النائب محمد فؤاد يكتب: أبو العينين ومعركة الوعي
ADVERTISEMENT
بحكم تلاصق دائرة العمرانية التي أشرف بتمثيلها في البرلمان، مع دائرة الجيزة، التي توفي نائبها محمد بدوي دسوقي –رحمه الله-، تابعت عن قرب واهتمام ما يجري في هذه الدائرة استعدادا لإجراء الانتخابات التكميلية، من ترشحيات وتنافس وغيره، وكان الأمر يسير في اتجاهه الطبيعي من حشد في الشارع بين المتنافسين، إلا أن الأمور أخذت منحني آخر سيلقي بظلاله على الوضع السياسي، خاصة مع دخول رجل الأعمال محمد أبو العينين المعركة.
وحتى نكون على بينة من البداية، فلست بصدد الحديث عن شخوص المرشحين إطلاقا، كما أنني لست بصدد الحجر على آراء المواطنين الذين لهم الكلمة الأولى والأخيرة في اختيار ممثلهم في البرلمان، والمفاضلة بين المرشحين على المقعد، في سبيل تحقيق مكاسب أكبر. إلا أن الأمر لا يجب أن يمر مرور الكرام في قياس الوعي المجتمعي وتقديره لمسئولية النائب والسياسي والتفرقة بين ذلك وبين الجمعيات الخيرية وموزعي البطاطين أو الزيت والسكر.
توقفت تحديدا أمام فيديو تم تداوله مؤخرا يسجل التواصل بين قيادي حزبي مرموق وأحد المرشحين الآخرين في دائرة الجيزة حيث جاء الكادر الحزبي إلى المرشح الآخر وأنصاره ليقنعه بالتراجع وعدم دخول العملية الانتخابية، مع تقديم وعود بدعمه في الانتخابات اللاحقة وغيره.
وحتى هنا لا توجد أي مشكلة إطلاقا، فهي تفاهمات لا يمكن أن تمثل سبّة للعملية السياسية، إلا أن الكادر السياسي في استعراضه لأسباب حرص "أبو العينين" على هذا المنصب قال: هو لم يكن يريد ولكن الدولة هي من تواصلت معه ليدخل الانتخابات،.. و انه مكلف بمهمة محددة لمدة ٦ أشهر، ولذلك فتنازل الخصم هو تنازل في صالح الدولة!
تحدث الرجل بمفردات قاسية في أمور بدت وكأنها مقبولة وكأن ذلك النسق والنهج من الحديث صار العادي والدارج.. فهل تكون هذه الإنتخابات ركيزة في تشكيل المشهد السياسي من خارجه وتكريس لفكرة تحديد المرشحين من خلال "الدولة"، في خطوة سوف يكون لها نتائجها الكارثية على الوضع السياسي الذي يئن بمفرده.
وصول أبو العينين للبرلمان بهذا الشكل يفسد العديد من المفاهيم السياسية التي ألفتها وكنا في موضع لتطويرها لاحقا، وخاصة وسط محاولات مضنية لإرساء التقييم المبني على الأداء السياسي والدفاع عن قضايا المواطنين وحقوقهم ورقابة الحكومة وتقويمها.. فهل نحن أمام خطوة سوف تضر العملية السياسية بشكل كبير وتعيد أمور لطالما حمدنا الله على استبعادها؟.
أعلم أن الرجل في النهاية إن جاء، فهو اختيار الناس وأنا مؤمن بهذا الاختيار مهما كانت نتيجته، ولكن القضية تظل معركة وعي، ومنافسة بين مفاهيم سياسية، واختيار قائم على من "مسنود" وأيضا "مين أكثر واحد يعمل خير ويصرف على الدائرة"، بالتشابه مع منهج توزيع البطاطين و الكراتين ومن قبلها الإخوان للزيت والسكر في مخالفة للقوانين و الدستور.
الخير ثوابه كبير عند الله، والزكاة ركن من أركان الإسلام الخمس، و الصدقات من خير الطرق للجنة، لكن ليسوا بالضرورة أن يكونوا الطريق للبرلمان، فهذه نقرة وهذه أخرى تماما لا يجب أن يكون هناك رابط بينهما، خاصة وأن الرغبة في الخير لا تتطلب التواجد في البرلمان، ولن يعوقها كون الشخص نائب من عدمه.
وبينما يتحدث الأستاذ ياسر رزق عن الإصلاح السياسي في مقالات متتالية، نجد واقع أشبه بالإفساد السياسي منه للإصلاح، بل نرى أحد كبار الكتاب يشارك في معركة "التغييب" داعيا الناس إلى اختيار "رجل الخير" في البرلمان لما يقوم به من أعمال خيرية.
مشكلة أبو العينين هي تلك المفردات الجديدة الذي أعاد وجوده إنتاجها في العملية السياسية، فرجل يدخل أكبر حزب سياسي على منصب نائب الرئيس مباشرة، ويستند إلى جمعيته الخيرية حتى يصل إلى البرلمان قائلا للجميع أنه "مكلف".
والسؤال الذي يجب أن يطرحه كل مواطن ينوي التصويت لأبو العينين، هل سوف ينحاز للشعب ويواجه الحكومة إذا ما تغولت عليه أم ينحاز لمن كلفه؟..، وهل مقبول أن نستعيض عن الممارسة السياسية بعمل الخير بدعوى أن "الناس محتاجة" و "الناس عاوزة الي يحس بيها"؟.
الغريب أنه في الوقت الذي نجد فيه رئيس الدولة يجاهد في إخراج الأمة من "العوز"، نرى اخرون يستثمرون ذلك "العوز" للوصول إلى المناصب، ويحسبون نفسهم على الدولة!
الأمر كارثي، ويشير إلى المساهمة في إعادة مفاهيم سابقة مفسدة وفاسدة، والهرولة نحو حالة من الانسداد السياسي وقبله انخفاض الوعي المجتمعي. فرغم انتقادات البعض الا اننا بدأنا بالفعل في مسار اكثر تطور لترسيخ اليات عمل سياسي اكثر حداثة. نحن فعلا في مفترق طرق يعكس معركة على تشكيل الوعي الحقيقي لدى المواطن. فإما ان نستحدث اختيارات مبنية على المحتوى أو نكتفي بأليات مؤداها إشباع الأساسيات و بعدها تأتي الحسرة و الضجر من غياب التمثيل الحقيقي للمواطن.