عاجل
الأحد 22 ديسمبر 2024 الموافق 21 جمادى الثانية 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

وزير الأوقاف في شرحه لـ اسم الله الرقيب: المراقبة تولد الخشية والخوف من الخالق

الدكتور محمد مختار
الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف

أكد الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف أنه بالتأمل في معاني اسم الله (الرقيب) ندرك ونعلم أن الله رقيب على خلقه، ونستمد منه معنى مراقبة الله في السر والعلن.

رمضان شهر المراقبة

وأوضح وزير الأوقاف، في الحلقة الرابعة عشرة من برنامج: "الأسماء الحسنى"، أن رمضان هو شهر المراقبة، حيث يقول الله في الحديث القدسي: "كلُ عَمَل ابن آدَم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجْزِي به"، ذلك أن الإنسان في صومه لا يدرك مدى صحة ودقة صومه إلا الله، يتوضأ الإنسان فيتمضمض والماء في فمه، من العليم بوصول الماء إلى حلقه أو عدم وصوله؟ إنه الله وحده، يخلو الإنسان أو تخلو السيدة في مطبخها لإعداد الطعام، أو يخلو الطفل أو الرجل أو المرأة أو الشاب مع طعامه وشرابه من الذي يعلم أمره؟ إنه الرقيب عز وجل الذي يعلم السر وأخفى.

والصوم يعلمنا معنى المراقبة لله ففي حديث جبريل - عليه السلام - للنبي صلى الله عليه وسلم حينما سأله: "عن الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْإِسْلَامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا"، قَالَ: صَدَقْتَ، فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ! قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ"، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ، قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ".

المراقبة تولد الخشية والخوف من الله

وأكد وزير الأوقاف، أن المراقبة تولد الخشية والخوف من الله؛ لأنك تعلم أنه مطلع، وأنه قادر، يقول الحق سبحانه وتعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا"، ونحن في شهر القرآن نقرأ القرآن الكريم ونرتل القرآن الكريم ونعيش مع القرآن الكريم ونستمع إلى القرآن الكريم واسأل نفسك هل زادك ذلك إيمانًا؟ هل زادك خوفًا من الله وإقبالا عليه؟ "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا".

رمضان شهر إقامة الصلاة والإنفاق

مشيرًا إلى أن هذا شهر إقامة الصلاة وشهر الإنفاق، هذا شهر الإطعام: "الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ"، ويقول سبحانه: "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ" القرآن الذي نستمع إليه في صلاتنا وفي تراويحنا "كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ"، ويقول سبحانه: "لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ".

ويقول سبحانه: "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ"، وقت الإيمان، إذا لم تخشع القلوب في هذا الشهر العظيم ومع القرآن وشهر القرآن فمتى تخشع ففي الحديث: "صعِد النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المنبرَ، فقال: آمين، آمين، آمين، فلمَّا نزل سُئل عن ذلك، فقال: أتاني جبريلُ، فقال: رغِم أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين، ورغِم أنفُ امرئٍ ذُكِرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين، ورغِم أنفُ رجلٍ أدرك والدَيْه أو أحدَهما فلم يُغفرْ له، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين".

مراقبة الله في السر والعلن

مراقبة الله في السر والعلن هي التي جعلت بنت بائعة اللبن في زمن سيدنا عمر رضي الله عنه تمتنع عن خلط اللبن بالماء ففي ذات ليلة خرج الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه مع خادمه -أسلم- ليتفقد أحوال المسلمين في جوف الليل، وفى إحدى الطرق جلس ليستريح إلى جانب أحد الجدران، فإذا به يسمع امرأة تقول: قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه - أي اخلطيه - بالماء، فقالت الابنة: يا أُمَّاه، وما علمتِ ما كان من عَزْمَة أمير المؤمنين اليوم؟!، قالت الأم: وما كان من عزمته؟، قالت: إنه أمر مناديًا فنادى: لا يُشَابُ اللبن بالماء، فقالت الأم: يا بُنيّتي، قومي إلى اللبن فامْذقيه بالماء فإنك في موضع لا يراك عمر، ولا منادى عمر، فقالت الصبيّة: واللَّه ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، إن كان عمر لا يرانا، فربّ أمير المؤمنين يرانا.

فبعث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى الجارية فزوّجها من ابنه عاصم، فولدت لعاصم بنتًا، ولدت هذه البنت ابنة صارت أمَّا لـ "عمر بن عبد العزيز"، خامس الخلفاء الراشدين رضى اللَّه عنه؛ لبركة الأمانة وحسن المراقبة لله، وفي الأثر قال نافع: خرجت مع ابن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له فوضعوا سفرة فمر بهم راع فقال له عبد الله: هلم يا راعي فأصب من هذه السفرة فقال: إني صائم فقال له عبد الله: في مثل هذا اليوم الشديد حره وأنت في هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وبين الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم فقال الراعي: أبادر أيامي الخالية فعجب ابن عمر وقال: هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجتزرها ونطعمك من لحمها ما تفطر عليه ونعطيك ثمنها قال: إنها ليست لي إنها لمولاي، قال: فما عسيت أن يقول لك مولاك إن قلت أكلها الذئب...؟ ! فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء وهو يقول فأين الله ؟؟؟ قال: فلم يزل ابن عمر يقول: قال: الراعي فأين الله فما عدا أن قدم المدينة فبعث إلى سيده فاشترى منه الراعي والغنم فأعتق الراعي ووهب له الغنم".

إذا تعففت عن الحرام أمدك الله بالحلال ولما سأل سيدنا سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ادع الله لي أن يجعلني مستجاب الدعوة فلم يأمره بكثرة صيام ولا بمزيد صلاة ولا بمزيد صدقة ولكنه قال المقولة المشهورة: "أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُستَجابَ الدَّعوةِ"، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه: "استَحيوا منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ، قُلنا: يا رسولَ اللَّهِ إنَّا لنَستحيي والحمد لله، قالَ: ليسَ ذاكَ، ولَكِنَّ الاستحياءَ منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ أن تحفَظ الرَّأسَ، وما وَعى، وتحفَظَ البَطنَ، وما حوَى، ولتَذكرِ الموتَ والبِلى، ومَن أرادَ الآخرةَ ترَكَ زينةَ الدُّنيا، فمَن فَعلَ ذلِكَ فقدَ استحيا يعني: منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ" نسأل الله أن نكون منهم وأن يجعنا في زمرتهم توبوا إلى الله واستحيوا منه حق الحياء وأنتم في هذا الشهر الكريم وفي كل وقت وحين.

تابع موقع تحيا مصر علي