول الباحثين والدراسين وقادة الرأي بل وصناع القرار المشهود لهم أن تلك المدة كافية كي تبدأ مصر في سن القانون وعقد انتخابات المجالس المحلية؟.
نعود لنسأل: ما الذي يمنع صدور القانون وإجراء الانتخابات حتى الآن؟!.. لا أحد يملك إجابة شافية حتى الآن، أو أن البعض يملكها لكن لا يقدمها، فالبعض يقول إن الخلاف حول طريقة الانتخاب هي السبب، فهل تكون بالقائمة المطلقة المغلقة أم النسبية أم الفردية، لكن البعض يقول إن السبب ربما يعود إلى ضرورة أن يكون لدى كل حزب أو قوة سياسية تخوض هذه الانتخابات ٥٥ ألف كادر جاهزون ومؤهلون، ولا يندس بينهم أعضاء من جماعات متطرفة أو إرهابية.
أرى أن الحكومة والبرلمان هما المسئولان سويًا عن تأخير إصدار هذا القانون، فالحكومة في ظل النظام الحالي المتسم بالخلل الشديد بين السلطتين التنفيذية والتشريعية هي من تتحمل المسئولية على الدفع بالقوانين أمام البرلمان، وإقرارها كما يحدث في النظم الليبرالية حيث تكون مشروعات الحكومات بقوانين أمام البرلمانات هي المكون الرئيسي للعملية التشريعية في الهيئة التشريعية، وطالما الأمر كذلك فهي المسئول الأول عن هذا التأخير، لا سيما أن لجنة الإدارة المحلية في البرلمان تشير دومًا بأن الإرادة السياسية وحدها هي التي تنقص إخراج هذا المشروع من محبسه، خاصةً وأنه قد إنتهى وضع مواده منذ عام ٢٠١٦.
البرلمان أيضًا من خلال مجلس النواب يتحمل عبء التأخير، لأنه إذا ما كان هناك حال خلل في التوازن بين السلطة وبينه، فما سبب عدم دفع مواد القانون للمناقشة في الجلسة العامة للبرلمان، وإقراره رغمًا عنها؟ أليس ذلك نوعًا من خنوع للبرلمان أمام السلطة التنفيذية، التي يبدو أنها تخشى لأسباب غير معلنة من وجود هذا القانون عامة، والمجالس الشعبية خاصة؟!.
الحقيقة أن مجابهة الفساد والمفسدين هو لا شك أحد أهم أهداف الدولة المصرية، لذلك فإن فراغ المحليات من المجالس المحلية على كافة المستويات الخاصة بوحدات الإدارة المحلية، لهو تشجيع غير مباشر للفساد، الذي بات يمخر في عظام الكيانات المحلية ووحداتها، بسبب غياب الرقابة الشعبية من قبل المجالس غير القائمة.. وكلها بلا شك أمور لم يرغب واضعو الدستور في أن تكون محل نقاش أو شك في إعمال السلطة العامة على المحافظة على تلك الكيانات، من الوقوع في براثن الفقر والفساد.. أخيرًا علينا جميعًا أن نجتهد للبحث عن صيغة عادلة تجعل صدور القانون وإجراء الانتخابات ممكنًا، والأهم أن نضمن وجود الكوادر المؤهلة.