عاجل
الإثنين 25 نوفمبر 2024 الموافق 23 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

أردوغان يخطط لبناء المزيد من السجون في تركيا.. السجون الحالية مكتظة ولا تتسع لآلاف المنشقين والمعارضين له.. وسياسي معارض يؤكد: الأجنحة التي تتسع لـ 20 شخص بها 45.. ووزير العدل يرفض الرد

تحيا مصر

كشفت شبكة “إن بي سي نيوز” الأمريكية أن حملة تطهير ضد آلاف المنشقين والمعارضين ملأت سجون تركيا، وأن الرئيس رجب طيب أردوغان يخطط لبناء المزيد من السجون.

وبيّنت الشبكة أن تركيا التي تعدّ حليفًا رئيسًا لحلف الشمال الأطلسي اعتقلت عشرات الآلاف من المعلمين والمحامين والطلاب والقضاة وغيرهم من المسؤولين وسط حملة لقمع المعارضة تشنها حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان منذ الانقلاب الفاشل في 2016.

وتعاني سجون ومرافق احتجاز تركيا البالغ عددها 384 اكتظاظًا بالفعل إذ تضم 224974 سجينًا حتى الـ 20 من مارس وفقًا لوزارة العدل، وهو فائض بما يقرب من 7% عن قدرتها الاستيعابية الرسمية.

وكشفت الشبكة أن تركيا تحتل الآن المرتبة الثالثة من حيث امتلاك أكبر عدد نزلاء سجون لكل فرد في أوروبا إذ تتصدر القائمة روسيا أولاً ثم دكتاتورية بيلاروسيا. وتتصدر الولايات المتحدة القائمة على مستوى العالم.

ولحل المشكلة، كشفت وزارة العدل التركية في ديسمبر الماضي أنها ستبني 228 سجنًا إضافيًّا خلال الأعوام الخمسة المقبلة.

وقال متحدث باسم “حزب الشعب الجمهوري” المعارض والنائب السابق باريك ياركداش لشبكة “إن بي سي نيوز” إن أجنحة السجن المصمَّمة لاستقبال 20 شخصًا، يتم وضع 45 شخصًا بداخلها اليوم، البعض ينام على الأرض، والبعض الآخر يصاب بأمراض تنفسيّة جرّاء الاكتظاظ. والحل عند حكومة أردوغان هو مجرد مواصلة بناء المزيد من السجون”.

وأوردت الشبكة أن وزير العدل عبد الحميد جول لم يرد على الفور عند طلب الشبكة للتعليق على المسألة.

وبعد انقضاء أكثر من عامين على الانقلاب الفاشل، لا تزال عمليات المداهمة والاعتقال مستمرة؛ إذ تم اعتقال 12 من الأعضاء المتهمين بالمشاركة في الانقلاب هذا الشهر وفقًا لوكالة أنباء الأناضول الرسمية.

وقال عدنان سيكر وهو محام تم اعتقاله بسبب صِلاته المزعومة بحركة فتح الله غولن: “في هذه الأيام، يكفي أن تملك حسابًا مصرفيًّا أو تدرس في جامعة ذات اتصالات بغولن لتعتبرك المحاكم إرهابيًّا”. وينفي سيكر تورطه في الانقلاب، قائلًا “أنا لا أتعاطف حتى مع من يتبنون العنف”.

اعتقالات غير مبرَّرة

كما بيّنت الشبكة أن أردوغان استغل لمدة عامين، حالة الطوارئ التي انتهت الشهر الماضي فقط، لاحتجاز أي شخص يشتبه في ارتباطه بالجماعات المحظورة مثل: حزب العمال الكردستاني الانفصالي الذي تعتبره كلٌّ من الولايات المتحدة وتركيا أنه منظمة إرهابيَّة.

وذكرت “إن بي سي نيوز” أنه من بين هؤلاء المعتقلين العالم في وكالة ناسا سركان جولج الذي يحمل الجنسيتين الأمريكية والتركية والذي أدين بامتلاك روابط مع حركة فتح الله غولن، بينما قالت وزارة الخارجيّة الأمريكيّة إنها مزاعم “تفتقر لأدلة ذات مصداقية”.

وكمثال آخر أشارت “إن بي سي نيوز” إلى أنَّ أنيس كانتر، وهو لاعب وسط في كرة السلة بفريق ” نيويورك نيكس”، وهو مواطن تركي وناقد صريح لأردوغان منذ فترة طويلة، أتّهم في كانون الأول/ ديسمبر بالإساءة لأردوغان في مجموعة من التغريدات عبر تويتر. ويريد المدَّعون محاكمة كانتر غيابيًّا والحكم عليه بالسجن لأكثر من أربع سنوات إذا تمَّت إدانته.

وكتب كانتر في صحيفة “تايم” الأمريكية يوم الثلاثاء أنه لا يستطيع العودة لوطنه بسبب آرائه، إذ قال” في هذا الشهر، سيواجه والدي المحاكمة، هو أستاذ جامعي وليس إرهابيًّا. ونظرًا لكوني لاعب كرة سلة، فإني سعيد لامتلاكي منصة عامة، لذلك استغل كل فرصة للتأكد من أن الجميع يعلم بوحشيّة أردوغان وازدرائه لحقوق الإنسان”.

ظروف احتجاز غير إنسانيّة

وأشارت الشبكة إلى تفاصيل حالة اعتقال طالت صحفيًّا تركيًّا تعكس مثيلاتها، ذاكرةً أنه في الساعة الرابعة فجرًا في ليلة من شهر ديسمبر، سمع تونكا أوغريتين ركلات قوية على باب شقته، ثم قام عشرون ضابط شرطة من مكافحة الإرهاب وهم مسلحون، بإسقاط الباب ونهب المنزل الذي كان يعيش فيه مع خطيبته قبل اعتقاله.

واحتجز أوغريتين في زنزانة تابعة للشرطة بالكاد تبلغ مساحتها 10 أقدام مربعة مع أربعة رجال آخرين لمدة 24 يومًا، بحسب ما أوردته الشبكة، ونظرًا لعدم وجود مرحاض أو دش، كان يجبر على غسل نفسه من خلال توفير زجاجات مياه والتبول في الفارغ منها.

قال أوغريتين “توسلت إليهم قائلًا ‘خذوني إلى السجن‘، إذ ربما كان السجن أفضل من هذا العذاب”. وفي نهاية المطاف أمر قاض بنقله إلى السجن إذ مكث فيه لمدة 10 أشهر إضافية.

وأوضحت الشبكة أن أوغريتين وهو صحفي يبلغ من العمر 37 عامًا، متهم بارتكاب جرائم ضد الدولة بسبب إبلاغه عن قرصنة رسائل بريد إلكتروني تتهم شركة يديرها وزير الطاقة التركي بالتورّط بتجارة النفط من تنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش”. وهو لا يزال بانتظار محاكمته رغم مرور عامين على مداهمة منزله واعتقاله.

لعب الشطرنج

ووصفت الشبكة تفاصيل قاعة المحكمة التي حضر فيها أوغريتين جلسة استماعه الثالثة منذ اعتقاله، إذ ذكرت أنه في أعلى قاعة المحكمة رقم 29 في الطابق السادس من مبنى المحكمة المركزية في إسطنبول.

وبيّنت الشبكة أنه على الرغم من إطلاق سراحه من السجن بكفالة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إلا أنه لم يتم بعد تبرئة أوغريتين من الادعاءات الموجهة ضده كما لم تتم إحالته للمحاكمة. ولا تزال السلطات التركية تحتفظ بأجهزة الكمبيوتر المحمول وأجهزة الآيفون التي صودرت من شقته.

وقال ” لقد صادروا حتى الآيبود، إنها الموسيقى التي أسمعها فحسب، لماذا يحتاجونها؟”.

ويعتقد أوغريتين أن قضيته هي فعل انتقامي من الحكومة نظرًا لإبلاغه عن محتويات رسائل البريد الإلكتروني المقرصنة من صهر الرئيس، بيرات البيرق، بحسب ما نقلته الشبكة.

كما أشارت “إن بي سي نيوز” أنه لم يُسمح له بمقابلة محامٍ إلا بعد مرور خمسة أيام على توقيفه، كما أن التهم الدقيقة الموجهة ضده قد تغيرت مرتين على الأقل؛ إذ اتهم لفترة وجيزة بالعضوية في حزب التحرر الشعبي الثوري المحظور الذي يتبنى الأيديولوجية الماركسية اللينينية.

وأوضحت الشبكة أن البيرق كان وزيرًا للطاقة في عام 2016 عندما تم توزيع رسائل البريد الإلكتروني المخترقة على عدد من الصحفيين، والتي كشفت أن شركته مرتبطة بتجارة النفط من الأراضي التي تسيطر عليها داعش في شمال العراق. وهو الآن وزير المالية المكلّف بإدارة اقتصاد تركيا المضطرب. ونفى البيرق الاتهامات، رغم أن تقرير أورغيترون لم يتم الاعتراض عليه رسميًّا على الإطلاق.

وقال أوغريتين ” بالطبع هم يقومون بهذا لمعاقبتي. في أول جلسة استماع لم يتم توجيه أي سؤال لي. إنها المخاطرة التي نتخذها لتقديمنا التقارير في تركيا”.

وكان أوغريتين يقضي وقته في السجن من خلال لعب الشطرنج مع النزلاء وتمكن من تجنب التعرض للضرب وحتى لعمليات تفتيش النزلاء وهم عراة المشهورة في تركيا.

ووصفت حالة التفتيش في السجون التركية حيث كان يُطلب من السجناء خلع ملابسهم الداخلية كل يوم لإثبات أنهم لا يخفون مواد محظورة. وكتحدٍ لذلك كان أوغريتين ينزل لباسه الداخلي ببساطة، فقال” بعد أن قمت بذلك بضع مرات توقفوا عن طلب ذلك مني”.

وذكرت الشبكة أنه ربما يعد أكثر الأمور قسوةً التي عانى منها أوغريتين خلال اعتقاله هو منعه من رؤية خطيبته مينيز البالغة من العمر 31 عامًا؛ إذ يضمن القانون التركي زيارات السجون فقط للمتزوجين. وفي نهاية المطاف، تزوجا في كنيسة السجن، فقال “أخيرًا أصبح بإمكانها أن تزورني. أنا فخور جدًّا بها. كانت قوية للغاية خلال الأمر بأكمله، إنها صحفيّة أيضًا لذلك هي تتفهم نوعًا ما، لكن الأمر كان صعبًا بالنسبة لها.

وكشفت الشبكة أنه منذ إطلاق سراحه، تمكن أوغريتين من العودة لعمله كصحفي مستقل مع بضع جهات بما في ذلك موقع Dikemالتركي، إلا أنه ممنوع من السفر. وطلب محاموه يوم الخميس من القاضي رفع حظر السفر وإعادة أغراض أوغريتين الشخصية، لكن القاضي رفض ذلك بعد استراحة بسيطة. وقال أوغريتين متنهدًا ” لا يزالون يحتفظون بموسيقاي”.

التعذيب في السجون

ذكرت الشبكة أنه بعد أربعة عقود من نجاح فيلم “ميدنايت إكسبريس” الأمريكي الذي يروي معاناة مواطن أمريكي احتجز في السجون التركية وتعرض لشتى أشكال الإساءة والاعتداء، تحسَّنت الأوضاع في السجون التركية لكن مجموعات حقوق الإنسان تشير إلى أن الضرب والاعتداءات لا تزال شائعة.

ورصد “مركز ستوكهولم للحرية”، في إحدى دراساته بعنوان “حالات الموت والانتحار المشبوهة في تركيا”، ارتفاع عدد الوفيات المشبوهة في السجون ومراكز الاحتجاز التركية حيث يمارس التعذيب وسوء المعاملة. ومن بين الحالات الأخيرة كانت للأكاديمي التركي المتقاعد صبري كولاك الذي اعتقل لأنه ظهر في فيلم وثائقي تلفزيوني عن غولن.
ويشير تقرير وزارة الداخلية الأمريكية حول تركيا إلى قائمة من حالات الإساءة في السجون “تتضمن التعذيب المزعوم للمعتقلين في أماكن الاحتجاز الرسميَّة، وادعاءات بالاختفاء القسري، والاعتقال والاحتجاز التعسفي في ظل حالة الطوارئ لعشرات الآلاف بما في ذلك أعضاء البرلمان”.

ووفقًا للأرقام التي نشرت في تقرير صدر في أغسطس عن مؤسسة الصحافيين والكتاب ومقرّها نيويورك، لا يزال نحو 44 % من السجناء في تركيا ينتظرون المحاكمة أو الاستئناف.

وقال أوغريتين: “على الرغم من انتهاء حالة الطوارئ، إلا أننا ما زلنا نعيشها كل يوم”.
تابع موقع تحيا مصر علي