أشرف رشاد يكتب: دراما الصعيد.. دعوه لتصحيح المفاهيم
ADVERTISEMENT
تابعت كالكثير تناول المسلسلات الرمضانية لحياة الصعيد وأهله، وبقدر ما أقدر أن حياة أهل الصعيد بنكهتها الخاصة لغة وأعراف وحياة عامة لها طابعها الخاص الذى يجعلها خصبة لجذب المشاهد بقصص دسمة، لكن للأسف أراه تناولا هزيلًا وضحلًا للحياة فى الصعيد بل وظالما لأهل الصعيد بطريقة لا تليق في كثير من الأحيان.
أنا أدرك أن الدراما تقوم على الحبكة الفنية والقصة بما تحويه من عقدة وحل وأحداث ساخنة تجذب المتلقى طوال الحلقات، لكن هل يعنى هذا ويييح للقائمين على العمل أن يصوروا حياة الصعايدة كلها ثأر وحروب وأحقاد وتجارة مخدرات و آثار وقتل وخطف ومكائد غرام وعشق؟
الدراما الصعيدية والحقيقة
شتان بين ما تعرضه الدراما المصرية وبين الحقيقة فى الصعيد، ولن أتعرض هنا للهجة أو الملابس والبيوت والمعايشة اليومية التى اراها باهتة جدا، فأهل الصعيد ليسوا على لهجة واحدة أبدا، فلهجة أهل اسوان تختلف عن أهل المنيا، وهكذا، فلكل بلد لهجته التى يسرى فيها بعضا من لهجات العرب المختلفة، بل وفى بعض الأحيان تختلف اللهجات من مركز لآخر فى نفس المحافظة.
لكن الدراما المصرية مصرة على وتيرة واحدة من لهجة هزيلة تتقعر فى نطق الحروف بصورة سمجة تدعو لسخرية أهل الصعيد أنفسهم منها.
وحتى الجلباب الصعيدى الذي هو عنوان الصعيدي في قريته ولفة الشال الذى يسمى فى الصعيد (العمة) و هي تاجه فوق رأسه لكم أن تتخيلوا أن لكل محافظة فى الصعيد جلباب وطريقة فى لف العمة.
صورة مشينة
لكن كل هذا مقبول، فهو لا يعيب أهل الصعيد بقدر ما يعيب صناع الدراما على تواضع فنهم، لكن مشكلتى معهم التناول لحياة أهل الصعيد وتقديمها لمن لا يعرف الصعيد بصورة تخالف الواقع بصورة مشينة.
الصعيد تنوع كامل
فأهل الصعيد ليسوا تلك الصورة الوحيدة التى تسوقونها من القساة الغلاظ والمجرمين، أهل الصعيد سادتى ككل البقاع هو تنوع كامل يحوى كل أصناف البشر، لكنهم فى مجملهم والغالب عليهم يا صناع المسلسلات أنهم أكثر أهل مصر طيبة ونقاء وارتباطًا بالدين وقيمه وقواعده ومعظم قرى الصعيد بصبغة صوفية تعلم الأطفال الحب والتسامح والارتباط بالدين والأخلاق والقيم والأعراف.
أهل الصعيد وما تقدمه الدراما
شتان بين أهل الصعيد وما تقدمه الدراما المصرية التى لا تعرف أن فى الصعيد طلاب علم لا يشغلهم سوى النجاح، وأن فى الصعيد شعراء وأدباء ورسامون ومبدعون وقادة وأئمة وعلماء، وفى الصعيد حفاظ للقرآن وسابقون فى مدارس فريدة فى تجويده وترتيله، وفى الصعيد أحيانا فقراء لايجدون قوت يومهم كل شاغلهم الرزق الحلال والسعى الحلال والجهاد فى لقمة العيش لا تجارة المخدرات.
عذرا ما كنت أبغى أن اطيل وسرقتنى الكلمات، لكن بكل بساطة اتركه تسائلًا مفتوحًا لرؤيتكم وحكمكم أنتم.
هل تعتقدون أن العقاد أو البابا شنودة الثالث أو جمال عبدالناصر أو طه حسين أو رفاعة الطهطاوى أو عبدالباسط عبدالصمد والمنشاوى أو المنفلوطى وغيرهم الكثير والكثير أفرزتهم لنا تلك الأسر الصعيدية ونشأوا فى تلك الحياة الصعيدية التى تسوق لها المسلسلات المصرية؟
لن أجيب.. واثق فى فهم القارىء وقدرته على نبذ كل بليد لا يقنع ومتجنى يسيىء من أجل الفن الركيك وجذب المشاهد بادعاء يخالف الحقيقة.
وأتمنى من صناع الفن فى مصر أن يدركوا أن الفنون تأريخ لحياة المصريين يجب أن يتسم بالعدالة فى صياغة الحاضر للأجيال القادمة، فخذوا حرصكم عندما تكتبون الدراما الصعيديه فما نكتبه اليوم هو تاريخ الغد، أقدر كل صناع الدراما في مصر و حرصهم على تقديم أفضل ما يمكنهم صناعته للمشاهد ولكنها دعوه فقط لتصحيح المفاهيم.