أحمد برير يكتب: أين الوظيفة المناسبة؟ (1)
ADVERTISEMENT
تبدأ في التجهيز وإعداد نفسك للمقابلة الشخصية فور ما تتم دعوتك هاتفياً، قد تكون هناك شحنة أو دفعة من هرمون الدوبامين أو الأدرينالين بجسمك فورما يتصل بك قسم الموارد البشرية بالشركة! وعليه فأنت تستيقظ مبكراً وترتدي الملابس الرسمية بعد كيّها مع باقي التجهيزات الضرورية لحسن المظهر، وفي اللقاء الشخصي، أنت تحاول قدر المستطاع إثبات نفسك خُلُقاً وتهذيباً وإحتراماً وكفاءة وإخلاصاً، وبنهاية الجلسة، تشعر أنك قد أرتحت بعد خروجك من هذا الإختبار أخيراً بعد كل ما سببه لك من توتُّر، ويخبرونك أنهم سيتصلون بك.. كم مرة يجب أن يحدث هذا إلى أن تدرك حقيقة الأمر؟ أنت تذهب إليهم، وليسوا هُم مَن يأتون إليك على أساس أنك أنت المحتاج، وليس هُم! ولكن الحقيقة عكس ذلك بالنسبة لأشخاص آخرين. أنت تحضِّر نفسك كثيراً من أجل المقابلة، وفي النهاية، وفي الأغلب، لن يتم توظيفك.
الوظيفة المناسبة
هل سيتم تعويضك عن كل التحضيرات التي قُمت بها من أجل اللقاءات الشخصية وإعداد السيرة الذاتية دون جدوى؟ لا.. هل سيتم دفع المواصلات؟ لا طبعاً، ومن هنا ولكي توفر ما يبقى من شبابك وحيويتك، فأنت يجب أن تدرك أن هناك خللاً ما. والخلل ليس من طرفهم هُم. أنت المسؤول، ولكنك لست المذنب. والمسؤولية هنا هي أنك لم تملك ما يكفي من معلومات وإرشادات، وللأسف الشديد، لا يتم تدريس تلك الأمور بمدارس و جامعات العالم، فهُم يكتفون بتسميتها بالمهارات الشخصية بإعتبارها شيء ثانوي. إلا أنها هي الشيء الأساسي.
ثقافة التوظيف
دعنا الآن نتحدث عملياً: الكثير يظن أن إختلاف الثقافات والبلاد قد يغير نمط التوظيف أو نمط ريادة الأعمال، وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق.
صحيح أن الثقافة قد تحدد طريقة تعبيرك عن الفكرة ولكنها لا تغير معايير العمل الأساسية وتقديم القيمة. والقيمة هي أحد أهم المحاور الثلاثة فيما يخص التوظيف، المحاور هي: مكان أو جهة العمل، والشخص الذي سيتقدَّم للعمل، والقيمة التي سيقدمها هناك. فيما مضى وفي العالم كله، كان الأساس والمعيار يقع في مكان العمل والجامعة أو الكلية التي تخرج منها المتقدم للعمل. أما في عصرنا الحالي، فيكون التحدي متركِّزاً في المحورين الأخيرين أكثر: القيمة التي ستقدمها والنشاط الذي ستقوم به بمكان أو جهة العمل، وأنت – الشخص المتقدِّم للعمل – قدراتك ومهاراتك الإجتماعية والمهنية والفنية.
دعني أضيف لك هنا، طريقة البحث عن العمل. يجب أن يبدأ الشخص من داخله وما يستطيع تقديمه طبقاً لتعرفه على مهاراته وقيمته الشخصية. المحور الأوسط، وهو ما سيقدمه الشاب بمكان العمل، هو نقطة إلتقاء قدراته مع متطلبات جهة العمل، إن أغلب فرص المستقبل ومسميات الوظائف المستقبلية بنسبة 80% تُعتبَر مجهولة بحسب تقديرات أكثر من متحدث بــ TEDx، إلا أن التحديات في المستقبل بالنسبة للكل، ستكون إدارية أكثر منها فنية أو مهارية، فالمهارة ستكون ذات قيمة عليا إن كانت مهارة إدارية، والمهارة الإدارية لا تعني الأعمال المكتبية فقط، بل تعني إدارة النفس والمهارات والمجهود. فالعلم في تطور مستمر بحسب متطلبات السوق وكلما درست شيئاً وفهمته، وجدت أن هناك المزيد لتتعلمه، وهذا إن كان يبدو طبيعياً أو نشِطاً، إلا أنه ليس بناءًا إن تركته يجذبك إلى نشاطات وإستثمارات نفسية ومالية وإجتماعية في دورات تدريبية وعلاقات وإلتزامات ليس من ورائها عائد حقيقي.
إن الإستثمار الأمثل هو أن تمتلك العناصر الأساسية لتقديم القيمة، ثم تكون جاهزاً بمرونة لمتطلبات السوق. ومن ضمن تلك العناصر هو معرفتك بمجالات العمل الحقيقية، وهي بالمناسبة، ليست كما تراها من طبيعة دراستك أو كما تعودنا جميعاً أن نراها: مهندس أو ضابط أو محامي أو طبيب، وهكذا، إن المجالات أوسع بكثير ويجب أن تغوص بها لكي تصعد من جديد بما تشعر أنه الأقرب لك. وفي وسط تلك المجالات، يكمن مكانك الأمثل.
التحدي الكبير بأماكن العمل هو الجهد والحِمْل الذي سيتم إلقاؤه عليك مما قد يجعلك تشعر أنك مُثقَل وتفتقد لروح العمل الجماعي والملهِم. الكثير من أماكن العمل الآن لا تريد مهارات أو مواهب، بل تريد شخص ليتحمَّل الجهد والمسؤولية أياً كانت، فلتبدأ من الآن تخيل أكبر كم ممكن من الأعمال الآتية إلى مسؤوليتك، ولتتصور كيف يمكنك تنظيم أعمالك أفقياً، إلى أن نلتقي فى المقال القادم.
إعداد: أحمد بريري
مؤلف كتاب "أين الوظيفة المناسبة"