خلال كلمته في الجلسة الختامية بمؤتمر الإفتاء..
مفتي الأردن: ما نشهده في غزة يمثل واقعًا عمليًّا على الانحدار الأخلاقي تتبناه جهات متطرفة
ADVERTISEMENT
قال سماحة الدكتور أحمد الحسنات، مفتي المملكة الأردنية الهاشمية، بدأت رحلة الإسلام دعوةً عالمية لنشر الخير والفضيلة، بعد أن انتشر الجهل بين الناس، وعمّ الظلم بين البشر، واستفحلت الأخلاق الفاسدة بين الأمم، فبعث الله تعالى نبيه ليصحح مسار التاريخ، ويعيد ترتيب المنظومة الإنسانية على ما يحبه الله تعالى ويرضاه، وكان من أبرز عناصر هذه الدعوة رحلة المسلمين إلى أرض الحبشة، بتوجيه من النبي صلى الله عليه وسلم، فابتدأت بذلك منظومة التعاون والوئام بين الناس جميعًا لتحقيق مفهوم الخير الشامل، والتعاون على تعزيز قيم الصلاح التي ترتقي بالناس.
حالة الفوضى التي يعيشها العالم اليوم تدعونا جميعًا علماءَ ومفتين وقادةً دينيين إلى توحيد الجهود لتصحيح مسار البشرية
وأضاف خلال كلمته في فعاليات الجلسة الختامية في المؤتمر العالمي للإفتاء، نجد هذا المفهوم في محاورة سيدنا جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه التي لخّص فيها رسالة الإسلام بأنها دعوة لعبادة الله عز وجل، ونشر قيم الخير والفضيلة، فقال رضي الله عنه: (أيُّها الملِكُ كنَّا قومًا أَهْلَ جاهليَّةٍ نعبدُ الأصنامَ، وَنَأْكلُ الميتةَ، وَنَأْتي الفواحِشَ، ونقطَعُ الأرحامَ، ونُسيءُ الجوارَ، ويأكلُ القويُّ منَّا الضَّعيفَ، فَكُنَّا على ذلِكَ حتَّى بَعثَ اللَّهُ إلينا رسولًا منَّا نعرفُ نسبَهُ، وصِدقَهُ، وأمانتَهُ، وعفافَهُ، فدعانا إلى اللَّهِ لتوحيدِهِ، ولنَعبدَهُ ونخلعَ ما كنَّا نعبدُ نحنُ وآباؤُنا من دونِهِ منَ الحجارةِ والأوثانِ، وأمرَنا بصِدقِ الحديثِ، وأداءِ الأمانةِ، وصلةِ الرَّحمِ، وحسنِ الجوارِ، والكفِّ عنِ المحارمِ والدِّماءِ، ونَهانا عنِ الفواحشِ، وقولِ الزُّورِ، وأَكْلِ مالِ اليتيمِ، وقذفِ المُحصنةِ، وأن نعبُدَ اللَّهَ لا نشرِكُ بِهِ شيئًا)، فكانت هذه المنظومة الأخلاقية التي ذكرها جعفر بن أبي طالب سببًا للتعاون بينهم وبين النجاشي ملك الحبشة رضي الله عنه والحفاظ عليهم وحمايتهم في بلاده.
الفتوى أحد أهم العوامل في توجيه الرأي العام ولم تعد محصورة في أهل بلدةٍ
وتابع: تعتبر الفتوى أحد أهم العوامل في توجيه الرأي العام، ولم تعد الفتوى محصورة في أهل بلدةٍ أو بلد بإطارٍ محددٍ خاص بأهل تلك البلاد، ولكنها في زماننا أخذت صفة العموم، فمن الممكن اليوم للفتوى أن تطير عبر الآفاق بثوانٍ معدودة بسبب ثورة المعلومات، والعالم الرقمي الذي أصبح هو عصب الحياة في زماننا هذا، لذلك كان لزامًا على مؤسسات الإفتاء في العالم توحيد جهودها في القضايا العامة التي تهم الأمة بمجموعها، وجمع كلمتها وتوجيه بوصلتها باتجاه يخدم مصالح الأمة ويضعها على خارطة الحضارة العالمية كجزء من البناء الإنساني.
اجتماع المؤسسات الإفتائية والقادة الدينيين هو أصل من أصول شريعتنا الغرّاء دلَّتنا عليه النصوص الشرعية
وهناك مجموعة من العوامل ساهمت في زيادة أثر الفتوى في الأمن الاجتماعي وجعلته في هذا العصر أكثر من أي عصر مضى.
وأشار إلى أن من بين هذه العوامل:
أولًا: التطور الهائل في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة مما زاد في سرعة انتشار الفتوى وجعلها أكثر تأثيرًا في الأمن الاجتماعي، وهذا يتطلب من وسائل الإعلام أن تنشر الفتاوى الموثوقة وأخذها عن العلماء الموثوقين وعدم السماح لغير المؤهلين بالمشاركة في برامج الفتاوى وعدم نشر فتاواهم.
ثانيًا: الوعي الديني الذي تعيشه الأمة في هذا الزمن، وقد زاد هذا الوعي من نسبة التدين لدى المسلمين، مما جعل للفتوى تأثيرًا مهمًا ومباشرًا على حياتهم.
ثالثًا: عموم الفتوى: ذلك أن من صفات الفتوى أنها تأخذ صفة العموم، بخلاف القضاء الذي يكون للأشخاص المتخاصمين فقط، ولا يتعداهم إلى غيرهم، أما الفتوى فإذا ما صدرت فإنها تأخذ صفة العموم وتكون تشريعًا عامًّا لجميع المسلمين، وهذا يجعلها أكثر أثرًا وأعظم خطرًا وأكبر تأثيرًا، ويجب أن يلاحظ هذا المفتون والقائمون على شأن الفتوى، ولذا فيجب أن تقتصر الفتاوى العامة التي تهتم بالشؤون العامة على مجالس الإفتاء والمجامع الفقهية دون الفتاوى الفردية.
رابعًا: تعدد جهات الفتوى وتجرؤ الكثير ممن ليس له أدنى معرفة بالعلم الشرعي على الفتوى فصدرت فتاوى ساهمت في تهديد منظومة القيم الأخلاقية، والاعتداء على الكرامة الإنسانية، والإخلال بالأمن الاجتماعي ممن ليس بأهل للفتوى بعدم إدراك خطورة الفتوى وأهميتها، ولأجل ذلك فالمسؤولية الجماعية تحتم علينا جميعًا أن ننتبه لأهمية الفتوى وخطورتها.
وأكد مفتي الأردن أن حالة الفوضى التي يعيشها العالمي اليوم تدعونا جميعًا علماءَ ومفتين وقادةً دينيين إلى توحيد الجهود وتكاتفها لنعيد البوصلة إلى اتجاهها الصحيح، وأن نصحح مسار البشرية، إيمانًا منَّا بوجوب تحقيق أمانة الاستخلاف التي كلّفنا الله تعالى بها في قوله سبحانه: (إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)، فينبغي لنا أن لا نترك حفظ هذه الأمانة لأصحاب الجهل والظلم، ليتحكموا بمصير العالم، بل لا بد من إعادة بناء منظومة القيم الإنسانية العالمية، المبنية على أسس أخلاقية، وجّهنا لها الله سبحانه وتعالى، وأمرنا بها نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
كما شدد على أن اجتماع المؤسسات الإفتائية والقادة الدينيين هو أصل من أصول شريعتنا الغرّاء دلتنا عليه النصوص الشرعية الكريمة، وتعلمناه من منهج النبي صلى الله عليه وسلم في بناء أمته، وتربية صحابته الكرام، وأول هذه الأصول التي نستند إليها في وجوب التعاون بين مؤسساتنا هو قول الله سبحانه وتعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ