عاجل
السبت 02 نوفمبر 2024 الموافق 30 ربيع الثاني 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

صلاة التراويح سنة رمضان المؤكدة.. حث عليها نبي الإسلام ورغب فيها.. فلماذا أمر بها وامتنع عن صلاتها في المسجد؟

مئات المسلمين يؤدون
مئات المسلمين يؤدون صلاة التراويح

صلاة التراويح سنة مؤكدة نقلت إلينا تواترًا عن النبي صلى الله عليه وسلم وتلقتها الأمة بالقبول، وحرص السواد الأعظم من المسلمين - في كل زمان ومكان - على أدائها في المسجد طوال ليالي شهر رمضان المعظم، وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاها في منزله، وهو ما جعل البعض يتسأل: لماذا أمر النبي بصلاة التراويح وامتنع من صلاتها في المسجد جماعة؟

الأمر بصلاة التراويح

وحول هذه المسألة توضح دار الإفتاء، أن صلاة التراويح أمر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحث على المواظبة عليها في كثير من أحاديثه الواردة إلينا؛ إلا أنه صلى الله عليه وسلم امتنع من صلاتها في المسجد جماعةً؛ خشية أن تفرض عليهم وتأكيدًا على عدم اشتراط صلاتها في المسجد؛ إشفاقًا عليهم ورأفة بهم.

فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم فصلَّوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد، ثم قال: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا» فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأمرُ على ذلك (متفقٌ عليه).

صلاة التراويح في أحد مساجد محافظة القاهرة

وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتخذ حجرة في رمضان، فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم جعل يقعد، فخرج إليهم فقال: «قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ؛ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةَ» (متفق عليه، واللفظ للبخاري).

التراويح سنة جماعة وانفرادا

وتابعت دار الإفتاء، أن العلامة ابن قُرْقُولٍ المالكي، قال في كتابه (مطالع الأنوار على صحاح الآثار): «جَعَلَ يَقْعُدُ. قيل: معناه: يصلي قاعدًا؛ لئلا يبدو شخصه لهم من وراء الحاجز فيصلُّوا بصلاته كما فعلوا من قبل، وقيل: يقعد في بيته فلا يخرج إلى المسجد، كما قد جاء في غير هذا الحديث: جَلَسَ فَلَمْ يَخْرُجْ». قال العلامة الملا علي القاري الحنفي في كتابه (مرقاة المفاتيح): «تُفرَض عَليْكُم، أي: لو واظبت على إقامتها بالجماعة لفرضت عليكم، ولَوْ كُتِبَ عَلَيْكُم - أي: ذلك - مَا قُمْتُم بِهِ، ولم تطيقوه بالجماعة كلكم لعجزكم، وفيه بيان رأفته لأمته، ودليل على أن التراويح سنة؛ جماعةً وانفرادًا».

وقال العلامة الخرشي المالكي في كتابه (شرح مختصر خليل): «منعهم من التجميع في المسجد؛ إشفاقًا عليهم من اشتراطه، وأمِنَ - مع إذنه في المواظبة على ذلك في بيوتهم - من افتراضه عليهم». وأوضح العلامة البجيرمي الشافعي في (حاشيته على شرح المنهج): «المراد: خشيت أن تفرض جماعتها في المسجد، ويؤيده قوله في رواية أخرى: فَصَلُّوا أيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُم، فمنعهم من الاجتماع في المسجد؛ إشفاقًا عليهم».

إحياء البيوت بالصلاة

وأوضحت دار الإفتاء، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أراد بذلك أن يُحييَ المسلمون بيوتَهُم بالصلاة وينوروها بكثرة النوافل والسنن فيها؛ حتى جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك أفضل من التنفل في مسجده الشريف، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحب أن يصلي النوافل في بيته مع لصوقه بمسجده: فعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا». وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا، إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ» (أخرجه أبو داود في السنن). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَكْرِمُوا بُيُوتَكُمْ بِبَعْضِ صَلَاتِكُمْ».

وعن عبد الله بن سعد رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيما أفضل؛ الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ قال: «أَلَا تَرَى إِلَى بَيْتِي؟ مَا أَقْرَبَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ؛ فَلَأَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً». قال الإمام البدر العيني الحنفي في كتابه (عمدة القاري): «ومن هذا أخذ علماؤنا: أن الأفضل في غير الفرائض المنزلُ». وقال الإمام الباجي المالكي في كتابه (المنتقى شرح الموطأ): «ووجه ذلك: أن إتيانه بالنافلة في بيته أفضل من أن يأتي بها في مسجده، وهذا حكم النوافل كلها؛ التستر بها أفضل».

وقال الإمام النووي الشافعي في كتابه (شرح مسلم): «وإنما حث على النافلة في البيت؛ لكونه أخفى وأبعد من الرياء، وأصون من المحبطات، وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة والملائكة وينفر منه الشيطان؛ كما جاء في الحديث الآخر؛ وهو معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الرواية الأخرى: فإن الله جاعلٌ في بيته من صلاته خيرًا».

تابع موقع تحيا مصر علي