ياسر حمدي يكتب: كتف في كتف.. الخير بينًا هيلف
ADVERTISEMENT
انطلقت الجمعة الماضية احتفالية مبادرة «كتف في كتف»، التي تعد أكبر حدث خيري وأضخم مبادرة حماية إجتماعية إنسانية في مصر والعالم بأكمله، باستاد القاهرة الدولي، بحضور ورعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبمشاركة أكثر من 60 ألف متطوع من جميع فئات المجتمع من كل ربوع الوطن.
وتستهدف المبادرة تعبئة وتوزيع أكثر من 6 ملايين صندوق من المواد الغذائية بكافة أنحاء الجمهورية خلال الشهر الجاري على الفئات الأولى بالرعاية والأسر الأكثر احتياجًا، استعدادًا لإستقبال شهر رمضان الكريم، وتخفيفًا للأعباء المالية وغلاء الأسعار والتضخم الناجمين عن الأزمة الإقتصادية الحالية التي هزت ارجاء العالم، في حدث إنساني إستثنائي لا يحدث إلا في مصر.
كان لي عظيم الشرف أن أكون من المشاركين والموجودين بهذه الإحتفالية العظيمة لأكبر تجمع خيري وتنموي في تاريخ المحروسة، بدعوة كريمة من مؤسسة «حياة كريمة»، شعرت من خلالها بالسعادة والفخر والإعتزاز لمشاركتي في أكبر مبادرة يشهدها العالم في تاريخ العمل الإنساني والمجتمعي تحت قيادة رئيس الدولة، الذي أثبت أنه يعيش هموم البسطاء ويشعر بهم، ويفكر دائمًا في أحوالهم، ويعمل جاهدًا على توفير حياة كريمة لهم.
شعرت بالاعتزاز والفخر وأنا أرى الفرحة والسعادة على وجوه الحاضرين خلال إطلاق الرئيس لتلك المبادرة الكريمة التي تعد نموذجًا ملهمًا في التكافل والعمل الإنساني يصعب على دول كبرى تطبيقها، لأن المصريين في أوقات الشدة صف واحد، قادرون على تخطي الصعاب، وتحويل المحن إلى منح، والأزمات إلى انفراجة وفرح وسعادة، من إنسان إلى إنسان بمساعدة إنسان الكل كتف في كتف، خاصةً وأن إطلاق المبادرة يأتي مع قرب حلول شهر رمضان الكريم أعاده الله علينا وعلى الأمتين العربية والإسلامية بالخير والسعادة واليمن والبركات.
كلمات المتطوعين وحكايتهم عن التطوع، وشعورهم بالمسؤولية تجاه خدمة الإنسانية والمجتمع، ومد يد العون والمساعدة لكل إنسان أولى بالرعاية، والأسر الأكثر احتياجًا، وحجم السعادة التي تغمر قلوبهم عندما يرسموا البهجة على وجوه الناس، ومدى الرضا النفسي عن الذات عند قضاء حوائجهم، منحتنا جميعًا طاقة إيجابية وزادتنا عزمًا وإصرارًا على بذل المزيد من الجهد في هذا المشروع الخيري والإنساني العظيم لإتمامه على أكمل وجه، والمضي قدمًا في العمل الخيري التطوعي.
أثناء مشاركتي بالفاعلية تذكرت موقف عظيم حدث معي في عام 2005، وبالتحديد في شهر رمضان الكريم من نفس العام، وكنت وقتها حديث التخرج، وفي خطبة الجمعة حينها نادى الخطيب في الناس وشد عليهم بإخراج الزكاة قبل صلاة عيد الفطر المبارك، ونوه عن قيمتها، وعلى من تجب، وفيما تنفق، وبعد أن إنتهى من خطبته وقفت في الناس وطلبت منهم مقترحًا بتفويض إثنين أو أكثر من الحاضرين في جمع الزكاة من أهل القرية.
سألني أحدهم لماذا نفوض اثنين أو أكثر من بيننا لجمع الزكاة من أهل القرية؟ وقال بالحرف: «ماهو كل واحد بيطلع اللي يقدر عليه في الخفاء، وللي عايز يديله، ماهو كل واحد وراحته»، فقام رجل حكيم وقتها ردًا عليه، وهو عمي سلامة عبد الجيد رحمه الله قائلًا: «سيبه يقول هو عايز ايه يمكن يعجبنا»، واتفق معه إمام المسجد وعدد من الحاضرين، كان على رأسهم الأستاذ محمد عبد السلام رحمه الله، والشيخ جمعه عبود أطال الله في عمره.
فوضحت وقتها لجميع الحاضرين بالمسجد أن السبب في ذلك يكمن في تحديد من هم المستحقين للزكاة من أهل قريتنا، وقيام المفوضين بجمع الزكاة من كل فرد بالقرية وتوزيعها عليهم بالشكل العادل، وبذلك يكون كل مستفيد من أبناء القرية من الأسر الأكثر احتياجًا قد استفاد بالشكل العادل من أموال الزكاة، أما في حالة الفردية والعشوائية التي كنا نقوم بها من قبل فقد يعطي جميعنا لشخص وننسى الأخر، أو نعطي لهذا ولا يستفيد ذاك ظنًا منا أن فلان قد أعطاه، وكان حلمي البسيط أن تسفيد كل الأسر الفقيرة والمحتاجة جميعها وبشكل عادل، وقد كان.
ومع إنطلاق التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، في شهر مارس من 2022، بعد إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي أن عام 2022 عامًا للمجتمع المدني، بمشاركة وعضوية كبرى مؤسسات العمل الأهلي والتنموي في مصر، وقتها توحدت الجهود المبذولة لخدمة المجتمع، وتحقق حلمي البسيط الذي حلمت بتحقيقة داخل قريتي وقد تحقق وأثبت صحته في خدمة المحتاجين على مدار السنوات الماضية، وأصبح يتم العمل به بشكل أعم واوسع نطاقًا وأكثر دقة، لكن على كل شبر من أرض المحروسة، وبأمر من رأس الدولة.
يضم التحالف 25 ألف جمعية قاعدية ومؤسسة أهلية وكيان خدمي وتنموي في المحافظات، منهم الإتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية والذي يضم في عضويته 30 اتحاد نوعي و27 اتحاد إقليمي، والتي تعمل في مختلف مجالات التنمية على تنوعها من خدمية، وصحية، وتوعوية، وتعليمية، وعمرانية، وغيرها، توحدت الجهود داخله، وتشكلت قاعدة بيانات موحدة حتى تستفيد كل الأماكن والمحافظات بشكل عادل من خدمات التحالف في العمل الأهلي والتنموي.
وأطلق التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، مبادرة «كتف في كتف» بمشاركة من 33 مؤسسة وكيان من مؤسسات التحالف، لتقديم الدعم اللازم للأسر الأكثر احتياجًا بجميع محافظات مصر لتخفيف العبء عليهم من حدة الآثار السلبية للأزمة الإقتصادية العالمية، والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في جميع المجالات.
تتخطى التكلفة الإقتصادية لمبادرة «كتف في كتف» الــ3 مليارات جنيه، وتم توفير هذا المبلغ من تبرعات المواطنين وتبرعات ومساهمات رجال الأعمال وميزانيات المسئولية المجتمعية، وكان للمحافظات الأولوية في المبادرة الأكبر والأضخم في العالم، وخصوصًا المحافظات الحدودية والأكثر تضررًا بالآثار السلبية لأزمة إرتفاع الأسعار والتضخم العالمي الذي نمر به الآن.
وصل عدد المتطوعين إلى ربع مليون متطوع في أنشطة التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي خلال عام 2022 وتم دمج أكثر من 60 ألف متطوع منهم في مبادرة «كتف في كتف»، والملفت للنظر وجود أطفال متطوعين في العمل الخيري، أمثال الطفلة مليكة التي تحدث معها الرئيس بالفديو كونفرانس في بث مباشر لحظة الإحتفالية من محافظة أسيوط وهي تساعد في عمل الخير، والتي أثبتت أن العمل الخيري التطوعي لا سن له.
كانت اللحظة الحاسمة والتي أشعلت مدرجات استاد القاهرة وهزت ارجائه وتحركت معها مشاعر وقلوب جميع الحاضرين عندما تحدث الرئيس معلقًا على قيام مبادرة كتف في كتف بالإحتفال بإنطلاقها من قرية الروضة بالعريش قائلًا: «احنا بنبني ونتكاتف في قرية الروضة عشان نساعد في تقليل محنة غلاء الأسعار، وهم عملوا إيه في هذه القرية»، في إشارة منه إلى الفرق بين التطوع في خدمة المحتاجين، ورفع السلاح في وجوههم وقتل المدنيين الابرياء العزل.
في نهاية اليوم إزداد فخري وإعتزازي بأبناء بلدي، وعلى رأسهم الرئيس الإنسان الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة لتوفير حياة كريمة لكل المصريين، وشعرت بسعادة بالغة والفخر بمؤسسات العمل الخيري المتكاتفة لمد يد العون لكل محتاج، وحجم استعداد المتطوعين في جميع المؤسسات لتقديم كل الدعم للأسر الأولى بالرعاية، فخور إن مصر فيها مؤسسات أمثال «حياة كريمة، ورسالة، والجارحي، وصناع الخير، وأبو العنين، وأبو هشيمة، والأرمان، وبنك الطعام» وغيرهم الكثير من الجمعيات الأهلية التي تحالفت على عمل الخير ومساعدة كل محتاج.
والحقيقة وبعد هذه التجربة الفريدة أستطيع القول أن العمل التطوعي لخدمة الناس، وبسواعد آلاف من الشباب طاقة كبيرة، وأمل عظيم، وفرحة غامرة لا يشعر بها إلا كل من مد يده وساعد وقدم وشارك، شعور عظيم لا يوصف أما تكون سبب في خدمة الناس وبخاصة البسطاء منهم؛ وإنك تكون سبب إبتسامة الرضا واطمئنان القلوب.. «كتف في كتف» لخصت نهج وأسلوب حياة المصرين في كل المدن والقرى والنجوع وكل شبر من أرض مصر، وبخاصةً في وقت الشدائد الكل كتف في كتف بنيان مرصوص جسد واحد ويد واحدة للقضاء والسيطرة على كل الأزمات.