عاجل
الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية (١٩)

ياسر حمدي
ياسر حمدي

أعزائي القراء والمتابعين الكرام في كل مكان، كل عام وحضراتكم بخير بمناسبة شهر رمضان الكريم، أعاده الله عليكم وعلى مصرنا الغالية والأمتين العربية والإسلامية بالخير واليمن والبركات، عملًا بقوله تعالى «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، وتماشيًا مع ما قامت به الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية من إطلاق حملة «أخلاقنا الجميلة»، لاستعادة القيم الأصيلة، والأخلاق النبيلة، فقد قررت أن أتشرف بكتابة سلسلة مقالات يومية خلال هذا الشهر الكريم عن السيرة العطرة لخير البرية تحت عنوان «السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية».

هذه السلسلة الرشيدة خلاصة أبحاث دقيقة، وقراءات عميقة لأمهات الكتب الغنية لكبار العلماء والكتاب في السيرة المحمدية، لنتعرض خلالها لحياته الثرية، ونشأته البهية، وأخلاقه العظيمة، وصفاته الشريفة، ومواقفه النبيلة.. هذه المقالات أبتغي بها مرضات الله حتى نقتضي به، ونتأسى جميعًا بأخلاقه الجميلة، فقد قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فعلينا أن نتحلى بصفاته الحميدة، ونسير على دربه، لتسود فيما بيننا مكارم الأخلاق لأهميتها للفرد والأسرة، والمجتمع، وننعم بالمحبة والسلام.

مقالي التاسع عشر في سيرة خير البشر محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام بعنوان «معجزات النبي في حفر الخندق»، حيث يؤمن المسلمون أنه قد ظهرت خلال مرحلة حفر الخندق معجزات حسية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، منها تكثير الطعام الذي أعده جابر بن عبد الله، إذ قال جابر بن عبد الله: «إنا يوم الخندق مُحفِّر، فعرضت كدية شديدة، فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: «هذه كدية عرضت في الخندق»، فقال: «أنا نازل»، ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقًا.

فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول، فضرب في الكدية فعاد كثيبًا أهيل «رملاً سائلاً» أو أهيم «الرمل الذي لا يتمالك»، فقلت: «يا رسول الله، ائذن لي إلى البيت»، فقلت لامرأتي: «رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئًا ما كان لي في ذلك عليه صبر، فعندك شيء؟»، فقالت: «عندي شعير وعناق» (العناق: الأنثى من أولاد الماعز)، فذبحت العناق، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم بالبرمة (القِدر)، ثم جئت النبي عليه الصلاة والسلام والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافي (الحجارة التي تنصب ويجعل القدر عليها).

قد كادت أن تنضج، فقلت: «طُعَيمٌ لي، فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان»، قال: «كم هو؟»، فذكرت له، فقال: «كثير طيب»، قال: «قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي».. فقال: «قوموا»، فقام المهاجرون والأنصار، فلما دخل على امرأته قال: «ويحكِ جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم»، قالت: «هل سألك؟»، قلت: «نعم»، فقال: «ادخلوا ولا تضاغطوا»، فجعل يكثر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه، ثم ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية، قال: «كلي هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة».

وهذه ابنة بشير بن سعد تقول: «دعتني أمي عمرة بنت رواحة» فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي، ثم قالت: «أي بنية، اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بن رواحة بغدائهما»، فأخذتها فانطلقت بها، فمررت برسول الله عليه الصلاة والسلام وأنا ألتمس أبي وخالي، فقال: «تعالي يا بنية ما هذا معك؟»، فقلت: «يا رسول الله، هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد، وخالي عبد الله بن رواحة يتغذيانه»، قال: «هاتيه»، فصببته في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ملأتهما، ثم أمر بثوب فبسط له ثم دعا بالتمر عليه فتبدد فوق الثوب، ثم قال لإنسان عنده: «اصرخ في أهل الخندق أن هلم إلى الغذاء»، فاجتمع أهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب».

وعندما اعترضت صخرةٌ الصحابةَ وهم يحفرون، ضربها الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث ضربات فتفتتت، قال إثر الضربة الأولى: «الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة»، ثم ضربها الثانية فقال: «الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض»، ثم ضرب الثالثة، وقال: «الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة».. وقد تحققت هذه البشارة التي أخبرت عن اتساع الفتوحات الإسلامية والإخبار عنها في وقت كان المسلمون فيه محصورين في المدينة يواجهون المشاق والخوف والجوع والبرد القارص.

ولما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بقدوم جيش الأحزاب وأراد الخروج إلى الخندق، أمر بوضع ذراري المسلمين ونسائهم وصبيانهم في حصن بني حارثة، حتى يكونوا في مأمن من خطر الأعداء، وقد فعل محمد صلى الله عليه وسلم ذلك لأن حماية الذراري والنساء والصبيان لها أثر فعال على معنويات المقاتلين؛ لأن الجندي إذا اطمأن على زوجه وأبنائه يكون مرتاح الضمير هادئ الأعصاب، أما إذا كان الأمر بعكس ذلك فإن أمر الجندي يضطرب ومعنوياته تضعف ويستولي عليه القلق، مما يكون له أثر في تراجعه عن القتال.

إذن، وضع الرسول صلى الله عليه وسلم النساء والأطفال في حصن فارع قوي حمايةً لهم؛ لأن المسلمين كانوا في شغل عن حمايتهم، لمواجهتهم جيوش الأحزاب، فعندما نقض يهود بني قريظة عهدهم مع الرسول، أرسلت بنو قريظة يهوديًّا ليستطلع وضع الحصن الذي فيه نساءُ المسلمين وأطفالُهم، فأبصرته صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذت عمودًا ونزلت من الحصن فضربته بالعمود فقتلته، فكان هذا الفعل من صفية رادعًا لليهود من التحرش بهذا الحصن الذي ليس فيه إلا النساء والأطفال، حيث ظنت يهود بني قريظة أنه يحميه الجيشُ الإسلاميُّ، أو أن فيه على الأقل من يدافع عنه من الرجال.

تابع موقع تحيا مصر علي