التشريع المصرى وفتوى "الكد والسعاية"
ADVERTISEMENT
خلال الأيام الماضية طفى على السطح بالشارع المصرى حديثا موسعا عن إحياء فتوى «حق الكد والسعاية»، فى ضوء الحديث المستمر عن حفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهدًا في تنمية ثروة زوجها، والبداية كانت من الإمام الأكبر شيخ الأزهر – حفظه الله – د. أحمد الطيب بأحد اللقاءات خصوصًا في ظل المستجدات العصرية التي أوجبت على المرأة النزول إلى سوق العمل ومشاركة زوجها أعباء الحياة، وهو ما لاقى تقديرا واسعا من الجميع وإعتبروا ذلك بمثابة "تجديد للخطاب الدينى" بما يعد معالجة واقعية لقضايا حقيقية يعيشها المجتمع المصري.
تحيا مصر
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل وصل للمطالبة بسن تشريع يترجم هذه الفتوى وتكون قابلة للتنفيذ على أرض الواقع من خلال نصوص تشريعية يقرها البرلمان المصرى سواء من خلال قانون الأحوال الشخصية، أو فى مشروع قانون منفصل، وهو أمر أتصور بطرحه على نواب الشعب سيكون محل نقاش موسع وتقدير أكبر وتأييد أيضا من منطلق الدعم اللا محدود للمرأة المصرية وجهودها فى الشارع المصري بعهد الرئيس عبد الفتاح السيسى.
وإيمانا واتفاقًا بأهمية ترجمة هذه الفتوى فى نص تشريعى فى ضوء التواصل المستمر مع زملائى أعضاء مجلس النواب، وجدتها فرصة أن يكون موضوعًا بمقالنا اليوم، وأن نتشارك فى طرح يترجم هذه الفتوى تشريعيًا من أجل المرأة المصرية ودورها الفعال فى بناء المجتمع، وهي فتوى تراثية يرجع أصلها الفقهي إلى أدلة الشريعة الإسلامية الواردة في حفظ الحقوق المقررة لاستقلالية ذمة المرأة المالية وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قضا بحق زوجة في مال زوجها الذي نمياه معًا قبل تقسيم تركته، وهو ما نراه اليوم ونكون بحاجة إليه خاصة أن الزوجة في بعض الأحيان تجد نفسها بلا مأوى ومصدر دخل بعد الطلاق.
القانون المصرى بطبيعة الحال خلا من ترجمة هذه الفتوى لنص تشريعى، فى حين أن بعض الدول تعمل على تنفيذها، ومن ثم أتصور بأن نكون أمام مشروع قانون منفصل يترجم هذه الفتوى بعيدا عن الأحوال الشخصية، على أن يتضمن نصوصا واضحة بألا يجوز توزيع التركة على مستحقيها قبل سداد كافة حقوق أحد الزوجين للآخر، والخاصة بإسهام إحداهما مع الآخر فى تنمية ثروتهما باعتبارها دين على التركة وأن تستحق الزوجة - بخلاف الميراث المقرر شرعًا - بوصفها شريكة للزوج مقابل "الكد والسعاية"، بشرط أن تكون الزوجة شريكة لزوجها فى تنمية رأس ماله، كأن تكون شريكه له فى تجارته مثلاً أو ممولة لها أو ساعدته بأى شكل أو آخر فى تنمية هذه التركة.
يثبت ذلك الحق بوثيقة تكتب بين الزوجين ويجوز إثباتها أمام المُوثق عند إبرام عقد الزواج، ويجب أن تتضمن وثيقة الزواج خانة خاصة بذلك الحق، وفي حالة عدم وجود أى علاقة مالية بين الزوجين قبل انعقاد الزواج "خاصة بذلك الحق" واستجدت علاقة مالية فى المستقبل يقدم طلب إلى الأحوال المدنية من الزوجين لإضافة ما يستجد فى الخانة الخاصة بذلك فى وثيقة الزواج.
مجدى البرى يكتب: التشريع المصرى وفتوى "الكد والسعاية"
الواقع العملى للمجتمع المصرى، أفرز أن الزوجة أصبحت شريكًا أساسيا للرجل فى كافة مناحى الحياة الخاصة، وخاصة الجوانب المالية، الأمر الذى ترتب عليه اختلاط الذمة المالية للزوجة على الزوج وقد يكون للزوج والزوجة علاقات مالية وتجارية قبل إقدامهم على إبرام عقد الزواج، وقد تكون الزوجة أيضا شريكة للزوج فى أمواله، لكن الوضع الظاهر بين الناس أن تلك الأموال الخاصة بهما مملوكة للزوج وليست ملكية مشتركة بين الزوجين، مما ترتب على ذلك الوضع عند وفاة أحد الزوجين وخاصة الزوج أن يختلط حق الميراث بحق (الكد والسعاية) للزوجة فى شراكتها لأموال زوجها، مما يجعل هناك صعوبة على الزوجة فى إثبات حقها فى حق (الكد والسعاية) باعتباره دينًا على التركة يجب الوفاء به أولا قبل توزيع التركة على مستحقيها تأسيسًا على القاعدة الفقهية (أنه لا تركة إلا بعد سداد الدين).
أيضا حق (الكد والسعاية) هو استحقاق لأحد الزوجين وليس ميراثا، وهو مقرر للزوجة فى الغالب باعتبارها شريكا خفيًا للزوج فى أمواله وليست بوصفها زوجة فقط، وبذلك فى حالة تعدد الزوجات قد تستحق هذا الحق (زوجة دون غيرها) فالزوجة التى ساهمت فقط فى تنمية ثروة الزوج بوصفها شريكا له هى التى تستحق هذا الحق دون غيرها. السند القانون والشرعى يأتى من نص المادة 2 من الدستور بأن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع.. ولما كانت الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع فى مصر وخاصة فى مسائل الأحوال الشخصية والتى كانت المرجعية الفقهية فيها للمذهب الحنفى الذى كان يغفل حق (الكد والسعاية) فى هذا الأمر الذى جعلنا ننوه على أن ذلك الحق لم يرد إلا فى مذهب الإمام مالك دون غيره، ولم يرد عن باقى المذاهب الفقهية الأربعة وذلك نظرا لاختلاف مذهب الإمام مالك عن بقية الفقهاء فى المصادر الفقهية التى يعتمد عليها فى مذهبه عن استنباط أى حكم شرعى، حيث أن مذهب الإمام مالك يرى أن عمل أهل المدينة وقول الصحابى مقدم عنده على غيره من مصادر الفقه الأخرى بعد الكتاب والسنة، والأمر الذى جعله يقرر هذا الحق فى أصول مذهبى والذى يعد سندا فقهيا فى المطالبة بسن مشروع القانون.
حق (الكد والسعاية) هو استحقاق لأحد الزوجين وليس ميراثا
أخيرًا؛ تماشيا مع أحكام المحكمة الدستورية العليا فى كثير من أحكامها الخاصة بالمادة الثانية من الدستور الخاصة بتطبيق الشريعية الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسى للتشريع فقد أكدت على أنه يجوز الأخذ برأى أى من المذاهب المعتبرة دون التقيد بمذهب معين طالما أنه يعالج المشاكل الخاصة بأى قضية تقع فى المجتمع بل ذهبت المحكمة الدستورية إلى أبعد من ذلك وهو فتح باب الاجتهاد فى كثير من المسائل المعاصرة والمستحدثة حتى تتماشى مع واقعنا المعاصر، وأعطت هذا الحق لولى الأمر ممثلا فى السلطة التى تحكم البلاد.