المحكمة تأخذ بالرأفة مع قاتل والدته فى المحلة الكبري لهذا السبب «حيثيات رسمية»
ADVERTISEMENT
قالت المحكمة في حيثيات حكمها برئاسة المستشار سامح عبد الله وعضوية المستشارين ايمن يونس ابو زيد وخالد فاروق عرفه بحضور مهند امين جوده وكيل النيابة بأمانة سر عمرو جمال إن واقعةهذه الدعوى حسبما استقرت فى يقين المحكمة واطمأن لها وجدانها مستخلصة من أوراقها وما تم بها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة تتحصل فى أنه وبتاريخ 9/12/2020 .
وردت إشارة إلى نقطة شرطة المستشفى العام بالمحلة من كاتب الاستقبال تفيد بوصول سيارة الإسعاف بصحبة نهاد محمد على إبراهيم و بسؤال زوجها المدعو حميدو عبد النبى محمد أبو دراع قرر بمحضر الضبط الذى حُرر فى ذات التاريخ بأن نجلها مصطفى حميدو عبد النبى قد سكب عليها زجاجة من سائل البنزين وأشعل بها النيران بالطريق عند عودتها إلى منزلها وأن بعض المارة قاموا بمحاولة إطفاء النيران التى اشتعلت بها وتم طلب الإسعاف لنقلها إلى المستشفى العام .
تحيا مصر يرصد في السطور التالية حيثيات القضية
وقد ورد بمذكرة قسم استقبال المستشفى أن المجنى عليها مصابة بحروق من الدرجة الثانية بنسبة أربعين بالمئة وهى عبارة عن حروق بالوجه وفروة الرأس والرقبة والصدر والبطن بالإضافة إلى حرق باليدين اليمنى واليسرى وتم تحويلها إلى مستشفى الجمعية الخيرية .
وبذات التاريخ 9/12/2020، ورد تحريات وحدة المباحث ثابت بها قيام المتهم بارتكاب الواقعة وأنه أقر بذلك عند ضبطه وإحضاره تنفيذاً لقرار النيابة العامة وأرجع المتهم سبب ذلك إلى أنه كان يشعر بامتهان لإصابته بعيب خلقى بعينه وعجزه عن العمل ورفض والدته إعطائه أموال لشراء مواد مخدرة وأنه هددها بإشعال النيران بها إن لم تستجب وأنه فى يوم الواقعة قام بشراء زجاجة بنزين من محطة وقود بجوار مسكنه القريب من المقابر الجديدة وقام بسكب محتواها على المجنى عليها فى طريق عودتها إلى المنزل والقى عليها قداحة مشتعلة فشب الحريق فى عموم جسدها قاصدا إزهاق روحها .
وأنه بتاريخ12/12/2020وردت إشارة من مستشفى الجمعية الخيرية بأن المجنى عليها غير مدركة الكلام. وأنه بتاريخ 16/12/2020 وردت إشارة من ذات المستشفى تفيد بأن المجنى عليها توفيت إلى رحمة الله تعالى وقد ثبت من تقرير المستشفى المذكور أن المجنى عليها كانت تعانى من حروق من الدرجة الثالثة بنسبة خمسة وأربعين بالمئة وتسمم فى الدم وارتفاع فى وظائف الكلى وارتفاع فى وظائف الكبد ، وفى تمام التاسعة مساءً حدث توقف فى عضلة القلب وتم عمل إنعاش قلبى رئوى دون أدنى جدوى وتم اعلان الوفاة فى تمام الساعة العاشرة والنصف يوم 15/12/2020.
النيابة العامة
وحيث إنه بتحقيقات النيابة العامة شهد شهود الإثبات بثبوت الواقعة وقد تأيدت شهادتهم بتحريات وحدة المباحث وشهادة مجريها وإقرار المتهم بارتكاب الواقعة بالإضافة إلى ما ثبت من الدليل الفنى المستمد من تقرير قسم الأدلة الجنائية وكذلك تقرير الصفة التشريحية بمصلحة الطب الشرعى.
وحيث إن الواقعة قد استقام الدليل على صحتها وثبوتها فى حق المتهم وذلك أخذا من شهادة شهود الإثبات فى الدعوى وإقرار المتهم والدليل الفنى المستمد من تقريرى قسم الأدلة الجنائية والصفة التشريحية.
فقد شهد حميدو عبد النبى محمد أبو دراع ( والد المتهم وزوج المجنى عليها) بأنه يوم الواقعة كان يؤدى الصلاة بمنزله وقد تناهى إلى سمعه صوت صراخ فقطع الصلاة لاستطلاع الأمر وعندها شاهد زوجته المجنى عليها وقد اشتعلت النيران بجميع جسدها حيث أخبره كل من حسن الرفاعى عمر وماجد مصطفى إبراهيم بأن نجله المتهم هو الذى أشعل النيران بالمجنى عليها فأخذ فى إطفاء النيران المشتعلة بها مع آخرين وحدثت إصابة بكفى يديه من جراء ذاك إلى أن حضرت سيارة الإسعاف وحملت المجنى عليها إلى مستشفى المحلة العام ثم تم تحويلها بعد ذلك إلى مستشفى الجمعية الخيرية وأضاف بأن المجنى عليه كان فاقد الإبصار بإحدى عينيه وعاطل عن العمل وأنه حاول الاعتداء عليه قبل ذلك كما أنه كان يصعد سطح المنزل ويقوم بإلقاء الزجاجات على المارة.
وشهد ماجد مصطفى ابراهيم صقر أنه حال جلوسه أمام منزله شاهد المجنى عليها وهى تفر هرباً وكانت تتجه إلى منزلها آخذة فى الصراخ بينما المتهم يطاردها ممسكاً بيده زجاجة بنزين قام بسكبه عليها ثم أخرج قداحة من طيات ملابسه وقام بإشعال النيران بها وفر هارباً فقام كل من حسن الرفاعى عمر وأحمد السيد أحمد بالإضافة إلى زوجها بمحاولة إطفائها وطلب سيارة الإسعاف لها وأضاف بأنه لم يستطع أن يشارك فى إخماد النيران التى اشتعلت بالمجنى عليهما لأنه قعيد من زمن ولا يقدر على الحركة وأن المتهم كان قاصداً قتلها.
وشهد حسن الرفاعى عمر عبد المولى بأنه حال عودته من المسجد بعد أداء صلاة الظهر شاهد النيران مشتعلة بجسد المجنى عليها بينما المتهم يفر هرباً ممسكاً زجاجة بنزين، فهرع نحو المجنى عليها وحاول إخماد النيران المشتعلة بها بسجادة الصلاة التى كانت معه لكن النيران المشتعلة بها لن تخمد فدلف إلى منزل المدعو ماجد مصطفى إبراهيم وأحضر "لحاف" وقام بإلقائه على المجنى عليها فخمدت النيران وبعد ذلك تم طلب سيارة الإسعاف التى قامت بنقلها إلى مستشفى المحلة العام ثم بعد ذلك تم تحويلها إلى مستشفى الجمعية الخيرى.
وشهد أحمد السيد أحمد السيد فرج أنه حال ذهابه إلى عمله سمع صوت صراخ ثم شاهد المتهم وهو يطارد المجنى عليه ممسكاً بيده زجاجة بنزين قام بسكبه عليها ثم أشعل بها النيران باستعمال قداحة فما كان منه إلا أنه قام بخلع "تيشيرت" كان يرتديه وحاول إخماد النيران المشتعلة فى المجنى عليها وقد تعرف من مقطع الفيديو الذى عرض عليه ، على المتهم وقرر أنه ذات الشخص الذى أشعل النيران بالمجنى عليها.
وشهد ملازم أول حازم أسامة عبد الحميد أنه بناء على قرار النيابة العامة بضبط وإحضار المتهم تمكن من ضبط المتهم واقتياده إلى ديوان القسم.
وشهد رائد محمد نصر أبو العنين رئيس وحدة مباحث قسم ثالث المحلة الكبرى أن تحرياته السرية التى قام بإجرائها بمناسبة الواقعة توصلت إلى أن المتهم قام بإضرام النيران بالمجنى عليها أمه وذلك لمطالبته المستمرة بمبالغ ماليه لتعطله عن العمل ورفض المجنى عليها إعطائه إياها وأنه فى اليوم السابق على الواقعة ٨ /١٢ / ٢٠٢١ قام بتهديد المجنى عليها بإشعال النيران بها إن لم تستجب لطلبه بإعطائه النقود وفى صباح اليوم التالى يوم ارتكاب الواقعة ٩/ ١٢/ ٢٠٢١ عقد العزم على تنفيذ ما انتوى عليه وهو إشعال النيران بالمجنى عليها فتوجه لشراء لتر من مادة بترولية من محطة وقود مجاورة لمنطقة المقابر الجديدة وتوجه إلى مسكنه منتظراً قدوم المجنى عليها لمدة ساعتين حتى قابلها أمام مدخل المنزل وقام بسكب زجاجة المواد البترولية عليها ثم أشعل بها النيران بواسطة قداحة كانت معه قاصداً من ذلك قتلها ، فاشتعلت بها النيران وقد قام بعض المارة بمحاولة إخماد النيران المشتعلة بها حتى تم نقلها إلى مستشفى المحلة العام ثم بعد ذلك تم نقلها إلى مستشفى الجمعية الخيرية حيث ادخلت إحدى غرف العناية المركزة بها إلى أن توفيت إلى رحمة الله يوم16/12/2020.
وأضاف بأنه من خلال مناقشته للمتهم عقب ضبطه تنفيذاً لقرار النيابة العامة أقر له بارتكاب الواقعة وأنه يعانى من عيب خلقى بإحدى عينيه أعجزه عن العمل والخروج من المنزل وكان كثير مطالبة المجنى عليها بنقود يقابله رفض منها.
كما أضاف بمناسبة عرض مقطع فيديو عليه للواقعة بأن هذا المقطع يمثل حقيقة ما حدث بالفعل.
وحيث إنه باستجواب المتهم بتحقيقات النيابة العامة عن تهمة الشروع فى قتل المجنى عليها قبل إعلان وفاتها قرر أنه قبل الحادث بيومٍ كان متواجد بالمنزل يتناول طعام إفطاره وكانت المجنى عليها تتحدث مع والده بكلمات تسئ إليه " بتلقح كلام عشان تتراخم عليا" مضمونها أنه لا يستحق الإفطار الذى يتناوله وأنه غضب من ذلك وتوعدها بالحرق . وربنا ما هسيبك وهولع فيكى" وأنه فى صبيحة اليوم الثانى كان لا يزال غاضباً " وفضلت شايلها فى نفسى" فذهب إلى محطة وقود بالقرب من منزله وابتاع منها لتر بنزين فى زجاجة بلاستيكية وضعها فى كيس أسود اللون وعاد إلى المنزل منتظراً عودة المجنى عليها حيث كان يعلم وقت حضورها والمكان الذى تأتى منه من السوق وما أن رآها عن بعد حتى خرج إليها وقام بمطاردتها ثم سكب كمية من زجاجة البنزين التى كانت معه عليها وأشعل قداحة كانت بيده وألقاها على المجنى عليها وقد ظل يطاردها فاشتعلت النيران بها وفر هارباً إلى أن تم القبض عليه بعد ذلك.
عاجز عن العمل
وأضاف بأنه يقيم مع والديه وشقيقتين وابنة شقيقة وأنه عاجز عن العمل بسبب أنه لا يرى بإحدى عينيه ويعانى من ضعف الإبصار فى الأخرى وأنه لا يجد حاجته من مأكل ومشرب إلا ما يُصرف له من بطاقة التموين المثبت بها وأن والداه سخرا منه عندما كان يتناول طعام إفطاره وأنه بسبب هذه الظروف يعانى من تعب أعصاب دائم.
" أنا أعصابى تعبانه بسبب ظروفى المادية وإن مفيش فلوس وإحنا غلابة"
وعند سؤاله ألم يؤلمه أن يطارد المجنى عليها على نحو ما وصف قرر أنه لم يكن يشعر بشئ وأنه كان غاضب وأنها كانت " ساعة شيطان"
وأنه عاد إلى المنزل مساءً لكى يراضى المجنى عليها لكنه تم القبض عليه.
وعند مواجهته بمقطع الفيديو المصور أقر ما ورد به.
وعند سؤاله عن الجزاء الذى يمكن أن يستحقه فيما لو فارقت والدته الحياة أجاب حرفياً:
" أنا هزعل أوى بس أنا مش حمل بهدلة بس هقولك موتونى"
وحيث إنه باستجواب المتهم ثانية عقب إعلان وفاة المجنى عليها متأثرة بإصاباتها وقد حضر معه محام هو الأستاذ ( بلال العبد ياسين) أنكر ما نسب إليه من اتهام وقرر حرفياً " أنا زعلان وعايز أشوفها" لكنه أقر عندما عرضت عليه بعض الصور الفوتوغرافية الخاصة بالزجاجة البلاستيكية التى عثر عليها بمسرح الجريمة أنها التى استخدمها فى التعدى على المجنى عليها حيث كانت معبأة بسائل البنزين . والدفاع الحاضر معه طلب إخلاء سبيله بالضمان المناسب.
النيابة العامة
وحيث إنه بجلسة المحاكمة حضر المتهم وردد مضمون أقواله السابقة فى التحقيقات وأبدت النيابة العامة مرافعتها التى طالبت فيها تطبيق مواد الاتهام الواردة بأمر الإحالة والدفاع الحاضر مع المتهم .
مستشفى الأمراض النفسية
طلب عرض المتهم على مستشفى الأمراض النفسية والعصبية للوقوف على مدى سلامة قواه النفسية والعصبية والمحكمة بذات الجلسة قضت وقبل الفصل فى الموضوع بإيداع المتهم مستشفى العباسية للأمراض النفسية والعصبية بالقاهرة لمدة خمسة وأربعين يوماً وتشكيل لجنة خماسية من استشارى الأمراض النفسية والعقلية المختصين لتوقيع الكشف الطبى عليه بياناً ما إذا كان المتهم يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى أفقده الإدراك أو الأختيار أو أنه كان يعانى من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها أدى إلى انتقاص ادراكه أو اختياره وذلك على النحو الذى ورد تفصيلاً بقضاء المحكمة التمهيدى.
وحيث إنه قبل الجلسة المحددة ورد التقرير الفنى وقد اطلع عليه دفاع المتهم وقد ثبت منه الحقائق التالية:
١- خلو أقوال المتهم بتحقيقات النيابة العامة من أى أعراض دالة على وجود اضطراب نفسى أو عقلى.
٢- لم يظهر بفحص الحالة العقلية للمتهم أى أعراض دالة على وجود اضطراب نفسى أو عقلى.
٣- لم يظهر وضع المتهم تحت الملاحظة عن وجود أى مظاهر بالسلوك أو التفكير دالة على وجود اضطراب عقلى أو نفسى، ( ملحوظة) المتهم لا يتناول علاج دوائى نفسى أثناء الملاحظة.
٤- لم تظهر الأبحاث النفسية أي دلالات على وجود اضطراب نفسى أو عقلى أو اضطراب فى الوظائف المعرفية بل أظهرت سمات الشخصية الإجرامية.
تقرير اللجنة المشكلة
ثم انتهت اللجنة المشكلة فى تقريرها إلى نتيجة مؤاداها أن المتهم مصطفى حميدو عبد النبى محمد أبو دراع لا يعانى من أي اضطراب نفسى أو عقلى فى الوقت الحالى أو فى وقت ارتكاب الجريمة محل الاتهام وهو قادر على الإدراك والاختيار والحكم على الأمور ومعرفة الخطأ من الصواب مما يجعله مسئولاً عن الاتهام المسند إليه فى القضية محل المحاكمة.
والمتهم بذات الجلسة قرر أنه لا يدرى كيف حدث منه التعدى على والدته وأنه نادم على ذلك ودائم البكاء منذ أن توفيت والدته وأنه قضى فترة انعزال فى منزله طوال ثلاث سنوات متصلة أثرت على سلوكه وأنه كان يعانى من فقد الإبصار بعينه وأن هذه الإصابة كانت محل سخرية منه.
والدفاع الحاضر معه طلب أصلياً براءة المتهم لانتقاء مسؤوليته الجنائية وانتفاء القصد الجنائى. واحتياطياً استعمال الرأفة نتيجة الظروف التى دفعته إلى ارتكاب الجريمة.
وحيث إنه الدفع بانعدام مسئولية المجنى عليه فلما كانت المادة 62 من قانون العقوبات المستبدلة بالقانون رقم 71 لسنة 2009 تنص على أنه: " لا يسأل جنائياً الشخص الذى يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى أفقده الإدراك أو الاختيار أو الذى كان يعانى من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو على غير علم منه بها.
ويظل مسئولاً جنائياً الشخص الذى يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره وتأخذ المحكمة فى اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة"
ومن الواضح وأخذاً من هذا النص أنه يشترط لإعمال حكمه وامتناع المسئولية الجنائية على الشخص الذى يعانى من اضطراب نفسى أو عقلى شرطان أساسيان:
أولهما أن يكون مرتكب الفعل فاقد الإدراك والاختيار تماماً.
وثانيهما أن يكون فقد الشعور أو الاختيار معاصراً لارتكاب الفعل الإجرامى.
المحكمة
وحيث إنه فى سبيل وقوف المحكمة على مدى قدرة المتهم على الإدراك والاختيار وبناء على الدفع الذى أُبدى فى جلسة المحاكمة أصدرت المحكمة حكماً تمهيدياً بإيداع المتهم مستشفى الأمراض النفسية والعصبية وندب لجنة خماسية من استشارى الصحة النفسية والعقلية لتوقيع الكشف النفسى والعقلى على المتهم طبقاً لما ورد بذلك القضاء ولقد انتهى تقرير اللجنة المشكلة إلى نتيجة مؤداها أن المتهم لا يعانى من أي اضطراب نفسى أو عقلى فى الوقت الحالى أو وقت ارتكاب الواقعة محل الاتهام وهو قادر على الإدراك والاختيار والحكم على الأمور ومعرفة الخطأ من الصواب مما يجعله مسئولاً عن الاتهام المسند إليه وذلك على التفصيل الذى تضمنه تقرير اللجنة والذى تطمئن المحكمة إلى النتيجة التى انتهى إليها كامل الاطمئنان وذلك لسلامة ومنهجية الاجراءات التى اتبعها أعضاء اللجنة والثابتة تفصيلاً به وهو الأمر الذى يجعل المحكمة وبموجب السلطة التقديرية المخولة لها فى تقدير عمل الخبراء أن تأخذ بهذه النتيجة التى خلص إليها التقرير لابتنائها على أسس علمية سليمة تتفق وما جاء بأوراق الدعوى وما حملته من وقائع وأدلة ومن ثم فإن المحكمة تخلص إلى أن المتهم لا يتوافر فى حقه مانع من موانع المسئولية على نحو ما تضمنته المادة ٦٢ من قانون العقوبات على نحو ما سبق ببانه ويكون المتهم من ثم مسئولاً جنائياً عن الجرم الذى ارتكبه والمحكمة ترفض الدفع الذى أبدى على خلاف ذلك.
جريمة قتل
وحيث أنه عن قصد القتل فلما كان من المقرر أن القصد الجنائى فى جريمة القتل العمد هو من قبيل القصد الخاص، وهذا معناه أن الركن المعنوى لهذه الجريمة لا يتحقق قانونًا إلا إذا ثبت إلى جانب -القصد العام - وهو انصراف إرادة الجانى إلى إتيان النشاط المادى مع العلم بكافة عناصر الركن المادى للجريمة كما رسمها القانون -القصد الخاص - وهو اتجاه نية مرتكب الجريمة إلى غرض يهدف إليه بنشاطه وهو " نية القتل"
وتُعبر محكمة النقض المصرية عن رأيها الذى تواترت عليه أحكامها باشتراط توافر القصد الخاص فى جريمة القتل العمد بقولها:
" تتميز جرائم القتل العمد والشروع فيه - قانونًا- بنية خاصة هى انتواء القتل وإزهاق الروح وهذه تختلف عن القصد الجنائى العام الذى يتطلبه القانون فى سائر الجرائم العمدية.
ولا بد أن يتعاصر القصد الجنائى مع الفعل المادى الذى أحدث الوفاة، فإن توافر القصد عند اتخاذه كانت الجريمة عمدية ولو كان هذا القصد متخلفًا قبل اتخاذ الفعل أو تخلف بعد اتخاذه.
أما لو ندم الجانى وفقد نية القتل عند اتيان الفعل فلا تكون الجريمة عمدية"
والقصد الجنائى كركن من أركان جريمة القتل العمد لا تقوم بدونه ومن هنا يلزم بيانه والتدليل عليه حتى يتسنى لمحكمة النقض إنزال رقابتها على صحة تطبيق القانون، وليس هناك مظهر بذاته يقطع بقيام القصد على سبيل الحتم لأن هذه المظاهر ليست هى القصد ولا أدلة حتمية توجد كلما وجدت، وإنما هى أمارات تكشف عنه والأمر موكول لقاضى الموضوع فى كل حالة واقعة على حدة.
وفى هذا تقول محكمة النقض فى حكم متواتر عليه أيضًا:
أن " قصد القتل أمر خفى لا يُدرك بالحس الظاهر وإنما يُدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه"
وتقول أيضًا المحكمة العليا:
" وحيث إن جريمة القتل العمد تختلف عن غيرها من جرائم الاعتداء على النفس بعنصر خاص هو أن يتعمد الجانى من ارتكاب الفعل الجنائى إزهاق روح المجنى عليه وهذا العنصر ذا طابع خاص يختلف عن القصد الجنائى العام الذى يتطلبه القانون فى سائر الجرائم وهو بطبيعته أمر يبطنه الجانى ويضمره فى نفسه، ومن ثم فإن المحكمة تستظهره من وقائع الدعوى وملابساتها"
"وأن الحكم الذى يقضى بإدانة المتهم فى هذه الجناية يجب أن يعنى بالتحدث عن هذا الركن استقلالًا واستظهاره بإيراد الأدلة التى تكون المحكمة قد استخلصت منها أن الجانى حين ارتكب الفعل المادى المُسند إليه كان فى الواقع يقصد إزهاق روح المجنى عليه وحتى تصلح تلك الأدلة أساسًا تُبنى عليه النتيجة التى يتطلب القانون مقتضاها يجب أن يبيِّنها الحكم بيانًا واضحًا ويرجعها إلى أصولها فى الدعوى وألا يكتفى بسرد أمور دون إسنادها إلى أصولها " وأنه ليس ثمة ما يمنع من أن تتولد نية القتل فجأة عند أحد المتشاجرين أثناء المشاجرة.
وحيث إنه لما كان ذلك وبناء عليه فإن المحكمة تستخلص توافر القصد الخاص لدى المتهم والمتمثل فى نية إزهاق روح المجنى عليها من الأمارات والشواهد الآتية:
أولًا: ما شهد به شهود الواقعة من أن المتهم ما أن شاهد المجنى عليها عائدة إلى منزلها حتى قام بسكب كمية من سائل البنزين على جميع جسدها ثم أشعل النيران بها بواسطة قداحة كانت بحوزته، فإن ذلك لا يترك مجالاً لشكٍ من أن المتهم أراد إزهاق روح المجنى عليها.
ثانياً: إقرار المتهم بتحقيقات النيابة العامة بتفاصيل اعتدائه على المجنى عليها عن طريق إشعال النيران بها إنما يثبت توافر قصد إزهاق روحها فى حقه.
ثالثاً: استخدام هذه الوسيلة فى القتل والتى تتمثل فى سكب سائل البنزين شديد الاشتعال على المجنى عليها ثم إيصاله بمصدر حرارى مثل لهب نار يتصاعد من قداحة إنما يثبت حتماً أن قصد المتهم من ذلك كان هو قتل المجنى عليها.
رابعاً: كمية السائل الذى استخدمه المجنى عليه وألقى به على المجنى عليها والذى تمثل فى عبوة بلاستيكية يثبت أنه كان لديه قصد القتل دون شيئٍ سواه.
خامساً: ملاحقة المتهم للمجنى عليها التى حاولت الفرار منه ثم سكب البنزين عليها وإيصاله بمصدر حرارى على نحو ما سبق يثبت لديه توافر هذا القصد الجنائى.
سادساً: لقد تخير المتهم أكثر وسائل الموت فتكاً بالإنسان وهو الحرق. وأخذاً من علم الطب الشرعى فإن الحروق التى تصيب جسد الإنسان نتيجة ملامسة لهب أو جسم ساخن للجلد على درجات ست وتعد الدرجة الثالثة التى تتأثر بها الطبقات السطحية للجلد وكذلك تتأثر بها بصيلات الشعر والأعصاب الحسية وتؤدى إلى صدمة عصبية.
التقرير الطبي
تعد هذه الدرجة من الدرجات التى يرجح معها حدوث الوفاة وهو ما أثبته التقرير الطبى الصادر عن مستشفى الجمعية الخيرية إذ أثبت أن المجنى عليها كانت تعانى عند استقبالها من حروق من الدرجة الثالثة بنسبة خمسة وأربعين بالمئة وهو ما يؤكد كيف أن نية المجنى عليه قد انعقدت على إزهاق روحها.
سابعاً: ما ثبت من نتيجة تقرير الصفة التشريحية من أن وفاة المجنى عليها تُعزى إلى الحروق النارية المشاهدة والموصوفة بجثتها وما ضاعفها من التهابات وارتشحات صديدية غزيرة يثبت بغير شك أن قصد المتهم من التعدى عليها قد انعقد على إزهاق روحها.
ثامناً: تحريات الشرطة التى أثبتت أن قصد المتهم من التعدى على المجنى عليها كان هو القتل.
الأمر الذى تخلص منه المحكمة ومن جماع ما تقدم أن قصد المتهم من اعتدائه على المجنى عليها كان إزهاق روحها وهو ما يمثل القصد الخاص فى جريمة القتل العمد.
وحيث إنه عن ظرف سبق الإصرار فقد عرفته المادة (٢٣١) من قانون العقوبات بقولها أنه:
" القصد المصمم عليه قبل الفعل لارتكاب جنحة أو جناية يكون غرض المصر منها إيذاء شخص معين أو شخص غير معين وجده أو صادفه سواء أكان ذلك القصد معلقًا على حدوث أمر أو موقوفًا على شرط " والإصرار على القتل لغة هو انعقاد العزم على القتل والثابت بغير تحول ، وأياما كان الرأى فى معناه القانونى فلا شك أن من يُقدم على القتلِ مصرًا عليه أشد خطرًا ممن يُقدم عليه بغير إصرارٍ تحت ضغط عاطفة فورية أو استفزاز عابر لأن من فكر ودبر ووازن أشد خطرًا ممن غضب فاندفع فقتل.
ويتجه الفقه فى مصر وكذلك أحكام محكمة النقض فى التعريف بسبق الإصرار إلى التعريف بعنصريه:
أولًا: عنصر زمنى وهو أن تمضى فترة من الوقت بين اتجاه الإرادة إلى القتل وبين تنفيذ القتل.
ثانيًا: عنصر نفسى وهو أنه يتوفر للجانى خلال الفترة الزمنية الممتدة بين التفكير فى الجريمة وتنفيذها عنصر الهدوء والروية فى التفكير وإعداد وسائلها وتدبر عواقبها.
محكمة النقض
ولقد استقر قضاء محكمة النقض على عدم كفاية العنصر الزمنى للقول بقيام سبق الإصرار وقضت بأن سبق الإصرار - وهو ظرف مشدد فى جرائم القتل والجرح والضرب - يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيدًا عن ثورة الانفعال، مما يقتضى الهدوء والروية قبل ارتكابها، لا أن تكون وليدة الدفعة الأولى فى نفس جاشت بالاضطراب وجمح بها الغضب حتى خرج عن طوره، وكلما طال الزمن بين الباعث عليها وبين وقوعها صح افتراض قيامه وهو يتحقق كذلك ولو كانت خطة التنفيذ معلقة على شرط أو ظرف، بل ولو كانت نية القتل لدى الجانى غير محددة، قصد بها شخصًا معينًا أو غير معين صادفه، وحتى لو أصاب بفعله شخصًا وجده غير الشخص الذى قصده وهو لا ينفى المصادفة أو الاحتمال. وسبق الإصرار بهذا المعنى ظرف مستقل عن نية القتل التى تلابس الفعل المادى المكون للجريمة.
وبهذا عبرت محكمة النقض عن استقرارها على ضرورة ثبوت العنصر النفسى لسبق الإصرار وهو الهدوء والروية باعتباره يمثل خصوصية سبق الإصرار أو ذاتيته أو بحد تعبيرها إن مناط سبق الإصرار هو أن يرتكب الجانى الجريمة وهو هادئ البال بعد إعمال فكر وروية.
وتتوفر علة التشديد فيما ينبنى عنه هذا الامتداد الزمنى من سماح للجانى بإعمال حكم العقل فيما انتواه وتدبر عواقبه فيما لو مضى فيه، وتتوفر له بذلك فرصة العدول عن قصده فيمضى مع ذلك فى تنفيذه.
فالهدوء والروية هما علة التشديد وما العنصر الزمنى سوى ضابط على توافرهما أو بالأدق آمارة كاشفة عن عنصر الهدوء والروية.
ويلاحظ أنه يجوز فى العقل والمنطق وكما تقرر محكمة النقض أن تتوافر نية القتل مقترنة بسبق الإصرار أو أن تتوافر تلك النية متحررة منه، فسبق الإصرار ونية القتل ركنان للجناية مستقلان وعدم توافر إحداهما لا يستتبع عدم توافر الآخر وقيام أحد هذين العنصرين المستقلين لا يلزم عنه قيام الآخر ولا تلازم بينهما إذ ليس ثمة ما يمنع من أن تتولد نية القتل فجأة عند أحد المتشاجرين أثناء المشاجرة دون سبق إصرار كما سبق القول.
وحيث إنه لما كان ذلك فإن المحكمة تخلص إلى توافر هذا الظرف المشدد فى حق المتهم أخذًا من الشواهد الأمارات الآتية:
أولاً: ما أضمره المتهم تجاه المجنى عليها من حقدٍ نتيجة ما ترسخ فى ذهنه ووجدانه من قيامها بالسخرية والتنمر ضده نتيجة العيب الخلفى الذى كان يعانى منه بفقد الإبصار بإحدى عينيه والذى اقعده عن العمل.
لقد رسب ذلك فى نفسه الشعور بالدونية وقد تصاعد هذا الشعور حتى بلغ ذروته عند اليوم السابق على الواقعة إذ يقرر المتهم بتحقيقات النيابة أنه حال تناوله طعام الإفطار كانت المجنى عليه تسخر منه حسبما ظن هو وذلك بقولها حرفياً: " وبتاكل لانشون ومدلع نفسك " فلم يكن رده إلا أنه قال حرفياً: " أنا مش هسيبك وهولع فيكى"
ثانياً: أن المتهم أيضاً قد أقر بتحقيقات النيابة بما يثبت أن هذا الظرف المشدد قد تحقق فى شأنه وذلك عندما قال حرفياً رداً على ما ظنه أنه أهين من المجنى عليها: " أنا إضايقت وطلعت أنام وفضلت شايلها فى نفسى" إن ذلك يمثل المعنى الأمثل لمضمون هذا الظرف المشدد . أن يضمر الإنسان فى نفسه ما انتوى وعقد العزم عليه ثم لا يغادره هذا العزم حتى إتمام الجريمة وكأن المتهم بذلك يقدم لنا تطبيقاً عملياً لمعنى سبق الإصرار كما جاءت به المادة ٢٣١ من قانون العقوبات سالفة البيان بأنه " القصد المصمم عليه قبل الفعل"
ثالثاً: قيام المتهم وبكل هدوء وروية بالذهاب إلى محطة وقود ومعه زجاجة بلاستيكية فارغة ثم ابتاع منها لتر بنزين ثم وضع الزجاجة داخل كيس بلاستيكى أسود ( بقصد إخفائه) وعاد ينتظر المجنى عليها ليضع كل ما عقد العزم عليه موضوع التنفيذ.
رابعاً: قيام المتهم بحسب إقراره بتحقيقات النيابة بأنه قام بسكب سائل البنزين على المجنى عليها وعندما أخذت الأخيرة فى الفرار فى محاولة للنجاة من الموت كما هى غريزة الكائن البشرى إلا أنه لاحقهما إذ يقول حرفيًا: " وكبيت عليها شوية من الإزازة فهى جريت وأنا جريت وراها وولعت فيها بالولاعة ومشيت"
خامساً: ما شهد به شهود الواقعة وكذلك ما ثبت من تحريات الشرطة إنما تستخلص منه المحكمة توافر هذا الظرف المشدد فى حق المتهم.
سادسًا: أن المتهم قدم تبريراً لفعلته النكراء تمثل فيما ترسخ داخل نفسه تجاه المجنى عليها من كراهية حتى أنه يصف ذلك حرفيًا: " عشان هى دايما بتعايرنى بعينى وتفضل الغريب عنى فى المشاكل وده سبب المشاكل اللى بينى وبينها دايما"
سابعا : أنه إذا كان سبق الإصرار يُعرَّف بعنصريه الزمنى والنفسى كما سبق القول فإن المحكمة تقف على توافر هذين العنصرين فى حق المتهم.
فقد تمثل العنصر الزمنى فى هذا الحقد الذى تنامى فى نفسه تجاه المجنى عليها مما وقر فى وجدانه أنه تنمر ضده. وقد كان هذا العنصر متوافراً بإقرار المتهم ذاته.
وأما عن العنصر الثانى وهو العنصر النفسى الذى يتمثل فى الهدوء والروية باعتباره يمثل خصوصية سبق الإصرار ومناط التشديد عليه فإنه لم يثبت من الأوراق أنه انقطع ، بل على العكس تماماً.
لقد اقدم المتهم على جريمته بعد إعمال فكر وروية فلم يأخذه رادع منها ولم يثنيه وازع عنها.
لقد كان بمقدور المتهم أن يعمل العقل وأن يحتكم إلى الوجدان وأن يتدبر عاقبة ما هو قادم عليه لكنه لم يفعل.
لقد توافرت له كل أسباب العدول لكنه لم يعدل ، وحقاً لم يعدل.
الأمر الذى تخلص منه المحكمة ومن جماع ما تقدم وما تم طرحه من واقعات أن ظرف سبق الإصرار المشدد قد تحقق بعنصريه الزمنى والنفسى فى حق المتهم والمحكمة تؤاخذه به.
وحيث إنه عن ظرف الترصد فقد عرفته المادة ٢٣٢ من قانون العقوبات بأنه: " تربص الإنسان فى جهة أو جهات كثيرة مدة من الزمن طويلة كانت أو قصيرة ليتوصل إلى قتل ذلك الشخص أو إيذائه بالضرب ونحوه"
وظرف الترصد بهذا المعنى، يعنى الانتظار وهو ظرف يتعلق بماديات الجريمة وكيفية تنفيذها من جانب الجانى ويكفى لتحققه مجرد تربص الجانى للمجنى عليه مدة من الزمن طالت أو قصرت فى مكان يتوقع قدومه منه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالاعتداء عليه.
والترصد بهذا المعنى لا علاقة له بالقصد المصمم عليه من قبل وعلى هذا الأساس فلا شئ يمنع أن يرتكب الجانى فعلته مع الترصد دون أن يكون مبيناً النية على ارتكابها أى دون سبق إصرار. فالترصد لا يفترض حتمًا سبق الإصرار ولو كان الأمر كذلك لما كان المشرع المصرى والفرنسى بحاجة إلى ذكر ظرف الترصد اكتفاءً بسبق الإصرار.
وتعد " المرابطة" أهم ما فى هذا العنصر. والمرابطة كما تقول محكمة النقض هى: " مرابطة الجانى فى مكان يصلح فى مكان معين " أيًا كانت بطبيعة هذا المكان وأيًا كانت صفته، فكل مكان أيًا كانت صفته يصلح فى معنى الترصد كالشارع والجسر والمستشفى والسيارة والمنزل والحقل وخلافه ولو كان المكان مملوكًا للجانى نفسه. ولو كان المكان ظاهرًا غير مستتر، فتخفى الجانى ليس شرطًا لقيام الترصد لأن العبرة فى الترصد ليست بتخفى الجانى وإنما فقط فى انتظاره للمجنى عليه ومباغتته بالأذى، فالترصد يقوم قانونًا إذا كان الجانى مختبئًا للمجنى عليه.
كما يقوم الترصد بانتظار الجانى للمجنى عليه فى الطريق الذى يعرف أنه سوف يأتى منه سواء أكان ذلك بالترصد له فى مكان معين أو بالسير فى بعض الطرق انتظاراً لقدومه مادام الجانى كان مترقبًا فى الطريق مجيئه للفتك به حتى ولو كان ذلك وسط جمهور من الناس.
لكن المرابطة لا تكفى وحدها لقيام هذا الظرف. لأنها وحدها لا تفيد سوى الانتظار. والانتظار وحده لا يقوم به الترصد إلا إذا كان القصد منه الاعتداء على المجنى عليه بمعنى أن تتوافر بين الانتظار والاعتداء رابطة غائية يتثبت من وجودها القاضى قبل القول بقيام الترصد وهو ما عبرت عنه المادة ٢٣٢ بقولها: " .. ليتوصل إلى قتل ذلك الشخص"
ويصح فى العقل ( كما يقول بعض الفقه) قيام الترصد برغم توقع المجنى عليه حصول الاعتداء عليه بمعنى أنه لا يلزم أن يكون المجنى عليه قد فوجئ بالجانى مائة فى المائة.
فالفكرة الجوهرية التى يقوم عليها الترصد هى انتظار الجانى للمجنى عليه فى مكان ما انتظارًا مقصودًا له تنفيذ نية منعقدة من قبل وصوله للمكان. أما وقع هذا الانتظار على المجنى عليه فلا علاقة له بقيام الترصد قانونًا فقد يكون متوقعًا له متحوطًا منه وقد لا يكون ، ولا تأثير لذلك كله على قيام الترصد.
وأما عن إثبات الترصد فهو مسألة موضوعية يترخص فى القول بوجوده أو عدمه قاضى الموضوع إلا إذا خرج عن حدود التعريف القانونى له أو أقامه على مقدمات لا تنتجه فى العقل والمنطق.
وهو كواقعة مادية يمكن إثباته بكافة طرق الإثبات بما فيها الشهود.
وحيث إنه لما كان ذلك فإن المحكمة وأخذًا مما سبق إنما تقف على توافر هذا الظرف المشدد فى القتل العمد أخذًا مما ثبت بالأوراق.
فقد جاء إقرار المتهم قاطعاً على توافر ظرف الترصد وذلك بقوله أنه ظل ينتظر المجنى عليها إلى حين عودتها من السوق وما أن شاهدها حتى هرع نحوها حاملاً سائل البنزين الذى أعده سلفاً ثم سكبه عليها وأوصل لهيب قداحته بها ليكتمل مخططه الإجرامى الذى انتواه وأعد له سلفًا
إنه يقول حرفيًا: " وفضلت مستنيها شوية ولما شفنها ساعة الظهرية نزلت قابلتها قدام البيت على العتبة برا وكبيت عليها شوية من الإزازة "وهذا ما قطعت به شهادة الشهود أيضاً وكذلك تحريات الشرطة.
إنه المعنى الحرفى للترصد على نحو ما أوضحنا سلفًا. إنه التربص الذى أوضحته المادة ٢٣٢ من قانون العقوبات والذى تمثل فى الانتظار والترقب بغرض الفتك بالمجنى عليها وقد كانت جهته هو الطريق العام ولقد كان الزمن بضع دقائق وصفها المتهم نفسه بقوله: " فضلت مستنيها شوية" وقدرتها التحريات بساعتين ثم كانت المباغتة التى ضرب بها المتهم المجنى عليها حتى أنه يصفها بأنها " جريت وأنا جريت وراها" ولقد كان الأمر مأساوى عندما سجلت كاميرا مثبتة كل هذه التفاصيل المؤلمة والتى تخلص من جماعها المحكمة إلى أن ظرف الترصد فى القتل العمد قد توافر بالأوراق وهو ما تؤاخذ به المتهم.
وحيث إنه لما كان ذلك وكانت العبرة فيما يتعلق بالأدلة التى يدرك بها القاضى صورة الواقعة أو بالأدق مضمون اقتناعه فيها وكما تقول محكمة النقض هى باقتناع القاضى واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه ، فقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ بأى دليل يرتاح إليه من أى مصدر شاء سواء فى التحقيقات الأولية أو فى جلسة المحاكمة ولا تصح مصادرته فى شئ من ذلك إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه بشرط أن يكون الحكم مبنياً على الجزم واليقين ولكن يجب أن نقول أن اليقين القضائى هنا ليس هو اليقين بالمعنى الفلسفى كحالة ذهنية تلتصق فيها حقيقة الشئ فى الذهن على نحو لا تثير شكاً ولا تحتمل جهلاً ولا غلطاً ، بل هو يقين قائم على تسبيب وأدلة وضعية ولذلك فهو يقين تقريبى يوصف فى العلم بأنه "اقتناع" وهو حالة ذهنية يتوفر فيها لدى القاضى من الأدلة الوضعية ما يكفى لتسليمه بثبوت الواقعة كما أثبتها فى حكمه. وتأسيسًا على ذلك لا يجوز أن تؤسس الأحكام الجنائية على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة. كما لا يجوز من ناحية أخرى أن تُؤسس الأحكام الجنائية على عبارة مرسلة لا يظهر منها إلمامها بالدليل. ويترتب على ذلك وانطلاقاً من هذا أن حسب القاضى إيراد الأدلة المنتجة فى الدعوى التى تحمل قضاءه أو بعبارة أخرى الأدلة ذات الأثر فى تكوين عقيدته وله فى سبيل استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى أن يجزئ أقوال الشهود فيأخذ بما يطمئن إليه منها ويطرح ما عداه دون إلزام عليه ببيان العلة لكن ذلك مرهون بشرطين: فأما أولهما فهو أن يشتمل
أمين السر رئيس المحكمه.
حكمه على ما يفيد أنه فحص الدعوى وأحاط بظروفها وأدلتها التى قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة. والثانى أنه متى أفصح عن الأسباب التى من أجلها أخذ بالدليل أو أطرحه فإنه يلزم أن يكون ما أورده واستدل به مؤدياً لما رتب عليه من نتائج من غير عسف فى الاستنتاج ولا تنافر فى حكم العقل والمنطق ويكون لمحكمة النقض مراقبته فى ذلك. وتطبيقاً لذلك فإن القاضى لا يلزم فى تسبيب حكمه بإيراد كافة الأدلة التى سيقت فى مجلس القضاء بل يكفى أن يورد من مؤدى الأدلة ما كان منها منتجاً لقضائه أو ذا أثر فى تكوين عقيدته وذلك على أساس أن للقاضى الجنائى سلطة تقدير أدلة الدعوى، فله أن يأخذ بها أو أن يطرحها دون أن يكون ملزماً ببيان العلة. كما لا يلزم القاضى بإبداء الرأى فى كل الدفوع والأقوال التى سيقت أمامه فى مجلس القضاء لأنه لا يُكلف بمتابعة المتهم فى مناحى دفاعه الموضوعى كقاعدة عامة إذ القاعدة أن إطراح المحكمة لدفاع المتهم يعتبر دليلاً على أنها قد أطرحته اطمئناناً منها للأدلة التى عولت عليها، كما أن إيراد أدلة الثبوت يعتبر رداً كافياً على إثارة الشك فى أقوال الشهود وتلفيق التهمة إلا إذا كان الدفاع جوهرياً. كما أن القاضى لايلزم فى تسبيب حكمه بإيراد المؤدى الكامل للأدلة التى تأسس عليها اقتناعه بل يكفى أن يورد من مؤدى هذه الأدلة ما يكفى لتبرير اقتناعه وذلك على أساس أن للقاضى فى سبيل استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى أن يُجزئ مؤدى الدليل ما دام ذلك جائزاً فى العقل والمنطق فيأخذ بما يطمئن إليه ويطرح ما عداه.
وحيث إنه لما كان ذلك فإن المحكمة تستمد قناعتها عند إدانة المتهم من أدلة قد طُرحت فى الأوراق سواء فى مرحلة التحقيق الابتدائى أم عند التحقيق النهائى الذى أجرته والذى يتمثل فى الآتى:
أولاً: إقرار المتهم بارتكاب الواقعة فى تحقيقات النيابة وهو إقرار جاء فى حضور محاميه خالياً مما يشوبه من عيوب الإرادة مفصلاً لكل ماديات الجريمة منذ ميلاد فكرتها فى ذهنه إلى إتمامها على الصورة التى جاءت بها الأوراق وعرضتها المحكمة.
ثانيًا: شهادة شهود الإثبات والتى جاءت قاطعة فى ثبوت الجرم قبل المتهم وقد كانت شهادة رؤية جاءت تحمل تفاصيل مؤلمة منذ أن سكب المتهم سائل البنزين على المجنى عليها إلى أن أشعل بها النيران والتى أخذت فى التهامها بينما حاول الشهود اخمادها بشتى الصور . حتى أن أحدهم يخلع سترته ليلقيها فوق الجسد المحترق فى سبيل إخماده للنيران المشتعلة بينما يحاول آخر بواسطة سجادة صلاة كانت معه بعد أن انتهى لتوه من أداء صلاة الظهر ( شاهد الإثبات الثالث) وعندما لم يجد ذلك نفعًا قام ذات الشاهد باحضار " لحاف" من منزل الشاهد الثانى ( القعيد فوق كرسيه ) فى محاولة أخيرة لإخماد النيران المشتعلة بجسد المجنى عليها وهى شهادة تطمئن لصدقها المحكمة كل الاطمئنان بل لعلها تكون هى الصورة المثلى للشهادة التى تأخذ المحكمة إلى الاقتناع الذهنى والوجدانى لثبوت الجرم قبل المتهم.
ثالثًا: مقطع الفيديو المصور عن طريق كاميرا مثبتة بموضع فى مسرح الجريمة والذى أثبت كل ذلك تفصيلاً وكأن الكاميرا الصماء قد أرادت أن تؤرخ لتلك المأساة الإنسانية الفظيعة.
ولقد أقر بصحة هذا المقطع شهود الإثبات كما أن المتهم نفسه قد أقر بصحته.
رابعا: تقرير الصفة التشريحية وهو ما يمثل الدليل الفنى والذى تطمئن إليه المحكمة حيث انتهى إلى نتيجة مؤداها أن وفاة المجنى عليها إنما تُعزى إلى الحروق النارية التى شوهدت بجثتها وما ضاعفها من التهابات وارتشحات صديدية غزيرة وما صاحبها من تسمم توكسيمي بالدم هو ما اتفق تماماً مع واقعات الدعوى و مذكرة النيابة العامة.
خامسا: تقرير قسم الأدلة الجنائية لمسرح الجريمة والمادة البترولية المستخدمة فى القتل بكافة التفاصيل التى عرضتها المحكمة إنما جاء مصدقًا لشهادة الشهود وإقرار المتهم عن كيفية ارتكاب الجريمة
سادسا: أن المحكمة عند التحقيق النهائى الذى أجرته فى الدعوى لم تتوان فى أن تستجيب لدفاع المتهم الذى دفع بانعدام مسئوليته الجنائية لمعاناته وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أفقده الإدراك والاختيار ولقد انتدبت المحكمة وهى فى سبيلها لتحقيق هذا الدفاع بحكم تمهيدى لجنة خماسية من الاستشاريين المختصين للكشف على الحالة النفسية والعقلية للمتهم وانتهى تقرير اللجنة المشكلة الذى اطلعت المحكمة على الإجراءات التى اتبعتها واطمأنت إليها إلى أن المتهم لا يعانى من أى اضطراب نفسى أو عقلى فى الوقت الحالى أو وقت ارتكاب الواقعة وهو قادر على الإدراك والاختيار والحكم على الأمور ومعرفة الخطأ من الصواب مما يجعله مسئولاً عن أعماله.
وهو الأمر الذى قطعت معه المحكمة بمسئولية المتهم الجنائية عن الفعل المسند إليه.
الأمر الذى يكون قد ثبت معه للمحكمة على وجه القطع والجزم ومن جماع ما تقدم من أدلة أن مصطفى حميدو عبد النبى محمد
فى يوم ٩ / ١٢ / ٢٠٢٠ بدائرة قسم ثالث المحلة الكبرى محافظة الغربية
- قتل المجنى عليها نهاد محمد على أبو بهايم عمدًا مع سبق الإصرار والترصد بأن بيت النية وعقد العزم المصمم على قتلها وذلك إثر خلف سابق بينهما وقام بإعداد مادة بترولية ( جازولين) وتربص لها بالمكان الذى أيقن تواجدها به وما أن ظفر بها حتى قام بسكب تلك المادة على جسدها وقام بإضرام النيران بجسدها باستخدام قداحة فأحدث بها الإصابات والحروق الثابتة بالأوراق والموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياتها بقصد إزهاق روحها على النحو المبين بالتحقيقات.
- أحرز آداة ( مادة الجازولين) دون ضرورة مهنية أو مسوغ قانونى على النحو المبين بالتحقيقات.
وهو الأمر الذى يحق معه للمحكمة معاقبة المتهم وعملاً بالمادة ٣٠٤/ ٢ من قانون الإجراءات الجنائية بالمواد ٢٣٠ ، ٢٣١ ، ٢٣٢ من قانون العقوبات والمواد ١ / ١ ، ٢٥ مكررًا/١ ٣٠ /١ من القانون رقم ٣٩٤ لسنة ١٩٥٤ المعدل والبند رقم ( ٧) من الجدول رقم ( ١) الملحق بالقانون والمعدل بقرار وزير الداخلية رقم ١٧٥٦ لسنة ٢٠٠٧.
وحيث إنه لما كانتا الجريمتين المسندتين إلى المتهم قد وقعتا لغرض واحد وقد ارتبطتا ببعضهما بحيث لا تقبلا التجزئة الأمر الذى وجب اعتبارهما جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدهما عملاً بالمادة ٣٢ / ٢ من قانون العقوبات.
وحيث إن عن مصاريف الدعوى الجنائية فإن المحكمة تلزم بها المتهم عملاً بالمادة ٣١٣ من قانون الإجراءات الجنائية.
وحيث إنه عن أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية فإن المحكمة تأخذ المتهم بقسطٍ من الرأفة بما تبيحه المادة ١٧ من قانون العقوبات.
وللمحكمة هنا وقفة تجد أنه لا سبيلاً إلا لطرحها ولا مناصًا إلا أن تجابهها فالجرم خطير والحادث جلل والواقعات قد جاوزت حد الألم ولعل كل مآس العالم قد تجمعت هنا عند هذا الشارع الضيق الذى شهد اشتعال النيران فى الجسد الوهن وياليت الأمر قد توقف عند ذلك وهو فظيع ، بل تجاوزه إلى حد لم تتصوره المأساة ذاتها.
لقد كان القاتل ابنًا وكانت المقتولة أمًا.
لقد كانا أبعد بنى الإنسان عن طرفى هذا الإثم الكبير لكن الإثم وقع.
فكيف يمكن لنا أن نتصور ذلك فى يسر ودون عناءٍ.
وكيف نسمح لأنفسنا أن نمر بتلك المأساة مرور العابرين دون أن نتدبر ماذا حدث وما يمكن أن يحدث.
إن الفطرة السليمة تدعونا لأن نتأمل هذا المشهد المأساوى العظيم فى حزنه ، الجلل فى ألمه. وهذا التأمل سيحملنا حتمًا إلى أن نتساءل كيف صار بنا الأمر إلى هذه النقطة التى يُضمر فيها ابنًا قتل أمه، تشتعل النيران فى صدره قبل أن يشعلها هو فى جسد أمه. لقد حرق جسدًا يحمل رحمًا كان أول سكنًا له وأعظم سكنًا له وكأن شيئًا مريعًا قد تغير فى الفطرة الإنسانية.
وكأن قوى شيطانية قد أخذت بلب المتهم فأوقفت ملكاته وأجهضت وجدانه ثم أعمت بصيرته.
ولكن المأساة أن ذلك لم يحدث فقد كان حاضر الزهن مدرك لما يقدم عليه يعى معنى الاختيار بين الخير والشر.
ولم يكن وجدانه قد أُجهض.
لقد شعر ببشاعة الجرم وعلم أنه لا يستحق الحياة لكنه فى ذات الوقت كان يأمل أن تعفو عنه الأم وهو رجاء لم يتحقق.
فقد هلك الجسد وماتت الملكات وما بقى إلا الروح وأمرها عند ربى.
والحقيقة أن المتهم لم يفقد عقله ولم تضطرب نفسه كى نعفيه من المسئولية لكنه فقد التكيف adaptation .
تلك القدرة التى تحمل الفرد عن أن يصنع التوازن والتواؤم بينه وبين بيئته المادية والاجتماعية كما يعرفه علماء النفس.
لقد فقد المقدرة على تغيير سلوكه بما يناسب الظروف والمواقف الجديدة التى ألحت عليه.
ولم يكن من العسير أن تقودنا الأوراق إلى قضاءٍ يتأرجح فيه عنق القاتل بحبل مشنقة ثم تُطوى الصفحات إلى الأبد وهى راضية بجزاء قد تساوى فيه الجرم والعقاب فوق كفتى ميزان.
لم يكن هذا عسيراً أبداً.
ولكن متى كان البتر دائماً هو الأصوب؟!
إن اجتثاث النبت الخبيث من الأرض قد يكون فيه صلاحها لكن ماذا لو كان هذا النبت من صناعتنا نحن .. !
ماذا لو كان هذا النبت من نتاجنا نحن ..!
ألا يستتبع ذلك أن تُجتث كل يد أخرجته وأقامته شيطان بيننا .. !
ألا يحملنا ذلك أن نتساءل كيف ليد ابن أن تستبيح حرق اخمص قدم أمٍ، لا أن تمتد إلى حرق كل جسدها.
ألا يحملنا ذلك على أن نتساءل عن تلك القوة الرهيبة التى ما كان لبشر أن ينوء بها.
ألا يحملنا ذلك إلى أن نعود إلى مهد القصة تلك التى بدا فيها أن النبت الوهن بات على شفا أن يستحيل إلى صبار ملمسه شوك، مذاقه علقم وطالما أسقيناه من مرارة البغض والتنمر.
إن المحكمة وهى تترك بصيصاً لنور يتسلل إلى ظلمة المتهم كان فى مقدورها أن تحكم الخناق عليه.. كان فى مقدورها أن تعادل كفتى الميزان لكنها تاقت إلى العدالة التى تتجاوز العدل.
وأما تلك الأم التى أسلمت الروح إلى بارئها فلو أنها تعود برهةً إلى الحياة لقالت: ولدى ... لا تحرقوا قلبى على ولدى.
لو أنها تعود إلى الحياة برهة لانتزعتة من بين أيدينا ولوقفنا نحن صاغرين مشدوهين إلى منطق لا نعلمه وإلى سر من أسرار الكون يتجاوز إدراكنا.
وربما وبعد حين من الزمن لو قُدر للمحكوم عليه أن يرى الحياة ثانيةً لذهب إلى قبر أمه جاثماً فوق ركبتيه يبكيها ما بقى له من حياة.
نحن لا نوصد باباً بين أم وقد أسلمت الروح لبارئها وبين جسد يعذب عند كل لحظة يتذكر فيها ما اقترفت يداه ، فربما أتى الشفاء من ترياق نحسب ألا شفاء فيه وربما أتى الصلاح إلى قلب بينما نظن ألا رجاء فيه.
وأما عن الرحمة فجميعنا يتطلع إلى يومٍ مشهودٍ وقد صغرت فيه كل أعمالنا ووهنت فيه كل قوانا وما بقى لنا إلا أن نقف عند رجاء رحمة من وسعت رحمته كل شئ.