عاجل
الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: لماذا ذهبت مصر والسودان إلى مجلس الأمن في ملف سد النهضة؟

تحيا مصر

الكثير منا يتساءل لماذا ذهبت مصر والسودان لمجلس الأمن الدولي في ملف سد النهضة، على الرغم من أنه ليس جهة إختصاص، بل ومن المؤكد للجميع أنه لم يصدر قرارًا واحدًا في قضايا النزاع المائي من قبل، ولَم يقبل مناقشة مثل هذه النزاعات داخل أروقته، ولن يلزم إثيوبيا بالتوقيع على إتفاق قانوني ملزم يرضي كافة الأطراف المتنازعة، خشيةً من دخوله في فض المنازعات الكثيرة المتشابهة، لكن وعلى الرغم من ذلك أصرا الذهاب وعرض القضية كاملة أمامه!.

إن مصر والسودان اتخذا هذا القرار في ضوء تعثر المفاوضات التي جرت مؤخراً حول السد نتيجة للمواقف الأثيوبية غير الإيجابية والتي تأتي في إطار النهج المستمر في هذا الصدد على مدار عقد من المفاوضات المضنية، فالعديد من جولات التفاوض الثلاثية وكذلك المفاوضات التي عقدت في واشنطن برعاية الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركة البنك الدولي والتي أسفرت عن التوصل إلى إتفاق يراعي مصالح الدول الثلاث والذي قوبل بالرفض من أثيوبيا، وأيضًا جولة المفاوضات الأخيرة التي دعا إليها السودان الشقيق وبذل خلالها جهوداً مقدرة من أجل التوصل إلى إتفاق عادل ومتوازن يراعي مصالح كافة الأطراف، لكن كافة تلك الجهود قد تعثرت بسبب عدم توفر الإرادة السياسية لدى إثيوبيا، وإصرارها على المضي في ملء وتشغيل سد النهضة بشكل أحادي بالمخالفة لإتفاق إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في ٢٣ مارس ٢٠١٥ والذي ينص على ضرورة إتفاق الدول الثلاث حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، ويلزم إثيوبيا بعدم إحداث ضرر جسيم لدولتي المصب، لذلك قررا تصعيد الموقف أمام المجلس لتحمل مسؤولياته تجاه القضية.

وللإجابة على هذا التساؤل، فهناك نظرية تقول، إن مصر ذهبت إلى مجلس الأمن من أجل رفع العتاب الدولي عن كاهلها، وأنها استنفذت كل المسارات، وبالتالي عندما تتخذ أي إجراء ما، فإنها تكون قد أخبرت الجميع، لأن مصر والسودان كان يعلمان مسبقاً أنه لا جدوى من وراء تلك الإجتماعات كما ذكرت، لكنها (مصر) ذهبت لرفع العتب عنها إذا ما قامت بعمل ما، وهذا منطق لا يتطابق مع القانون الدولي والعلاقات الدولية، ولذلك يجب عدم الخلط بين العلاقات العامة والسياسات التفاوضية.. وأنه في حال قيام مصر على سبيل المثال بعمل خشن ضد إثيوبيا دفاعاً عن حقها الوجودي وحفاظاً على مقدرات شعبها، فإن مجلس الأمن سوف يجتمع ويتخذ قراراً ضدها.

لذا كان لابد من وضع الملف بالكامل في جعبة المجلس، وكشف النوايا الخبيثة للجانب الإثيوبي في التفاوض أما العالم كله، وإعلام كافة الدول من خلاله بإستنفاذ مصر والسودان لكل الطرق المشروعة في التفاوض أمام تعنت سافر من جانب أديس أبابا، ودعوة المجلس إلى التدخل من أجل تأكيد أهمية مواصلة الدول الثلاث مصر وأثيوبيا والسودان التفاوض بحسن نية تنفيذاً لالتزاماتها وفق قواعد القانون الدولي، من أجل التوصل إلى حل عادل ومتوازن للقضية، وعدم إتخاذ أية إجراءات أحادية قد يكون من شأنها التأثير على فرص التوصل إلى إتفاق، وقد استندت مصر إلى المادة ٣٥ من ميثاق الأمم المتحدة التي تجيز للدول الأعضاء أن تنبه المجلس إلى أي أزمة من شأنها أن تهدد الأمن والسلم الدوليين، وفي حقيقة الأمر نجحت مصر في ذلك.

وكما قال رئيس مجلس الأمن «الفرنسي»، وفرنسا من الدول القريبة لنا والذي أستبق جلسة مجلس الأمن الشهيرة وقتها «بأن المجلس لا يستطيع فعل شيء»، تأكيدًا على ما كان متوقع من الذهاب للمجلس من قبل، لكن كان لابد من إحالة الملف للأمم المتحدة ممثلة في مجلس الأمن التابع لها، وبعد هذه النتيجة المتوقعة كان علينا البحث عن وسائل أخرى توقف هذا التعنت والإصرار الغير مبرر في التشغيل والملء دون إتفاق قانوني مسبق أو تعطي إشارة قوية لإثيوبيا.

ولا أقصد هنا العمل العسكري أو تدمير السد، فمن الناحية العملية، هناك إمكانية أن يتم تدمير وقصف السد، وهذ ما أكده الرئيس ترامب قبل مغادرة السلطة الأمريكية بأيام، حينما قال «لقد إستنفذت مصر كل طاقاتها التفاوضية، وإذا لم تخضع إثيوبيا للوصول لحل قانوني ملزم وعادل لكافة الأطراف فلا يلوم أحد مصر إذا ضربت السد»، ولكن مصر بدأت تتبرأ من تهديداتها السابقة بإستخدام القوة العسكرية، لذا فإن الجميع يبحث عن إجابة للسؤال: ماذا سنفعل إذا تم الإستمرار في بناء وملء السد دون الوصول لإتفاق قانوني ملزم لكافة الأطراف؟.

إن الوضع الآن أصبح حرجاً مع مرور كل هذا الوقت دون إتفاق، وهذه هي رأس المشكلة بين مصر والسودان من جانب وإثيوبيا من جانب أخر، والتي ترفض بإصرار الوصول إلى إتفاق قانوني وملزم فيما يتعلق بعملية الملء والتشغيل فقط.

وفي جلسته الشهيرة «مجلس الأمن» يحيل ملف سد النهضة إلى إستئناف المفاوضات مرة أخرى برعاية الإتحاد الأفريقي وتحت مظلته، وهذا الأمر قبل من الجانب المصري والسوداني بالقبول لكن بشروط محددة ومسبقة، ولعل أبرز هذه الشروط هو عدم خوض مصر للتفاوض دون وضع حد زمني فاصل لهذا التفاوض مع ضمان نية إثيوبيا الحسنة في التفاوض الجاد بوضع شروط مسبقة على عكس ماكان عليه مسبقًا حتى يخرج الجميع من هذه العملية التفاوضية دون خسائر، ولكي نصل إلى إتفاق يرضي كافة الأطراف.

والآن أصبح أمامنا خيارين إما أن تتبع إثيوبيا قرارات مجلس الأمن والتي يوافق عليها العالم أجمع، أو تقف ضد العالم، وقد قالت الولايات المتحدة الأمريكية بأنها لن تسمح بتعطيش 100 مليون مصري أو تعرضهم للخطر، وإذا لم نصل إلى تلك النتيجة فإن الأمر سيصبح مزعج ومظلم ويهدد المنطقة والأمن والسلم الدوليين نظرًا لأهميته بالنسبة لدولتي المصب وبالأخص مصر التي تعتمد اعتمادًا كليًا على النيل.

وهنا يأتي السؤال المهم وهو: هل إستفادت مصر من إحالة الملف لمجلس الأمن؟، والإجابة نعم؛ لأن المجلس قد أخفق في القيام بالتزاماته وواجباته الدولية المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وأصبحت مصر بشكل خاص أمام مواجهة مع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تتيح لها حق الدفاع الشرعي، بإعتبار أن سد النهضة هو مسألة حياة أو موت لأكثر من 100 مليون مصري، وهذا السيناريو غير مرغوب فيه ولا نريده، لأن السودان الشقيق هو الخاسر الأكبر في هذه المعادلة، والسبب معلوم للجميع.

وإلى الآن نرى أن مصر والسودان يقفا مع الحل السياسي والعقلاني، وإذا أصرت إثيوبيا في تعنتها إلى عملية الملء والتشغيل الأحادية، بهذا ستكون إثيوبيا قد وضعت مصر والسودان في موقف سيئ وحرج ولا خيار أمامهما سوى خيار واحد، وهذا ما لا تقبله دولتي المصب بالتأكيد، وسيكون من حق دول المصب الدفاع الشرعي عن نفسها وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

لذا سبقت مصر بإحالة ملف سد النهضة إلى مجلس الأمن حتى لا تقع تحت طائلة القانون الدولي، ولا موضع الإحراج والوم من دول العالم حال إتخاذها أي قرار من شأنه المحافظة على حقها التاريخي في مياه النيل، خاصةً مع إعلان الخارجية السودانية اليوم أن إثيوبيا بدأت تعلية الممر الأوسط لسد النهضة، ووضع جدران خرسانية، إستعداداً للملء الثالث للسد، ضاربة بذلك قرار مجلس الأمن الدولي بعودة إستئناف المفاوضات تحت مظلة الإتحاد الأفريقي للتوصل لإتفاق قانوني وملزم لكافة الأطراف عرض الحائط.

إن ملف التفاوض بشأن سد النهضة يكاد يكون متجمداً، وهذا ما أكده وزير الري محمد عبدالعاطي يوم الإثنين الماضي حينما قال «هناك شبه تجمد للملف ويعتبر الملف متأزمًا إلى أن يجد جديد»، وقال أيضًا إن القاهرة تلقت إتصالات من مستويات عدة ومن دول مختلفة لحل أزمة السد، لكن هذه الإتصالات لم تكن على مستوى طموحات مصر، الوزير أكد على الموقف المصري الثابت في حال إستئناف أي مفاوضات، والمتمثل في أن يكون الهدف هو التوصل لإتفاق قانوني ملزم للملء والتشغيل، وأن تكون هناك آلية واضحة للتفاوض، وخلال مدة زمنية محددة مع وجود دور لمراقبين دوليين.

هذه هي القواعد الأساسية للموقف المصري الثابت من قضية سد النهضة، كما عبر عنها وزير الري، لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه وهو: ما الذي سنفعله في حال تمدد إثيوبيا في تعنتها وعنادها ورفضها التام التوصل لإتفاق قانوني وملزم بشأن تشغيل وملء السد؟، خاصةً ومع إعلان خارجية السودان اليوم بمعاودة أديس أبابا إستكمال البناء إستعداداً للملء الثالث؟.. سنحاول إن شاء الله الإجابة على هذا السؤال الهام للغاية لكن في مقال لاحق، لكني أرى الحل لهذه المشكلة العويصة ممثلاً في توافق الرؤى مع السودان الشقيق، والتكاتف والتعاون المثمر والإتحاد بين دولتي المصب للضغط على الجانب الإثيوبي والوصول لإتفاق عادل.

تابع موقع تحيا مصر علي