عاجل
الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

عمرو عزت حجاج يكتب: الغزو العثمانى بين التاريخ والأكاذيب"1 -2"

تحيا مصر

لقد أفزعنى رد فعل أحد أعضاء هيئة التدريس باحدى الجامعات من المختصين فى علم التاريخ ،عندما وجدته يهاجم بشدة وصف دخول العثمانيين مصر "بالغزو" ،واخذ يؤكد على انه "فتح" ،وكان فزعى ،اكثر عندما اخذ يعدد محاسن هذا الفتح المزعوم ،وكيف انه تم بشكل اقرب الى السلمية منه الى الحرب !!.

وكان ردى التلقائى لنفسى اذا كانت الايدلوجية الفاسدة تفعل هذا بعقول المتخصصين والاكاديميين ؟؟! ،فما هو حال انصاف المتعلمين والجهلاء ؟! ،وكيف نحميهم الا بنشر الحقيقة ،وفضح اكاذيب العثمانيين الجدد ،والعودة الى منطق التاريخ ونصوص المصادر وعرضها للعلن حتى تكون ميسرة لعموم الناس ،كما هوالحال مع اهل الاختصاص والمثقفين .

ومن اجل ذلك عمدت إلى التطرق فى مقالى هذا ،وفى مقالى القادم الى بعض الجزئيات الشائكة فى موضوع الدخول العثمانى الى مصر ،وعرضها وفقا للمصادر الاصلية ،وذلك على النحو التالى :-

أ – غزو ام فتح :

يغضب البعض اذا اقترن دخول العثمانيون مصر بلفظ "الغزو" ،بالرغم من ان الكلمة تعنى اجتياح بلد ما والسيطرة عليها ،ويصممون على استخدام لفظ "فتح" ،فهل هم موفقون فى ذلك ؟

لو جئنا الى القرأن الكريم ،سنجد  فى سورة النصر "وهى سورة مدنية ومن اواخر السور التى  نزلت على رسول الله " ،قول الله تعالى فى الاية 1 (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) ،فهنا حسب قول الطبري عن مجاهد يقصد بالفتح فتح مكة ،ونقل القرطبى عن ابن عباس انها بشرة بفتح مدائن فارس ،وكل هذه المدن ،كانت غير خاضعة لحكم الاسلام ،ولذلك فقد عرف ابن منظور "الفتح " فى كتاب "لسان العرب " بانه افتتاح دار الحرب أى ضمها لدار الاسلام .

فهل كانت مصر قبل دخول العثمانيون ،جزء من دار الحرب على الاسلام ؟!

بالتاكيد من يقول ذلك فهو إما جاهل اومدلس ،فمصر قبل بنى عثمان ،كانت درة بلاد الاسلام ،وحاضنة للخلافة العباسية ،ومصر فى عهد المماليك هى من نظفت بلاد الشام من الاحتلال الفرنجى ،وهى من حطمت شوكت المغول ،ونجحت فى شرح قلوبهم الى الاسلام ،وكانت مصر منارة العلوم الاسلامية فى المشرق والمغرب ونبغ من سكانها آلاف العلماء والفقهاء كالعز بن عبد السلام وابن حجر العسقلانى وابن جماعة والقرافي والمقريزى ...الخ ،هذا بنما كان الاتراك العثمانيين حديثى عهد بالاسلام ،وليس لهم باع بالعلوم الشرعية.

كما ان لفظ فتح لم يطلق على اى مرحلة من مراحل تاريخ مصر عقب فتح مصر على يد الصحابى الجليل عمرو بن العاص ،فلا نقول الفتح الاموى لمصر ولا الفتح العباسي لمصر ،ولا الفتح الايوبى .

 ومن ثم فاطلاق لفظ الفتح على دخول العثمانيين مصر ،هو أمر غير صحيح من الناحية التاريخية،وانما شاع من باب التكريم المبالغ للعثمانيين على حساب الحط من كرامة المصريين ،وكرامة بلادهم .

ب – دوافع الغزو العثمانى التبرير والحقيقة

يري بعض المتحمسين للدولة العثمانية ان اتجاهها لغزو املاك الدولة المملوكية فى عهد سليم الاول ،كان يرجع فى المقام الاول لقيامها بدورها فى حماية العالم الاسلامى من خطر البرتغاليين ،بعد عجز دولة المماليك عن ذلك.

والحق ان حركة الكشوف الجغرافية واكتشاف البرتغاليين لطريق رأس الرجاء الصالح ،كان ضربة قاسية لدولة المماليك ،باعتبارها الوسيط التجاري الاول فى هذا العصر ،وخصوصا بالنسبة لتجارة المحيط الهندى ذات الارباح الطائلة ،وهذه الضربة هى التى اضعفت قوة المماليك سواء فى مواجهة البرتغاليين اوالعثمانيين ،ولكن الاكيد ان الغزو العثمانى لمصر فى عهد سليم ،لم يكن سببه تقصير دولة المماليك فى مواجهة البرتغاليين ،وانما كان حلقةجديدة من حلقات الرغبة العثمانية فى تزعم العالم الاسلامى والسيطرة عليه ،وهذا يتضح من تحرشات العثمانيين بدولة المماليك فى عهود برقوق وابنه فرج وخشقدم وبلغت ذروة السوء فى عهد قايتباى ،حيث تعدد الحروب بين الطرفين ،وذلك كله قبل نجاح حركة الكشوف الجغرافية.

وقد وجد سليم هذه الفترة ملائمة لتحقيق الحلم العثمانى القديم ،بسبب تضعضع هيبة المماليك وضعفها امام البرتغاليين ،وما ترتب عليه من حنق المسلمين عليها ،كما ان سليم كان يتخيل انه بعد الاطاحة بالمماليك ،سوف يتمكن من طرد البرتغاليين ،والسيطرة من جديدة على طرق التجارة الدولية التى تتحكم فيها مصر المملوكية ،وهذا ما فشل فيه العثمانيين.

فنعم تمكن العثمانيون من تأمين مكة والمدينة من غارات البرتغاليين ،ولكنها لم تتمكن من تحجيم الوجود البرتغالي فى الخليج العربي والمحيط الهندى ،واستمرت سيطرة البرتغاليين على العديد من موانى الخليج العربي ،كما فشلت الدولة العثمانية فى دعم مسلمين الصومال ضد اعتداءات الاحباش والذين كانت تمدهم البرتغال بالاسلحة الحديثة وبالمقاتلين .

وهكذا يتضح ان الغزو العثمانى لمصر ،كان عملية صراع سياسي مجردة بين دولة هرمة وتعانى من عوامل الفناء وهى دولة المماليك ،ودولة شابة قوية فاتية تطمح للسيادة والسيطرة وهى الدولة العثمانية ،والدليل على ذلك ما سنراه من قسوة وشراسة العدو المنتصر فى معاملة الشعب المغلوب خلال المقال القادم . 

للحديث بقية

 

عمرو عزت حجاج

عضو مجلس الشيوخ

عضو تنسيقية شباب الاحزاب والسياسيين

تابع موقع تحيا مصر علي