كيف أصبح حزب الله القوة العسكرية الأقوى في لبنان؟
ADVERTISEMENT
يعيش لبنان اليوم في خضم تصعيد كبير مع إسرائيل، مع سقوط أكثر من 1000 قتيل جراء الهجمات الصاروخية الإسرائيلية التي استهدفت الأراضي اللبنانية خلال الأسبوعين الماضيين. يترافق ذلك مع اجتياح القوات الإسرائيلية لجنوب لبنان، في نزاع طويل الأمد بين إسرائيل وحزب الله. ومع تصاعد الصراع، يثار سؤال حول من يحكم لبنان فعليًا، وكيف أصبح حزب الله لاعبًا رئيسيًا ليس فقط في الساحة العسكرية، بل أيضًا في الحياة السياسية والاجتماعية للبلاد؟
تقاسم السلطة في لبنان: توافق الطوائف وسط أزمة التمثيل
منذ استقلال لبنان عن فرنسا عام 1943، يقوم نظام الحكم في البلاد على توافق طائفي يحدد توزيع المناصب العليا بين الطوائف المختلفة. وفقًا لهذا الترتيب، يتم اختيار رئيس الجمهورية من المسيحيين الموارنة، بينما يُسند منصب رئيس الوزراء للمسلمين السنة، ويتولى المسلمون الشيعة رئاسة البرلمان. هذا الترتيب، المعروف باسم "الميثاق الوطني"، كان يعكس في الأصل التوزيع السكاني للبلاد، حيث كانت الطائفة المسيحية تشكل الأغلبية.
إلا أن التغيرات الديمغرافية التي شهدها لبنان على مر السنين، وخاصة بعد الحرب الأهلية (1975-1990)، جعلت التوزيع الطائفي غير متناسب مع الواقع الحالي. تشير التقديرات إلى أن الشيعة والسنة والمسيحيين أصبحوا يشكلون نسبًا متقاربة من السكان، لكن تقسيم السلطة لم يواكب هذه التغيرات. في البرلمان، لا تزال المقاعد موزعة بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، على الرغم من أن المسلمين باتوا يشكلون الأغلبية.
حزب الله: من مليشيا شيعية إلى القوة السياسية الأولى
تأسس حزب الله في عام 1982 كرد فعل على الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وكانت مهمته الرئيسية مقاومة الاحتلال. بفضل الدعم العسكري والمالي الكبير من إيران، نجح الحزب في تحويل نفسه إلى قوة عسكرية كبيرة بحلول نهاية الحرب الأهلية. وفي حين قامت باقي المليشيات اللبنانية بحل نفسها بعد توقيع اتفاق الطائف في عام 1989، احتفظ حزب الله بسلاحه بحجة مواصلة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي الذي استمر في الجنوب حتى عام 2000.
بعد انسحاب القوات الإسرائيلية، تحوّل حزب الله من تنظيم مقاوم إلى لاعب سياسي رئيسي في لبنان. وفي عام 1992، دخل الحزب إلى البرلمان عبر الانتخابات، ومنذ ذلك الحين يعزز نفوذه السياسي من خلال تحالفاته وشبكاته الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، يسيطر حزب الله على حقائب وزارية داخل الحكومة، مما يتيح له التأثير على القرارات السياسية في البلاد.
القوة العسكرية: ترسانة ضخمة وجيش غير حكومي قوي
يعتمد حزب الله بشكل كبير على جناحه العسكري لتعزيز نفوذه في لبنان والمنطقة. تقدر التقارير الدولية أن الحزب يمتلك ما بين 120 ألف و200 ألف صاروخ وقذيفة، ما يجعله يمتلك واحدة من أكبر الترسانات العسكرية في المنطقة. كما تشير التقديرات إلى أن تعداد مقاتليه يتراوح بين 20 ألف و50 ألف، ما يجعله القوة العسكرية الأقوى خارج الدولة في لبنان. هذه القوة العسكرية تمنح حزب الله تأثيرًا كبيرًا ليس فقط على المستوى المحلي، بل أيضًا في النزاعات الإقليمية، حيث يُنظر إليه على أنه حليف رئيسي لإيران في صراعها مع إسرائيل وحلفائها.
الخدمات الاجتماعية: الحزب الذي يملأ الفراغ
لا يقتصر نفوذ حزب الله على القوة العسكرية والسياسية فقط، بل يمتد ليشمل الخدمات الاجتماعية، التي يلعب الحزب دورًا رئيسيًا في تقديمها للمجتمعات الشيعية في لبنان. يدير الحزب شبكة واسعة من المدارس والمستشفيات والمراكز الاجتماعية في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، مما يمنحه قاعدة شعبية واسعة. في مناطق مثل الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، يعتبر العديد من اللبنانيين أن حزب الله هو الجهة الوحيدة التي تقدم لهم الدعم الذي يحتاجونه في ظل ضعف الدولة اللبنانية.
تحديات الحكم في لبنان: انسداد سياسي وهيمنة حزب الله
على الرغم من هيمنة حزب الله، فإن نظام الحكم في لبنان لا يسمح لأي طائفة أو حزب بالسيطرة المطلقة على السلطة. تعتمد الحكومات اللبنانية على تشكيل ائتلافات تضم جميع الأطراف الرئيسية، ويجب اتخاذ القرارات الكبرى بالإجماع. هذه الديناميكية غالبًا ما تؤدي إلى الجمود السياسي، حيث تتعارض مصالح الأطراف المختلفة. ومع ذلك، يبقى حزب الله القوة الأكثر تأثيرًا بفضل قوته العسكرية وشبكاته الاجتماعية، إلى جانب تحالفاته السياسية القوية.
لبنان بين الطوائف وحزب الله
بين تعقيدات النظام الطائفي في لبنان وتزايد نفوذ حزب الله، يجد لبنان نفسه في وضع حساس. فبينما تواصل الطوائف المختلفة التنافس على السلطة السياسية، يظل حزب الله القوة الأبرز في البلاد بفضل قدراته العسكرية والسياسية. ومع استمرار النزاع مع إسرائيل والتوترات الإقليمية، يبقى السؤال حول مستقبل لبنان مرهونًا بمدى قدرة القوى السياسية المختلفة على التعايش وإيجاد حل لمعادلة السلطة في البلاد.