عاجل
الإثنين 25 نوفمبر 2024 الموافق 23 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: جعفر العمدة.. هل هذا هو المثل لصناعة القدوة!؟

الكاتب الصحفي ياسر
الكاتب الصحفي ياسر حمدي

لا يملك الإنسان سوى أن يترحم على أيام الدراما المصرية العبقرية التي كانت جزءًا مهمًا من القوة الناعمة المصرية وساهمت في بناء الشخصية والهوية المصرية، مثلما لعبت دورًا في التأكيد على قيم وثوابت المجتمع المصري وأخلاقياته، مثل ليالي الحلمية، ورحلة أبو العلا البشري أو قدمت لأجيالنا نماذج للقدوة الوطنية الملهمة، مثل رأفت الهجان، ودموع في عيون وقحة؛ الذي جسد قصة البطل الاستخباراتي العظيم جمعة الشوان.

وعلى هذا النهج كانت عشرات الأعمال الدرامية التي مهما تكررت إعادة عرضها، تظل تلقى قبولًا واقبالًا على متابعتها، لأن فيها الروح المصرية الحقيقية، وإذا كان مسلسل مثل «الاختيار» أو العائدون، وهجمة مرتدة، وفي هذا العام مسلسل الكتيبة ١٠١، وحرب أعادت من جديد دراما الأبطال والأعمال التوثيقية، لكننا ما زلنا نحتاج إلى مزيد من هذه الأعمال، مثلما نحتاج أكثر وأكثر لأعمال إجتماعية تعيد التذكير بالقيم والأخلاقيات المصرية التي يبدو أنها تاهت وسط زحام التطور وميادين السوشيال ميديا الكارثية.

وإذا كنا نستيقظ كل يوم على كارثة وجريمة غريبة على مجتمعنا، أياً كان المبرر والسبب والتفاصيل، لكنها مع غيرها من الحوادث الأخرى التي شهدتها مصر خلال الشهور والسنوات الأخيرة تدق جرس إنذار علينا الانتباه إليه جيداً، فنحن في حاجة شديدة إلى استعادة الشخصية المصرية بقيمها وأخلاقياتها ومبادئها الرافضة للعنف؛ والمتمسكة بالشهامة والجدعنة ورفض التدني والظلم والخيانة والكذب والشماتة والانتهازية.

لسنا في حاجة ابدًا إلى دراما المخدرات ومسلسلات الخلاعة والبلطجة والانتقامية والانفتاح الأخلاقي المخل بكل القيم، فهذه الدراما لا تمثلنا، ولكن ما يمثلنا هي دراما الحب والرحمة والتماسك المجتمعي، دراما التسامح وإحترام الآخر بعيدًا عن التطرف والصراع والتناحر مثلما كان في مسلسل «جعفر العمدة»، نحتاج دراما تبني الإنسان، وأن تكون في الوقت نفسه جاذبة وقادرة على المنافسة في ظل ساحة مليئة بكل الوسائل من فضائيات ومنصات وسوشيال ميديا لا رقيب عليها ولا ضابط لها، وتقدم لنا ما لا يناسب قيمنا ولا يتفق مع أخلاق مجتمعنا وما نريد أن نربي عليه ابناءنا، وليس صعبًا أن نطالب بهذا لأننا نتحدث عن دولة تمتلك كل إمكانات صناعة الدراما الجادة الراقية.

وخلال السنوات الماضية نجحت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، في أن تكون درعًا حاميًا للعقول بالتصدي للأفكار الظلامية والمتطرفة ومساعي التشويه لإنجازات الدولة المصرية، التي تقودها قوى الشر، ضمن مخططات تسعى لضرب الإستقرار، كما تصدت من خلال إصدارتها المختلفة لفبركة المعلومات التي تقودها لجان ومنظمات بالخارج لا تريد الخير لمصر، ومن بينها إنتاج الأعمال الدرامية الوطنية والتي تسهم في إعادة تشكيل الوعي، والتعريف بحقيقة المخاطر التي يواجهها الشارع المصري وما تعرض له على مدار الفترة الماضية.

لكن للأسف هذا العام وعلى الرغم من إنتاجها الضخم لعدد من الأعمال الدرامية الوطنية؛ لكنها إنحرفت قليلًا نحو مسلسلات الانفتاح الأخلاقي، ودراما البلطجة والتدني التي ليس لها قيمة ثقافية ولا درامية سوى نشر أفكار خبيثة وضارة وغريبة على مجتمعنا، بل وتدعوا إلى البلطجة والقتل بسبب التأثر بشخصية البطل الزائفة التي تتسبب في كوارث لا اخلاقية لا حصر لها، مثلما شاهدنا وتابعنا من أحداث سامة للعقول في مسلسل جعفر العمدة، فهل هذا هو المثل الذي نريده لصناعة القدوة؟!.

نحن لا نختلف على حب الجماهير لمحمد رمضان وتأثيره الغريب عليهم، لكن لماذا لا يستغل هو وصناع العمل هذا الحب وهذه الجماهيرية في إستعادة قيمنا وأخلاقنا الجميلة التي فقدناها؟، لماذا لا يعطي الأمل لجمهوره عن طريق قصة كفاح شاب طبيعية ليس من كوكب أخر؟!، ولماذا يصر بشدة على أن يقدم لنا نموذج الصايع والبلطجي والقاتل؟!، وهل الإصرار على غرس فكرة البقاء للأقوى في نفوس المواطنين هي القدوة الحقيقية التي نريد أن نربي أولادنا عليها؟!، وأن أخذ الحق بالقوة والذراع بدون الرجوع للقانون والدولة التي تنظم العلاقة بين الشعب وتحفظ الأمن والنظام فيما بينهم هو الأفضل؟!.

فكرة أن القدوة في هذا المسلسل يكون شخص رابٍ، وبلطجي لا يؤمن إلا بسياسة الغابة وتهميش دور الدولة وغيابها فهذه كارثة خطيرة على مجتمع عظيم ظلت القوى الناعمة فيه تساهم في بناء حضارته العريقة، والأخطر هي اللازمة التي تصاحب المجتمع متأثره بشخصية هذا البطل القدوة في أي عمل درامي مؤثر، فكيف نقبل على أنفسنا أن يتأثر مجتمعنا بشخصية مثل شخصية جعفر العمدة التي ترسخ لفكرة الدكتاتورية والظلم والهمجية، وأن قانون البلطجة هو صاحبة الكلمة العليا، وهو صاحب الحق وغير ذلك باطل ولا بد أن يكون هو الأضعف؟!.

مثل هذه الأعمال ترسخ لعادات خاطئة تقلب موازين القيم الإجتماعية والإنسانية المسلم بها، والغريب أن الشركة المتحدة هي من تحارب مثل هذه الأعمال والسلوكيات الخاطئة والمنافية للأداب العامة والأخلاق الحميدة، وهي صاحبة مبادرة «أخلاقنا الجميلة»، فكيف لها أن تقوم بإنتاج مثل هذا العمل الذي يساهم في زيادة معدلات الجريمة، ويدعوا للتدني؟!، ولماذا لم تستغل هذه الجماهيرية وهذا الحب والقبول لشخص هذا الفنان في نبذ هذه السلوكيات الخاطئة؟، وكذا تقديم القدوة الحسنة للمجتمع الذي في أشد الحاجة لتجسيد شخصيات أمثال محمد صلاح وزويل ومجدي يعقوب وشهدائنا الأبرار وغيرهم.

فمصر ظلت لعقود رائدة في صناعة الدراما التليفزيونية الفريدة وارتبط بأعمالها كل الوطن العربي، وساهمت في تشكيل وجدان المجتمع من مسلسلات وأفلام ودراما كان لها بالغ الأثر على الشخصية المصرية، ويمكنها أن تعود سريعًا إلى مكانتها، والدليل أننا عندما أردنا أن نقدم دراما هادفة كان الاختيار وأبو العروسة وأعمل إيه وحرب والكتيبة ١٠١ وكان فيلم الممر.

إذا كان مطلوبًا أن تكون لدينا جهات إنتاج متعددة فما المانع أن نعيد هيكلة قطاع الإنتاج لينضم إلى الجهات المنتجة لتلك الدراما، ولديه من الخبرة ما يمكن أن يجعله قادرًا على تقديم دراما وأعمال سينمائية وطنية واجتماعية محترمة.

الحقيقة مسلسل جعفر العمدة من يشاهده بتعمق سوف يستنتج منه العديد من القيم الغربية والمشينة المدسوسة كالسم في العسل، فهذا النوع من الأعمال الدرامية يذبح بدم بارد كل القيم والأخلاق والعادات الحميدة التي تربينا عليها، وأمرت بها جميع الكتب السماوية، وأتعرف بها مجتمعنا المصري الأصيل، والخطر المحدق جراء هذه النوعية من المسلسلات أنها ستجعلنا نعاني خلال السنوات القادمة من أنواع عديدة لجرائم بشعة وغريبة علينا.

أخيرًا يجب أن نتفق أن التحدي الذي يواجهنا بحق هو التحدي الثقافي، وكيف نحافظ على هويتنا في ظل هذا العالم، وسلاحنا في هذا التحدي هو الدراما التي تصل إلى كل بيت وتخاطب العقل المصري بلغة سهلة وعبر أعمال جيدة، ويقينًا إذا حدث هذا فربما لا نجد هذا التكرار للجرائم الدخيلة على طبيعة المجتمع المصري، ولن نجد السلبية التي أصبحت ثقافة عند الكثيرين.. نحتاج إيقاظ الضمير المجتمعي المصري واستعادة روحه الطيبة، وسبيلنا إلى ذلك الفن بما فيه من دراما البناء والوعي والمسرح والأغاني وليس المهرجانات.. هل من مستجيب؟.

تابع موقع تحيا مصر علي