ياسر حمدي يكتب: الكوميسا.. وفرص مصر التصديرية
ADVERTISEMENT
تسلمت مصر بالأمس رئاسة قمة السوق المشتركة لدول شرق وجنوب القارة الإفريقية «الكوميسا» بعد غياب قرابة 20 عامًا، في مؤتمر تستضيفه العاصمة الإدارية بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، وعدد من الزعماء وقادة ووفود الدول الأعضاء.. والسؤال: كيف تستفيد مصر من هذه الرئاسة كي تزيد من فرصها التصديرية لدول الإتحاد وباقي دول أفريقيا؟ وماذا تقدم للقارة بأكملها؟.
وقبل الإجابة على السؤال السابق لابد من توضيح أن «الكوميسا» هي إتفاقية مشتركة لدول الشرق والجنوب الإفريقي، ويضم التجمع في عضويته 21 دولة هي: مصر والكونغو الديمقراطية وجزر القمر وبوروندي وإريتريا وجيبوتي وكينيا وإثيوبيا وإسواتيني (سوازيلاند) ومالاوي ومدغشقر وليبيا وسيشيل ورواندا وموريشيوس وتونس والسودان والصومال وزيمبابوي وزامبيا وأوغندا.
واستهدف إنشاء التجمع إلغاء كافة القيود التجارية فيما بين دول أعضاء التجمع تمهيدًا لإنشاء وحدة إقتصادية للمنطقة، وهو ما يخدم تحقيق هدف الوحدة الأفريقية، وتمّ إنشاء الكوميسا في ديسمبر عام 1994 خلفًا لمنطقة التجارة التفضيلية التي بدأت في عام 1981، وتستضيف العاصمة الزامبية لوساكا مقر سكرتارية الكوميسا.
وتجمع الكوميسا يعد أحد تجمعات التكامل الإقتصادي الإقليمية، ويستهدف تحقيق التكامل الإقتصادي بين دول الشمال والشرق والجنوب الأفريقي، من خلال إقامة منطقة تجارة حرة، يتبعها إقامة إتحاد جمركي ثم الوصول إلى مرحلة السوق المشتركة بين الدول الأعضاء، بحسب ما قالته «تشيليشي كابويبوي» السكرتير العام لتجمع الكوميسا بمؤتمر صحفي قبل يومين.
ويزيد عدد سكان الدول الأعضاء عن 583 مليون نسمة، ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي 805 مليارات دولار، ويصل حجم تجارة هذه الدول في السلع مع العالم إلى 324 مليار دولار، وتشكل الكوميسا سوقًا رئيسيًا للتجارة الداخلية والخارجية، وتصل مساحة الدول الأعضاء بالكوميسا إلى ما يقرب من ثلثي القارة الأفريقية بمساحة 12 مليون كيلو متر مربع، وفقاً لدراسة صادرة عن مركز المعلومات وإتخاذ القرار بمجلس الوزراء، ما يجعله من أكبر الأسواق العالمية من حيث المساحة وحجم التداول الإقتصادي، الأمر الذي يجعل مصر تبذل كل ما في وسعها كي تزيد من صادراتها لدول الإتحاد. وبالعودة للإجابة على السؤال الذي طرحناه، فإن مصر تستطيع الإستفادة القصوى وتقديم الكثير للدول الإفريقية من منطلق مبدأ تكافؤ الفرص خلال رئاستها لقمة كوميسا الحالية، والتي تم تأسيسها منذ سنوات ولم نلحظ لها تطورات إيجابية على الأرض حتى الآن.. وبالنظر إلى البيانات الرسمية، بلغ متوسط معدل النمو الإقتصادي لهذا التجمع 5.6 بالمئة خلال عام 2019، إلا أن هذا المعدل شهد تراجعًا كبيرًا خلال عام 2020 بسبب تبعات جائحة كورونا.
إن مصر وقعت على الانضمام إلى إتفاقية «كوميسا» عام 1998، كما جرى الإتفاق بين أكبر 3 منظمات إفريقية - «كوميسا» وجماعة شرق إفريقيا، ومجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية «سادك»، على تبادل السلع بدون جمارك وتوفير حركة إنسيابية لرؤوس الأموال، لكن ذلك لم يُترجم بشكل فعال، ولذا فالفرصة متاحة أمام مصر بكل ما تمتلكه من قدرات وتأثير على دفع هذا الأمر للأمام وتحقيق ما تصبو إليه الشعوب الإفريقية.
فمصر أمامها فرصة ذهبية للإستفادة من رئاستها لـ«كوميسا»، لأن ذلك يخدم مصر كثيرًا وبإمكانها مضاعفة صادراتها للدول الأفريقية وتوفير الخامات ومستلزمات الإنتاج بتكلفة أرخص، فهذه القمة مهمة لإفريقيا ومصر على حد سواء، خاصةً أن القاهرة أكثر تقدمًا عن بقية دول المنظمة وتستطيع إمداد يد العون لهذه الدول بالخبرات، إستنادًا على أن الإقتصاد يعتمد على مسألة تبادل المنافع التي تخدم حركة الإقتصاد المشتركة.
ولعل إطلاق الرئيس السيسي خطة العمل الإستراتيجية متوسطة المدى للفترة 2021 – 2025 خلال حفل تسلم رئاسة الكوميسا، شيء مؤثر للغاية لأنها تحمل تنوعًا جديدًا للعمل المصري الإفريقي المشترك في نسخة تعتمد على المصالح المتبادلة وتفعيل الإتفاقيات التجارية البينية، لأن هذه النسخة تأتي لتعظم ما بدأته مصر عبر سياسة التقارب مع الدول الإفريقية، وبناء علاقات مصرية إفريقية قوية مبنية على أساس التعاون والتنمية المستدامة، واستبدال كل ما يتعلق بالإرهاب والهجرة غير الشرعية بالتنمية والتكنولوجيا الرقمية ووجود تواجد فاعل لما تم الإتفاق عليه في الإتفاقيات السابقة بين الدول الأعضاء.
فمصر تستطيع مضاعفة الصادرات إلى دول «كوميسا» الـ 21 بحلول عام 2025، إذ الوصول بحجم الصادرات من 3 مليارات دولار إلى أكثر من 5 مليارات دولار بحلول 2025، وطبقاً لدراسة أصدرتها الحكومة المصرية، فإن التبادل التجاري بين مصر و«كوميسا» سجل حوالي 3 مليار دولار في 2020، وهو ما يعادل نحو 60 بالمئة من إجمالي قيمة التبادل التجاري المصري مع القارة الأفريقية خلال العام نفسه، والذي سجل 5 مليارات دولار أميركي.
الملفت للنظر بل والمخذي وطبقًا لتقرير الحكومة المصرية نفسها فإن أبرز المنافسين التجاريين للصادرات المصرية داخل أسواق الكوميسا عام 2020، الصين حيث جاءت على رأس الدول بقيمة صادرات بلغت 21.4 مليار دولار وبنسبة 12.7 بالمئة من إجمالي واردات الكوميسا، تليها جنوب أفريقيا بإجمالي 7.9 مليار دولار وبنسبة 4.7 بالمئة من واردات الكوميسا، ثم الهند بإجمالي 7.4 مليار دولار وتركيا بـ 3.7 مليار دولار، فأين مصر من ذلك، وما هي خططها التصنيعية والتحفيزية لمنتجاتها وصادراتها كي تحل محل منتجات هذه الدول غير الأعضاء؟!.
لابد من تذليل العقابات وإزالة التحديات التي تواجه مصر وإستغلال الهدف الأساسي الذي قامت على أساسه كوميسا، من خلال تنفيذ عدد من المبادرات والبرامج لتيسير نفاذ المنتجات المصرية منها: تفعيل إتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية والتي دخلت حيز التنفيذ بالفعل في يناير 2021، وتطبيق برنامج جسور التجارة العربية الإفريقية، وذلك لرفع وعي المنتجين المصريين بالفرص التصديرية المتاحة، وتنظيم لقاءات مع القطاع الخاص في تلك الدول، بالإضافة إلى قيام الشركات المصرية بتنفيذ عدد من المشروعات لرفع كفاءة البنية التحتية في بعض دول الكوميسا، مع سرعة تنفيذ مشروع (القاهرة-كيب تاون) والذي يهدف إلى ربط مصر بالدول الإفريقية من خلال شبكة من السكك الحديدية لتيسير عملية نقل البضائع، وتقليص مدة الشحن إلى 4 أيام بدلًا من 28 يوماً.
ولكي تستفيد مصر من رئاستها للكوميسا فعليها أن تسعى إلى زيادة الإمكانيات التصديرية غير المستغلة، خاصةً في المواد الكيماوية والأسمدة الفوسفاتية والأدوية والمواد الصحية والمواد العطرية ومواد البناء، كي تصل إلى 100 مليار دولار صادرات مصرية، من خلال زيادة الدعم للشحن الجوي الموجه نحو إفريقيا، لتحفيز وتشجيع المصدرين، ودعم الصادرات من خلال برامج جديدة تهدف إلى زيادة حجم الصادرات المصرية، وفتح أسواق جديدة في إفريقيا، وإبرام إتفاقيات جديدة لتحرير الجمارك على السلع والمنتجات بالدول التي لم توقع على الإتفاقية حتى الآن، وتقليل تكلفة النقل، ومعالجة قصور دور القطاع المصرفي، والمتمثل في عدم وجود فروع للبنوك المصرية في تلك الدول، وتطوير المنتجات المصرية بما يجعلها أفضل من منافسيها، وإستغلال الحجم المهول للمصانع المصرية من خلال إنتاج كافة ما تحتاجة هذه الدول مع مراعات الزوق العام لكل دولة على حدة.. أتمنى أن تستغل مصر رئاستها للكوميسا بالشكل الذي يدر عليها وعلى دول الإتحاد النفع ويحقق حلم مصر في تربع منتجاتها عرش التصدير لهذه الدول بدلاً من الصين الغير عضو والتي لا تستفيد من عدم وجود جمارك مثل القاهرة.