مفكرون لـ تحيا مصر: ضرب المرأة مخالف لروح الشريعة الإسلامية
ADVERTISEMENT
أثار الحديث عن ضرب المرأة في الإسلام مؤخرا حالة واسعة من الجدل، كان أخرها الهجوم على دار الإفتاء المصرية بعد كتابتها على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي" فيس بوك" لمنشور جاء فيه" الرجال لا يضربون النساء"، واستنادها في ذلك إلى الحديث" ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً".
السبب في الهجوم على دار الإفتاء أو على أي جهة ترفض ضرب المرأة هو ما جاء في سورة النساء في الآية الكريمة "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا"، إذ يعتقد البعض أن تلك الآية منحت أمر إلهي للرجل بضرب المرأة.
"تحيا مصر" حاول البحث عن تفسير مغاير للتفسيرات الشهيرة لتلك الآية خاصة وأن أفضلها لم يمنع الضرب ولكنه اشترط أن يكون غير مبرح كأن يتم باستخدام السواك، وهو الذي يجعل الضرب في حد ذاته موجود، بما يتنافى مع وصايا الرسول بالمرأة ومع تعاليم الإسلام التي تنهى عن ضرب الحيوان أو كسر النباتات فكيف تبيح ضرب المرأة؟.
وفي رحلة بحثنا وجدنا مجموعة من الأراء لعدد من رجال الدين والمفكرين الإسلاميين التي قدمت مفهوما أخر للضرب مؤكدة أن الله تعالى لا يقصد به الاعتداء الجسدي كما هو شائع وإنما له معنى آخر.
إمام بالأوقاف: الصحابة لم يطبقوا عبارة" لا اجتهاد مع نص" .. وروح الشريعة تحث على الرقي والإنسانية
يقول نشأت زارع، إمام وخطيب بوزارة الأوقاف، إن من يصرون على موضوع ضرب المرأة بدعوى أنه جاء في القرآن بنص صريح مخطئون، لأنه من الثابت أن سيدنا عمر بن الخطاب اجتهد في أقل من 10 سنوات وعطل حد السرقة رغم وجود نص صريح في عام المجاعة مستندا في ذلك إلى روح الشريعة ومقاصد الدين التي تحث على الرحمة والإنسانية مما جعله يجتهد رغم وجود نص، كذلك عندما رفض إعطاء سهم المؤلفة قلوبهم بعد أن صارت الدولة قوية، رغم عدم وجود نص بوقف منح السهم في حالة أن صارت الدولة قوية ولكنه كان أكثر فهما لروح الشريعة ومتطلبات الواقع.
وبالحديث عن المرأة وضربها فحتى وإن كان ذلك موجودا في البيئة العربية من قبل إلا أنه لا يمنع الآن أن يخرج رجال الدين المستنيرين ليرفضوا ذلك باعتبار كونه لا يتناسب مع العصر وبالتالي وجب استبداله بالحوار، فإما أن نصل بالحوار إلى" عيشة بالمعروف أو مفارقة بالمعروف لأنه لا يجوز العيشة بالإكراه".
واستطرد زارع في تصريحات خاصة لـ" تحيا مصر": ضرب المرأة إهانة حتى لو كان بقلم رصاص أو بورقة منديل فرفع اليد والضرب هو نوع من الإهانة وأنا منحاز للرأي الذي يرى أن ضرب المرأة لا يتناسب مع واقع القرن الـ 21 فهي مشاركة في الحياة، فالمرأة الآن تشارك زوجها ولها قيمة وقامة بالمجتمع لا يهملان وبالتالي فروح الشريعة تحث على حفظ كرامتها وفقا لما جاء في القرآن الكريم" ولقد كرمنا بني آدم"، لذلك بات علينا أن نأخذ من مقاصد الشريعة وروح النصوص هذا الفقه الإنساني.
وأوضح زارع أن وضع شروط لهذا الضرب بأن يكون غير مبرح وما إلى ذلك لن يتحقق لأنه ليس هناك من يضرب بالسواك أو القلم وجميعنا يشهد على جرائم مأساوية تحدث يوميا، كالزوج الذي قتل زوجته بالمنصورة بـ17 طعنة، مشيرا إلى أنه مع الرأي بالاجتهاد لأجل تحقيق العدالة والإنسانية مع كامل الاحترام لجميع الأراء" وفق تعبيره".
فيديو للمفكر الراحل محمد شحرور: الضرب بالقرآن له معاني أخرى
واستكملت " تحيا مصر" رحلة البحث حتى عثرنا على أحد الفيديوهات المسجلة للمفكر الإسلامي السوري الراحل الدكتور محمد شحرور والتي فسر من خلاله تلك الآية محل الجدل قائلا: قال الله تعالى الرجال قوامون على النساء ولم يقل الذكور قوامون على الإناث لأن ليس كل ذكر رجل وليس جميع النساء إناث فكلمة الرجل تأتي من القوة والكفاءة وما يليه في القوة والكفاءة هم النساء لذا قال الرجال قوامون على النساء بمعنى أن الأكفأ هو القوام على الأضعف.
ودلل شحرور على وجهة نظره شارحا: الدليل على ذلك قوله تعالى بما فضل الله بعضهم على بعض، فهنا لم يقل بعضهم على بعضهن أي أن القوامة للأكثر كفاءة على الأقل كفاءة، أو بالانفاق مثلما قال "وبما أنفقوا من أموالهم" أي أن المرأة التي تنفق لها القوامة.. كذلك المرأة التي تملك معمل أو محل عمل به 100 ألف ذكر تديرهم وتأمرهم جميعا لأنها هي المالكة فلها أيضا القوامة فالأمر له علاقة بالكفاءة أو ملكية المال.
واستطرد شحرور: والاتي تخافون نشوزهن.. والنشوز هنا تعني التكبر لأن من أوتيت المال والقدرة على الإدارة وبالتالي كان لها القوامة من الممكن أن تتكبر وتستعلي على زوجها وهذا نراه دائما في مجتمعات كثيرة تلك المرأة القوية التي تتجبر على زوجها.. فهنا طلب الله الرجال بضرب هذا التكبر والتجبر لا باليد لأن الضرب لا يعني بالضرورة الاعتداء الجسدي فقد وردت بالقرآن في أكثر من موضع بمعاني مختلفة فمثلا "ضرب الله مثلا الذين كفروا"، "ويضرب الله الأمثال"، "وأخرون يضربون في الأرض يبتغون فضلا من الله"، و"إذا ضربتم في سبيل الله فلا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا" فكل هذه كانت معاني مختلفة للضرب بعيدة عن الضرب الفيزيائي.
وأوضح المفكر السوري الراحل أنه عندما ذكر الله الضرب الفيزيائي لم يذكره بمصطلح الضرب ولكنه قال مفسرا مثل" أهش بها على غنمي"، "فوكزه موسى بعصاه"، "وأمرأته صكت وجهها"، وبالتالي فعندما ذكر الله الضرب الفيزيائي ذكر طريقته، أما تركها مفتوحة فهو يعني كافة أشكال الضرب على الإطلاق من ركل ورفث وصفع وبالتالي فهذا الشئ غير موجود أو مقصود نهائيا وإنما جاء هذا الضرب بمعنى اتخاذ موقف صارم من المرأة التي تتكبر وتتجبر كما نقول ضربت الدولة بيد من حديد على المجرمين.
الضرب تعني الهجر بالمضاجع
وفي كتاب "القرآن والنساء قراءة للتحرر" للدكتورة أسماء المرابط اعتبرت أن فعل الضرب المذكور بالقرآن لا يتجاوز بعده الرمزي ومعانيه الدالة على نهج طريقة أخرى في التعامل مع النساء حينما تتحرك الدوافع الداخلية للعنف البشري، فتفسر الكاتبة "واضربوهن" بأن المقصود بها هو "الهجر في المضجع".
أما الدكتورة زينب عبد العزيز، أستاذة الحضارة الفرنسية في جامعة الأزهر، فطرحت في ترجمتها لمعاني القرآن باللغة الفرنسية معنى مختلفا مشيرة إلى أن "اضربوهن" تعني أصلحوهن أو صوّبوهن.