عاجل
الأحد 22 ديسمبر 2024 الموافق 21 جمادى الثانية 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

سعد الهلالي: الميراث ليس من ثوابت الدين.. والمفتي: الإرث أمر إلهي ثابت ولا اجتهاد فيه

الدكتور سعد الدين
الدكتور سعد الدين الهلالي

أثار الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، جدلاً فقهياً كبيراً، بعدما أعلن، في حوار نشرته البوابة نيوز، وأجراه الزميل محمد غنوم، أن أمور أمور الإرث ليست من الثوابت، وأن الميراث قرار شعبى وأهلي وليس دينياً، ولاقى هذا الكلام اعتراضاً كبيراً من علماء الدين، خاصة أن هناك آيات قرآنية خاصة بالمواريث قطعية الثبوت والدلالة ولا اجتهاد فيها، بل يجب أن تنفذ كما أمرنا الله تعالى، لأن الخالق جل شأنه هو من تكفل بتقسيم المواريث، وبين لنا كيفية تقسيمها في القرآن الكريم.

هل أمور الإرث ليست من الإسلام ومتروكة للاجتهاد؟
 

وفي تصريح سابق، أكد الدكتور شوقي علام –مفتي الجمهورية- أن المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة أمر مخالف للشريعة الإسلامية وإجماع العلماء على مر العصور، فيما يتعلق بالنصوص التي فرضت استحقاق الرجل مثل حظ الأنثيين؛ كون تقسيم الميراث في هذه الحالات قد حُسِمَ بآيات قطعية الثبوت والدلالة، وهي قوله تعالى في ميراث الابن مع البنت: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» (النساء: 11)، وقوله تعالى في ميراث الأخت الشقيقة أو لأب مع أخيها الذي في درجتها وقوة قرابتها «وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» [النساء: 176].

لا اجتهاد في النصوص قطعية الدلالة قطعية الثبوت

وأضاف المفتي في فتوى سابقة له، أنه لا اجتهاد في النصوص التي هي قطعية الدلالة قطعية الثبوت بدعوى تغيُّر السياق الثَّقافي الذي تعيشه الدول والمجتمعات الآن مثلما يدعي البعض؛ إذ إنَّ تلك النصوص المقطوع بدلالتها وثبوتها تُعد من ثوابت الشريعة، فالقرآن الكريم قطعيُّ الثبوت من ناحية آياته، وهو يشمل آيات كثيرة دَلالتها قطعية لا شك فيها، ولا تحتمل ألفاظها إلا معنًى واحدًا ينبغي أن تُحملَ عليه، والاجتهاد في مثل تلك الحالات يؤدي إلى زعزعة الثوابت التي أرساها الإسلام.

مساواة الرجل بالمرأة في مجمل الحُقوق والواجبات

وأوضح مفتي الجمهورية أنَّ الإسلام كان حريصًا كل الحرص على مساواة الرجل بالمرأة في مجمل الحُقوق والواجبات لا في كل تفصيلةٍ، وقد بَيَّنتِ الشريعة الغراءُ أن التمايزَ في أنصبة الوارثينَ والوارثات لا يَرْجعُ إلى معيار الذُّكورةِ والأنوثةِ، وإنما هو راجعٌ لحِكَمٍ إلهيةٍ ومقاصدَ ربانيَّةٍ قد خَفِيتْ عن هؤلاء الذين جعلوا التفاوتَ بين الذكورِ والإناث في بعض مسائل الميراثِ وحالاته شبهةً على عدم كمالِ أهليةِ المرأةِ في الإسلامِ، فالمرأة في نظرِ الإسلام وشرعهِ كالرجلِ تمامًا، لها ما للرجل من الحقوق، وعليها ما عليه من الواجبات.

 

حتمية مساواة المرأة بالرجل  دعوى لا يُعتدُ بها وزَعْمٌ باطِل

وتابع المفتي: "إن تلك الدعوى التي يطلقها البعض من حتمية مساواة المرأة بالرجل، بزعم أنَّ الإسلامَ يُورِّثُ مطلقًا الذكرَ أكثرَ من الأنثى؛ هي دعوى لا يُعتدُّ بها وزَعْمٌ باطِلٌ؛ فالمرأةُ في دينِنا الحنيفِ لها أكثرُ من ثلاثينَ حالةً في الميراث، ونجدُ الشَّرعَ الحنيفَ قد أعطاها في كثير من الأحيان أكثرَ مما أعطى الرجل".

 

متى تتساوى المرأة مع الرجل في التركة؟

وضرب مثالًا على ذلك: لو أن امرأةً ماتتْ عن زوج وبنتٍ، فما نصيبُ كلٍّ منهما؟ يأخذ الزوجُ الرُّبعَ، في حين أنَّ البنت -وهي أنثى- تأخُذُ النصف، فيكون نصيبها ضعف نصيب الرجل.. وتارةً جعلها الشارع تَرِثُ كالرجل تمامًا؛ بمعنى أنَّها تشاطِرُه المالَ المتروكَ وتكون مساوية له، ومثال ذلك: لو أنَّ رجلًا مات عن أولاد ذكور وإناثٍ وأمٍّ وأبٍ؛ ففي هذهِ الحالةِ نجدُ الأمَّ -المرأة- يكون نصيبها كنصيبِ الأب.

 

حالات تأخذُ فيها المرأةُ نصفَ الرجلِ في الميراث

وواصل: أمَّا عن الحالات التي تأخذُ فيها المرأةُ نصفَ الرجلِ، والتي يتَشَدَّقُ بها المزايدونَ على الإسلامِ، فأكد مفتي الجمهورية أنها لا تَعْدُو أَرْبَعَ حالاتٍ، وهي: إذا وُجِدَتِ البِنْتُ معَ الابنِ وإِنْ تَعَدَّدوا، وإذا وُجِدَتِ الأُخْتُ الشَّقِيقةُ مع الأخِ الشَّقِيقِ وإنْ تَعَدَّدُوا، وإذا وُجِدَتِ الْأُخْتُ لأبٍ مَعَ الْأَخِ لأبٍ وإنْ تَعَدَّدُوا، وإذا وُجِدَتْ بِنْتُ الابنِ مَعَ ابنِ الابنِ وإن تَعَدَّدُوا.

 

واختتم المفتي، مؤكدًا دعم دار الإفتاء الكامل لجميع حقوق المرأة وعدم ظلمها، وأن الدار تدعو دائمًا إلى تمكينها من حقوقها العلمية والسياسية والمجتمعية، عبر الفتاوى التي تصدرها الدار، ولكنها في نفس الوقت تقف أمام محاولات التغيير فيما فرضه الله في كتابه الكريم من حقوق للرجل والمرأة على حد سواء.

 

هل يجوز توزيع التركة بالتساوي

قال الشيخ علي فخر، أمين الفتوى، بدار الإفتاء المصرية، إن توزيع التركة بالتساوى له احتمالان الأول أن يوزع الرجل صاحب التركة ما لديه على أولاده وهو على قيد الحياة بالتساوى حال حياته فهنا كان الأمر توزيع أملاك وليس تركة وهذا جائز شرعا.

 

وأضاف «فخر» في فتوى له، أن الاحتمال الثاني وهو التوزيع بعد الموت وهنا لا يكون إلا بالطريقة الشرعية وهى الميراث بالأنصبة المخصصة لكل وارث ولا يكون فيها التساوي، وعلى هذا فلا نستطيع تطبيق أحكام الميراث على الأملاك، فلا يجوز للرجل التفرقة بين أولاده توزيع الأملاك قبل موته فعليه أن يوزع بينهم بالتساوى، أما توزيع التركة بعد الموت فيطبق عليها أحكام الميراث.

وتابع: من يوزع التركة بعد وفاة والده بالتساوى لا يجوز شرعا، وذلك بأن المتحكم فى التركة كالابن الأكبر وأراد أن يوزع التركة بينه وبين أخوته بالتساوى فهذا مناقض لشرع الله، منوها أنه قد يجوز هذا الأمر بأن يتفق الأولاد الذكور والبنات على هذا التوزيع فيكون الذكور قد تنازلوا برضاهم عن جزء من أنصبتهم لأخواتهم البنات.

 

المساواة في الميراث

قالت أمانة الفتوى بدار الإفتاء، إن حقَّ المرأة في الميراث شرعًا يُنظر إليه من جهتين: الأولى: أنَّ الله سبحانه وتعالى هو الذي حدَّد أنصبة المواريث وقدَّر فرائضها؛ لذلك سمي هذا العلم بـ"بعلم الفرائض". والثانية: أن تحديد أنصبة الوارثين ليس مبنيًّا على نوع الجنس الوارث، وإنما جاء بناءً على ثلاثة عوامل: قوة القرابة، والامتداد والبعضية، وحجم المسؤولية. فإذا تساووا في قوة القرابة والامتداد والبعضية، كان عامل المسؤولية سبب الزيادة في الميراث، وليست هذه الزيادة مطَّردة في كل ذكر وأنثى، بل هي في الذكر المتحمل لنفقة الأنثى شرعًا. حتى إذا استوى الحال في عامل المسؤولية -كحال الإخوة والأخوات لأم- استوى نصيب الذكر والأنثى في الميراث.

 

وأوضحت: وأما الادعاء بأن الآية المذكورة ليست محكمةً وأن نصها قابلٌ للاجتهاد: فهو كلام باطل؛ لأن مسائل الميراث على نوعين:- نوعٌ انعقد الإجماع عليه وأصبح معلومًا من الدين بالضرورة، ونوعٌ لم ينعقد عليه الإجماع؛ فالأمر فيه واسع، واختلاف الفقهاء فيه رحمة، ونص الآية الكريمة مندرجٌ تحت النوع الأول -وهو ما انعقد عليه الإجماع-؛ لا اجتهاد فيه، ولا يتغير بتغير العصر أو تطاول الزمن.

 

بيان الفرق بين المساواة والتسوية


أنصفت الشريعة الإسلامية المرأة وأعلت مِن شأنها بعدما كانت مظلومة الحقوق قبل الإسلام، حتى وصف عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك بقوله: "وَاللهِ إِنْ كُنَّا فِي الجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ، وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ" متفق عليه.

 

وضمنت الشريعة حقَّ المرأة في الميراث وحرمت أكله بالباطل، وأقر الإسلام مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، وأما الدعوة إلى المساواة التامة بين الرجل والمرأة فإن الإسلام قد أقر المساواة، ولم يقر التساوي الذي يتعلق باختلاف الوظائف لاختلاف الخصائص التي تتعلق بالتكوين الخاص بكل منهما.

المساواة


فقد أقرت الشريعة الإسلامية المساواة في نحو قوله تعالى: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ» (آل عمران: 195)، وفي نحو قوله تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (النحل: 97)، وفي نحو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الشريف عن عائشة رضي الله عنها: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» رواه الإمام أحمد في "المسند"، وأبو داود والترمذي في "السنن".

 

وأما التساوي المطلق:


فلم يقره الشرع الشريف؛ نظرًا لاختلاف الخصائص والوظائف للـذكر والأنثى؛ قال تعـالى: «وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى» (آل عمران: 36)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم لَعَنَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَلَعَنَ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ" رواه الإمام أحمد في "المسند"، وأبو داود والترمذي في "السنن".

فالمساواة بينهما حاصلة في أصل الإنسانية والحرية والكرامة، وتكليف كلٍّ منهما بما يستطيع؛ قال تعالى: «لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» (البقرة: 286)؛ فالمساواة على مستوى التشريع ومقاصده العليا أمر حتمي يؤصل القرآن الكريم له تأصيلًا دقيقًا؛ كي لا يترك مجالًا لمن يحاولون تحكيم العادات والتقاليد الجاهلية الظالمة للنساء، أو يسعون في تغليفها بالدين وجعلها سيفًا مُصْلَتًا على رقاب النساء، مستمدين سطوتهم من جهل الناس بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وثوابت هذا الدين العظيم.

 

وأفادت أمانة الفتوى: بناءً على ذلك: فالمواريث من الأمور التعبدية والشريعة الإسلامية لم تظلم المرأة بعدم مُساواة ميراثها بميراث الرجل في بعض الحالات، وهذا التفاوت الحاصل في أنصبة الميراث بينهما تظهر حكمته فيما بينهما من التفاوت في الأعباء المالية المقرَّرة على كل منهما.
 

 

تابع موقع تحيا مصر علي