ياسر حمدي يكتب: وعادت سوريا من أحضان إيران.. ولكن!
ADVERTISEMENT
إسقاط نظام الطاغية بشار الأسد في سوريا كان مهمة شبه مستحيلة، لكنها تحققت بفضل صفقة سرية واتفاق غير معلن متداول على نطاق ضيق، ورقة من عدد من النقاط دفعته لتسليم دمشق بدون مقاومة، لكن تظل المعضلة الكبرى وهي كيف يمكن بناء دولة سورية موحدة مستقلة في ظل الأطماع والصراعات والتحالفات الدولية المتكالبة على تقسيم وتفتيت سوريا والسيطرة عليها؟.
هذا السؤال يطرح نفسه بشدة في هذا التوقيت الحرج من عمر الدولة السورية، وقد تكون الإجابة عليه سهلة وبسيطة بالنسبة لأي محلل سياسي أو ناصح أمين للشعب السوري، فهي تتمثل في كلمتين بسيطتين هما توحيد الجبهة الداخلية السورية، والتخلي عن الأطماع في حكم سوريا لإعلاء المصلحة الوطنية لبناء الدولة، وهذا ما سيؤهلها إلى تشريع دستور وطني جديد يتفق عليه السوريين جميعًا ويعطي لهم كافة الحقوق بالتساوي فيما بينهم، وهو ما سيؤهلهم إلى اختيار رئيس مدني وطني منتخب يبنيها ويحافظ على وحدة وسيادة أراضيها.
لكن هذه الكلمات سهلة وبسيطة رغم أنها هي الناجية المنجية لسوريا وللسوريين بل والشرق الأوسط من الجحيم الذي ينتظر المنطقة العربية بأكملها، لكن تحقيق هاتين الكلمتين على الأرض وبشكل واقعي شيء قد يكون صعب المنال، بل سيكون مستحيلًا في ظل هذه الأطماع، خصوصًا بعد تحوّل خطاب هيئة «تحرير الشام» من تبني الجهاد العالمي إلى التركيز على الشأن المحلي.
فبعد أن سيطرت على مفاصل الدولة لم تعد تستخدم مصطلحات معجم الجهادية العالمية، حيث اختفت مصطلحات المعجم الجهادي القاعدي؛ مثل «جهاد الأمة» أو «جهاد الأمة الإسلامية»، وتراجع استخدام المعجم الجهادي الطائفي مثل «الجهاد ضد النصيرية»، وهو مصطلح ازدرائي يستخدمه السلفيون الجهاديون بشكل أساسي لوصف العلويين، وحلّ مكانها مصطلحات مختلفة؛ مثل «الجهاد» للدفاع عن الثورة السورية، و«النضال من أجل حرية الشعب السوري».
لكنها بقيت ملتزمة بما تطلق عليه ثوابت الحركة التي تقوم على «التوحيد» و«الولاء والبراء» و «حاكمية الشريعة» و «الكفر بالطاغوت» و «رفض العملية السياسية الديمقراطية»، ووجوب «إقامة حكم إسلامي يقوم على الشورى، ومفهوم أهل الحل والعقد» وفقًا لما أكده حسن هنية، الخبير الأردني البارز المتخصص في شؤون الجماعات الإٍسلامية.
على الجانب الأخر نجد «هاريل تشوريف» الباحث البارز في جامعة تل أبيب، قال في تحليله للدور الذي يمكن أن تلعبه هيئة «تحرير الشام» والفصائل المتحالفة معها في إضعاف الوجود الإيراني الداعم لحزب الله: «الخيار الأفضل لإسرائيل الآن هو إضعاف هذه القوى بشكل متبادل، وليس انتصارًا حاسمًا لأي منها» وعليه أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الجيش الصهيوني بالتحرك، واستولى على مسافة 15 كيلو متر من سوريا بخلاف الجولان.
كان المخطط حرب استنزاف طويلة الأمد بين جميع فصائل الإسلام السياسي والجماعات المسلحة كطرف، والعلويين والجيش السوري وحزب الله والمواليين لإيران كطرف أخر يُهلك فيها الجميع على أرض سوريا، لكن إسرائيل فوجئت بانهيار الجيش السوري، وخروج إيران سريعًا لتحمي قواتها، وعدم مشاركة حزب الله إثر تداعيات الحرب الحالية، وحتى لا يعمق ضرره الحالي، هكذا تخطط الدول، لكن حين يجري الواقع، فقد يرسم خطوطًا مختلفة أو غير متوقعة، وهذا مرشح حدوثه في المستقبل، بما في ذلك أن يرتد السهم إلى نحر من خطط ودبر.
إذا لم تتحد الجبهة الداخلية السورية بسرعة البرق وتلملم الشمل، والجميع هناك يراعي المصلحة العليا الوطنية للدولة، فسوف تدخل سوريا في صرعات كبيرة قد تؤدي إلى زوالها كما كان مخططًا لها، كما أن المستفيدين من سقوط نظام الأسد الطاغي سيسعون بكل ما لديهم من قوة للسيطرة على الدولة لتسخيرها في تنفيذ مخططاتهم التي تخدم مصالحهم الخاصة دون مراعاةً لسوريا كدولة وشعب.
فمن المتوقع أن تنظيم «الإخوان» هو من سيحكم سوريا، لأنهم - كما يتوهم الغرب - الفصيل الإسلامي المؤهل «سياسيًا» والوجه المقبول «مدنيًا»، بإعتبار أن الجماعات الإسلامية هي من أسقطت النظام العلوي «الأسد»، وتركيا ستكون اللاعب الرئيسي والراعي الرسمي لـ «سوريا الإخوان»، لإرتباطها المباشر بالواقع السوري وتفاصيله، بإعتبارها جارة سوريا الكبرى (بينهما حدود بطول 910 كيلو).
كما أن سوريا ستكون في «قبضة» تركيا وجماعة الإخوان، ومعلوم التوافق السياسي والفكري بين الجماعة والدولة التركية، والتي من المنتظر أن تُقدم حكومة الإخوان السورية الجديدة للعالم، وتعمل على دعمها أمام المجتمع الدولي، لأن التقاتل بين الجماعات الإسلامية المُسلحة على حكم سوريا الفترة المُقبلة لن يستمر طويلًا، وسينتهي سريعًا لصالح الجماعة الأم (الإخوان) نظرًا لسيطرة تركيا الكاملة علي جميع الفصائل المُسلحة، وارتباطها الوثيق بهذه الكيانات القابلة للسيطرة.
ومن المتوقع أيضًا أن الولايات المتحدة الأمريكية، تحت رئاسة ترامب، ستقبل بحكومة إخوانية لسوريا، وستتعامل معها لملء الفراغ الذي تتركه إيران في منطقة الشام، ومن ثم امتلاك «أداة ضغط» على حماس والإسلاميين في «غزة»؛ لتنفيذ مخطط التهجير الأسود للفلسطينيين خارج فلسطين! وحكم جماعة الإخوان لدولة كبيرة مثل سوريا سيعمل على «تفريغ» القضية الفلسطينية من مضمونها، وتحقيق الأمن لـ إسرائيل!.
ومن المُرجح كذلك أن «دولة سوريا الإسلامية» ستكون بديلًا إستراتيجيًا لتحقيق حلول «الوطن البديل» للفلسطينيين، على اعتبار أن فصائل المُقاومة الفلسطينية غالبيتها العظمى «إسلامية» وبالتالي تحيا الجماعة وتموت القضية، لأن الهدف الإستراتيجي من السماح لـ الإخوان والجماعات الإسلامية من حكم دولة بحجم سوريا هو تكوين «دولة سنية متطرفة»؛ لمواجهة «الدولة الشيعية المتطرفة» (إيران)، وفق نظرية «لا يفل الحديد إلا الحديد»، وبالتالي تغرق المنطقة في أمواج صراعات وحروب لا تنتهي؛ لتبقى إسرائيل - ومعها الغرب - في مأمن من أخطار الشرق «المنكوب» بجماعات لا تقيم للأوطان أي اعتبار.
نعم، نحن عايشنا عصرًا أُسقطت فيه تماثيل، وأنظمة راكدة مستبدة، ورأينا فرحة الناس في الشوارع، لكن لم نرى في هذه الأوطان نهضة حقيقية، ولا تحولات جذرية، ولا حريات حقيقية، فقط استبدلنا أسماء بأسماء، استقطابات هنا وهناك، لكن كيف ننهض؟! هذا الذي لم نعاصره في الوطن العربي باستثناء مصر التي فاق شعبها بسرعة كبيرة واستيقظ لمخططات إسقاطها، وشرع في اسقاط حكم الإخوان المعادي لنظام الدولة المصرية، وكان وعي المصريين هو حائط السد المنيع في الحفاظ على الدولة وهويتها، وسارعوا في إختيار رئيس وطني يحب بلده ويحافظ عليهم ويحميهم من مخططات تقسيم وطنهم على يد جماعات الشر المتطرفة.. حفظ الله سوريا ومصر وجميع الدول العربية.