عمرو عزت حجاج يكتب: إلى أستاذي رفعت السعيد.. إنا على دربك لسائرون
ADVERTISEMENT
تحل هذه الايام الذكرى الرابعة لرحيل السياسي والمناضل والمؤرخ والمفكر الكبير الدكتور رفعت السعيد (1932 -2017) ،والذى مثل تجربة فريدة بالنسبة لتكوين جيلى السياسى والفكري ،حيث قدم لنا تجربة ثرية ملهمة لنا فى مجالات العمل العام .
فقد تمكن رحمه الله من الجمع السلس بين عقلية السياسى الواقعية وضمير المؤرخ الحى وروح المناضل الثائرة ضد ما يسئ لوطنه ومبادئه الوطنية التى ناضل من أجلها ودفع مقابل إيمانه بها سنوات طويلة من عمره خلف القضبان وفى ساحات التعذيب.
ففى مجال السياسة قدم رفعت السعيد رؤية محترمة ،كانت تراعى تحولات كل مرحلة من مراحل عمر الدولة وتجربة وما يمر به من ظروف ،وبذلك قدم نموذج محترم للمعارض السياسي الذي يعارض من أجل مستقبل أفضل لوطنه.
حيث نجده خصم شرس لعهد الرئيس السادات ولسياسته ،متحملا قسوة سجونه ،وذلك لانه وجد أن سياسة نظام الرئيس السادات تهدد مستقبل الوطن ،سواء من خلال تحالفه مع المتأسلمين أومن خلال تشجيعه لسياسة الانفتاح الاقتصادى التى حطمت آمال الكثير من المصريين وخلخلت نسيجه الاجتماعى ،بالاضافة لعقده سلام منفرد مع إسرائيل مما اضعف الحق العربي .
أما فى عهد الرئيس مبارك فقد قدم نبرة مختلفة تجمع ما بين الحفاظ على مبادئه وميراث حزبه الوطنى فرفض الكثير من سياسات حكوماته الاقتصادية والمبالغة فى التطبيع والتهادان مع الاخوان ،وفى نفس الوقت تحرص على الاستفادة من هامش الحرية المتاح بأكبر قدر لخدمة قناعاته فأشترك فى المؤسسات السياسية الدستورية ومن داخل هذه المؤسسات تمكن من أن يمثل تياره السياسي بشكل واعى داخل منظومة الدولة فدافع عن حقوق الفقراء وقضايا المواطنة وهاجم سياسة الخصخصة ،وتحمل فى سبيل ذلك لوم بعض مناضلى صالونات المنازل وإتهاماتهم له بالتراجع عن مبادئه والانحياز للسلطة.
اما رفعت المؤرخ فلم يقل نضجاً وعقلانية عن رفعت السياسي مع سعى جاد للموضوعية ورغبة كاملة فى الوصول لأكبر قدر من الحقيقة ،فنجده فى دراسته المتعددة الاجزاء عن الحركة الشيوعية المصرية ،يسعى أن يقدم الحقيقة للقارئ كما وجدها ،فلم يجامل ولم يخفى تناقضاتها وأزماتها الداخلية.
وبالرغم من سجنه فى عهد الرئيس عبد الناصر وتشرده وهو مازال صغير السن ،الا انه لم يحمل تجاهه اى ضغائن مومناً أن ما حدث كان جزءاً من تحولات مرحلة معينة ،ولذلك نجده فما كتب عن الرئيس عبد الناصر يقدم رؤية متزنة لرجل عظيم الانجازات مع عدم إغفال أخطائه .
ولكن يظل أعظم ما فى تجربة رفعت السعيد هى غيرته وحماسته الوطنية التى تجلت فى مشروعه الثورى ضد أفكار وممارسات جماعة الاخوان وأشياعهم من تجار الدين ومصاصي الدماء ومفسدى الاوطان .
فناضل ضد فكرهم فى كتاباته شارحا للناس ممارساتهم الارهابية وتاريخهم الدموى من كتاباتهم وروايات ألسنتهم ،فجعلهم بأنفسهم شاهدين على أفعالهم الاجرامية.
وبالرغم من قسوة نقده وشجاعته فى ذكر شرورهم الإ انه لم يتجاوز او يطعن فيهم او ينتهك إنسانيتهم كما فعلوا معه فى حياته ويفعلون بعد مماته ،وإنما حفظ لهم حرمتهم الشخصية ،مكتفياً فقط بسرد أفعالهم الارهابية والعدائية للوطن المصري وأبنائه .
وخلال عهد المعزول محمد مرسي كان أحد ابرز الاصوات التى ناضلت ضد سياسته التخربية فاضحاً ممارسات الجماعة التى كانت ترمى الى السيطرة على الدولة المصرية ،والعبث بمقدراتها لصالح احلامها الغبية وأفكارها التأمرية ،مهاجماً ديكتاتورية مرسي واعلانه الغير الدستورى الطغيانى ،داعيا للثورة ضده .
وعقب ثورة 30 يونيو وتفجر موجات الارهاب الاخوانية ،خرج علينا بعض المحسوبين على الحياة السياسية والذين يقدمون أنفسهم كمفكرين ورجال دولة يمهدون للتصالح مع الاخوان وإهدار دماء الشهداء ،فوقف إليهم الرجل بقوة يفضح أكاذيبهم ونفاقهم ويوضح للناس حقيقتهم فكشف كيف أن هولاء هم مجرد حفنة من التجار والمرتزقة الذين لا يهتمون الا بمصالحهم الشخصية وصفاقاتهم الدنيئة حتى ولوعلى حساب امن الوطن ودماء شهدائه ،وظل الرجل وافيا لمبدأه هذا حتى رحيله إلى جوار ربه فى أغسطس 2017.
وهكذا نجح رفعت السعيد فى تكوين شخصيته المميزة التى أخذت صلابتها من روح المناضل وقوته وعقلانيتها من واقعية السياسي وبعد نظره ،وإخلاصها وصدقها من أمانة المؤرخ وحرصه على الحقيقة ،وكانت هذه الشخصية هى المنارة لكل تلاميذه تقويهم عند المحن وتهديهم عن الضلال حتى يظلوا على دربه المستقيم سائرون .