أزمة «الولد للفراش».. قانون الأحوال الشخصية يرفض الاعتراف بنتائج DNA.. والدكتور سعد الدين الهلالي: هذه قضية تمس الأمن القومي.. والانتقال من رأي فقهي لآخر يحتاج إلى حكمة
ADVERTISEMENT
الولد للفراش أم نتائج تحليل DNA؟ قضية ظلت متداولة بين أروقة المحاكم لما يزيد عن العامين؛ اتهم فيها الزوج محمد الهادي، زوجته بالخيانة بعد 11 سنة من زواجهم وإنجاب 3 أطفال، وطالب بعمل تحليل DNA لمعرفة إن كان الأبناء الثلاثة ينتسبون إليه أم لا.
ومنذ أيام أسدلت المحكمة الستار على هذه القضية وقضت بإثبات نسب الأطفال الثلاثة للزوج محمد الهادي؛ بالرغم من أن نتائج تحليل DNA أثبتت أن الأبناء من رجل آخر وليسوا من الزوج، وجاء رفض المحكمة الاعتراف بنتائج تحليل DNA عملًا بنصوص قانون الأحوال الشخصية المعمول به في مصر والذي يرفض الاعتراف بنتائج تحليل DNA استنادًا إلى الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش»، أي للزوج.
وأثارت هذه القضية جدلًا كبيرًا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ أن كثير منهم تسائل: كيف يُحرم الإسلام التبني خوفًا من اختلاط الأنساب ومع ذلك ينسب أبناءً غير شرعيين لرجل لمجرد أنه زوج المرأة التي أنجبتهم بطريقة غير شرعية؟! بينما اعتبر آخرون عدم الاعتراف بنتائج تحليل DNA معاداة للعلم.
قضية أمن قومي
وحول هذه القضية؛ قال الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف: إن إثبات نسب الأولاد إلى الزوج - حتى وإن كانت الأم أتت بهم من رجل آخر بطريقة غير شرعية - وعدم الاعتراف بنتائج تحليل DNA هو المعمول به في المحاكم المصرية، استنادًا إلى الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش»، وهذه قضية قديمة وليست حديثة، وتُفجر دائمًا في الإعلام وعلى صفحات السوشيال ميديا عند ظهور أي حالة يتهم فيها الزوج زوجته بالزنا وينفي نسبة أولاده إليه، وتشتعل المناقشات فيها ثم تهدأ مرة أخرى.
وأكد الدكتور سعد الدين الهلالي، في تصريحات خاصة لـ «تحيا مصر»، أن هذه القضية تمس الأمن القومي، ولا تمس مسألة دينية أو فقهية أو قانونية؛ قائلًا: «المقصود بالأمن القومي هو تقبل الشعب للحقيقة؛ الشعب يعيش على حكم قانوني وفقهي معين وهو الواقع الذي يُقر بأن (الولد للفراش) أي للزوج، وهذا استقرار عملي لو تم تغيره ستحدث فتنة مجتمعية غير عادية، والكل سيشكك في أولاده ويطالب بعمل تحليل DNA لهم، وربما اكتشف أن أحد أبناؤه ليس منه وإنما من رجل آخر».
فقد الثقة في العلاقة الزوجية
وأضاف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أنه في حالة الأخذ بتحليل DNAفي الوقت الحالي؛ فالنتائج المترتبة على ذلك ستكون حدوث نوع من فقد الثقة في العلاقة الزوجية، وهذا سيؤدي إلى فتن ودماء، ومن الممكن قتل الطفل، أو ربما نجد الولد يقتل أمه، أو الزوج يقتل زوجته، وغير ذلك؛ إذن المسألة أمن قومي وليست فقهية أو دينية، والأمن القومي أهم من الدين لأنه متعلق بحفظ حياة الشعوب، ولذلك الأمر يحتاج إلى ثقافة وتنوير وتغيير مسار مجتمعي هاديء لا يجعل المجتمع في فتن وتقاتل وحرب أهلية.
تفسير حديث الولد للفراش
وتابع الهلالي: «أنا ألفت حول هذه المسألة كتابًا بعنوان: (الأبوة الضائعة)، صدر في يناير من العام 2022 م، وذكرت فيه أن الولد للفراش لها تفسيران، التفسير الأول: الولد للفراش أي لـ (الماء الذي تم تناقله عن طريق فراش اللقاء)؛ سواء كان اللقاء عن طريق الزواج أو بدون زواج، وهذا الرأي قال به كثير من التابعين وبعض المالكية، وذكرت في كتابي أقوالهم وبينت أدلتهم من الكتاب والسنة، وحتى القرآن الكريم يؤيد هذا القول في بعض الآيات ومنها قوله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا» (الفرقان: 54)، ولم يقل هو الذي خلق من الزوجين بشرا، وهناك أدلة كثيرة من الأحاديث النبوي التي يستند إليها أصحاب هذا الرأي لا يتسع المقام لذكرها كلها».
وأشار أستاذ الفقه المقارن، إلى التفسير الثاني لـ حديث (الولد للفراش)؛ هو أن الولد للفراش أي لـ «عقد الزواج»، وهذا الرأي الذي عليه جمهور الفقهاء؛ إذن أصبح لدينا تفسيران لـ«الفراش».
وأكد الدكتور الهلالي، أنه لكي ننتقل من رأي فقهي إلى رأي فقهي آخر نحتاج إلى حكمة في إدارة الأمور، وقد رأينا الجدل الذي تسببه قضية الطلاق الشفوي بالرغم من أنه قضية واضحة؛ فما بالنا بقضية التنسيب التي لنا قرون طويلة نعمل ونعترف ونقر بأن الولد يُنسب للزوج حتى ولو كانت الأم أتت به من رجل آخر، هذا مستقر الآن منذ 1400 سنة، ولكي تغير وتقول أنني سأعتمد DNA وتفضح الأم - حتى لو كانت أخطأت - تحتاج إلى تنوير الشعب في الجانب الفقهي؛ لأن خطورة هذه المسألة في أمنها القومي.
جهاز DNA لكل مواطن
وأوضح أستاذ الفقه المقارن، أن تحليل DNA ظهر وبدأ في الانتشار بين الأروقة البحثية والجهات الحكومية الرسمية منذ عام 1987 م، وليس من حق أي مواطن بصفة فردية أن يتوجه إلى شركات DNA ويطلب منهم عمل تحليل له؛ لأن هناك بروتوكولات قائمة على هذا، وهذه الشركات تستجيب للجهات الرسمية - فقط - حين ترسل لها.
وتابع الهلالي: حتى الآن شركات DNA تتعامل مع الجهات الحكومية فقط، لكن بعد 5 أو 10 سنوات العلم سيتقدم وتحدث طفرة طبية وعلمية ويتم اختراع جهاز DNA ليكون متاحًا لكل الأفراد مثله مثل أجهزة قياس الضغط والسكر الموجودة في كل بيت، وسينتشر عمل تحليل DNA ويصبح متاحًا لكل مواطن؛ في هذا الوقت سيبحث كل شخص عن نسبه بواسطة هذا الجهاز من باب الفضول أو الاحتياط أو التأكد على نفسه، فهل استعدت البشرية لهذا اليوم؟
وتابع الهلالي: هذا ما ناديت به في كتابي: «البصمة الوراثية» الذي ألفته في عام 2000 م، وقلت فيه إن هذا اليوم الذي سيعرف فيه الأفراد نسبهم الحقيقي عن طريق DNA سيأتي، ونريد أن نستعد له - من الجانب القانوني والثقافي - من الآن.