حكم نحر الأضحية أثناء خطبة العيد.. اعرف التوقيت الصحيح
ADVERTISEMENT
ما حكم ذبح الأضحية أثناء خطبة العيد؟ إنه إذا ذبح الرجل أضحيتَه أثناء خُطبة العيد فإنها تجزئ عنه، ولا حرج عليه في ذلك شرعًا، و الأضحية مِن العبادات التي اختصها الشرع الشريف بوقت معلوم، حيث قال الله تعالى في شأنها: «وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ» [الحج: 28]، وأجمع الفقهاء على أنَّ الأضحيةَ لا يُجْزِئُ ذَبْحُهَا قَبْلَ طُلُوعِ فجرِ يوم النحر.
الوقت الذي يجزئ فيه الذبح بعد طلوع الفجر
قالت دار الإفتاء، إن مع إجماع الفقهاء على عدم إجزاء ذبح الأضحية قبل طلوع فجر يوم النحر، إلا أنهم اختلفوا في أَوَّلِ الوقت الذي يجزئ فيه الذبح بعد طلوع الفجر، ويرجع سبب هذا الاختلاف إلى تعدُّدِ رواياتِ الأحاديثِ الواردة في هذه المسألة.
وأضافت دار الإفتاء، أنه ذهب الحنفيةُ إلى أنَّ أَوَّلَ وقتِ ذبح الأضحيةِ يبدأُ بعد طلوع الفجر الصَّادِقِ يوم النَّحْرِ، لكن بشرط أنْ يكون الذَّبْحُ بعد أداء صلاة العيد إذا كان المضحي في بلدةٍ تقام فيها صلاةُ العيد، أما إذا كان المضحي في قريةٍ صغيرةٍ أو مكانٍ لا تُقَام فيه صلاةُ العيد فَيُجْزِئُهُ الذَّبْحُ بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ مباشرةً ولو لَمْ يُصَلِّ صلاةَ العيد.
وتابعت: واستَدَلُّوا على ذلك: بما جاء عن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".. وما جاء عن البَرَاء بنِ عازبٍ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ أَوَّلَ نُسُكِ يَوْمِكُمْ هَذَا الصَّلَاةُ» أخرجه الإمامان: أحمد والروياني في "مسنديهما".
وأوضحت أن ووجه الدلالة مِن الحديثين: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيَّن أنَّ أوَّل النُّسُكِ يومَ الأضحى الصلاةُ، ثمَّ رَتَّبَ الذبحَ عليها، وذلك في حقِّ مَن يصلي العيد، أمَّا أهل البوادي والقُرى الصغيرة فلا تلزمهم صلاة العيد، ومِن ثَمَّ فلا يَثبُت الترتيبُ في حقهم، فلو ذَبَحُوا أضاحيهم بعد طلوع الفجر أجزأهم ذلك.
وأكملت: قال الإمام عَلَاءُ الدِّينِ الكَاسَانِي في "بدائع الصنائع" (5/ 73، ط. دار الكتب العلمية) في بيان أحكام الأضحية وشروطها: [وأمَّا الَّذِي يرجِعُ إلى وقت التَّضْحِيَةِ: فهو أنَّها لا تجوز قبل دخول الوقت؛ لأنَّ الوقت كما هو شَرْطُ الوجوبِ فهو شرطُ جواز إقامة الواجب، كوقت الصلاة، فلا يجوز لأحدٍ أنْ يُضَحِّيَ قبل طلوع الفجر الثَّانِي من اليوم الأول من أيام النَّحْرِ، ويجوز بعد طلوعه، سواء كان مِن أهل المِصر أو مِنْ أَهْلِ القُرَى، غير أنَّ للجوازِ في حَقِّ أَهْلِ المِصْرِ شرطًا زائدًا وهو أنْ يكون بعد صلاة العيد، لا يجوز تقديمُها عليه عندنا.. وَلَوْ ضَحَّى قَبْلَ فَرَاغِ الإمامِ مِنَ الخُطْبَةِ أَوْ قَبْلَ الخُطْبَةِ جَازَ؛ لأنَّ النَّبِي عليه الصلاةُ والسلامُ رَتَّبَ الذَّبْحَ على الصلاةِ لا عَلَى الخُطْبَةِ فيما رُوِّينَا مِنَ الأحاديث، فَدَلَّ أنَّ العِبْرَةَ للصلاةِ لَا للخُطْبَةِ].
وذهب المالكيةُ والإمام أحمد في رواية: إلى أنَّ وقت الذَّبْحِ يبدأُ بعد صلاةِ العيد والخطبة وَبَعدَ ذَبْحِ الإمامِ لأضحيته، وذلك لما جاء عن أبي بُرْدَةَ بنَ نِيَارٍ: أنه ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا يَومٌ اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ، وَإِنِّي عَجَّلْتُ نَسِيكَتِي لِأُطْعِمَ أَهْلِي وَجِيرَانِي وَأَهْلَ دَارِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَعِدْ نُسُكًا» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
فإذا لم يذبح الإمامُ ففي وقت الذبح خلافٌ عند المالكية، فقال بعضُهم: المعتَبَرُ صلاةُ الإمام، وقال البعضُ: المعتَبَرُ مرورُ قَدْرِ زَمَنِ ذبحِ الإمامِ لأضحيته بعد الصلاة. والمقصود بالإمام: هو إمام الناس في صلاة العيد على الراجح مِن المذهب، كما في "الفواكه الدواني" للإمام شهاب الدين النَّفَرَاوِي (1/ 380، ط. دار الفكر).
وقت نحر الأضحية عند الشافعية
وذَهَبَ الشافعيةُ والإمام أحمد في روايةٍ إلى أنَّ أول وقت الذبح للأضاحي يبدأ إذا طلعت شمسُ يومِ النحر بَعْد مُضِيِّ قَدْرِ صلاة العيد والخطبتين؛ لأن الخُطبتين تابِعَتَان للصلاة فَكَانَتَا كالجزء منها. واستَدَلُّوا على ذلك بما استدلَّ به الحنفية مِن أحاديث، غَيرَ أنهم قالوا: إنَّ المراد بالصلاة في هذه الأحاديث الواردة إنما هو تقديرُ زمان الذبح بها، وليس المراد فعل الصلاة نَفْسه؛ لأنَّ التقدير بالزمان أشبه بمواقيت الصلاة وغيرها، ولأنه أضبط للناس في الأمصار.
قال الإمام النَّوَوِي الشافعي في "المجموع" (8/ 389، ط. دار الفكر) في بيان مذاهب العلماء في وقت الأضحية: [مذهبنا: أنَّهُ يَدْخُلُ وقتها إذا طلعت الشمس يوم النحر ثم مَضَى قَدْر صلاة العيد وخطبتين.. فإذا ذَبَحَ بعد هذا الوقت أَجْزَأَهُ، سواء صلَّى الإمامُ أم لا، وسواء صلَّى المضحي أم لا، وسواء كان مِن أهلِ الأمصار أو مِن أهل القرى أو البوادي أو المسافرين، وسواء ذَبَحَ الإمامُ ضَحِيَّتَهُ أم لا، هذا مذهبنا] .
مذهب الحنابلة في وقت الذبح
وذهب الحنابلة في الصحيح إلى أنَّ أول وقت الذبح يبدأ بعد صلاة العيد مباشرةً قبل الخطبة في حق أهل الأمصار والقرى التي تقام فيها صلاة العيد، أو بعد مُضِيِّ قَدْر الصلاة في حق غيرهم ممن لا تُقام عندهم صلاة العيد؛ لأنهُ لا صلاةَ في حقهم تُعتبر، فوجب الاعتبار بقَدْرها، ولا يلزم المضحي أن ينتظرَ انتهاءَ الخطبة أو مُضِيَّ قَدْرها لكي يذبح أضحيته، وذلك لظاهر الأحاديث الواردة التي استدل بها فقهاءُ الحنفية والشافعية، حيث لم تَشترط هذه الأحاديثُ مُضِيَّ الخُطبة أو قَدْرها، وإنما رَتَّبَت الذبحَ على الصلاة وَحْدَها.
قال الإمام ابن قُدَامَةَ في "المغني" (9/ 452، ط. مكتبة القاهرة) في بيان أول وقت الذبح للأضاحي يوم النحر: [والصحيح -إن شاء اللهُ تعالى- أنَّ وَقْتَهَا فِي الموضِعِ الَّذي يُصَلَّى فيهِ بعد الصَّلاة؛ لِظَاهِرِ الخبرِ، والعملُ بظاهرهِ أَوْلَى، فأمَّا غيرُ أهلِ الأمصارِ والقُرَى، فأوَّلُ وَقْتِهَا في حقِّهم قَدْرُ الصَّلاةِ والخُطبةِ بعدَ الصَّلاةِ؛ لأنَّهُ لا صلاةَ في حَقِّهِم تُعْتَبَرُ، فَوَجَبَ الاعْتِبارُ بِقَدْرِهَا].
بيان المختار للفتوى في هذه المسألة
أفادت دار الإفتاء، بأن الذي عليه العمل والفتوى: أن الأمر في هذه المسألة على السعة؛ لاختلاف أحوال الناس في ذلك وتراتيبهم، فمتى قلَّد المضحي أيًّا مِن مذاهب الفقهاء المجتهدين فيها فلا إثم عليه في ذلك ولا حرج، وتجزئه أضحيته شرعًا؛ لِمَا تقرر في قواعد الشرع الشريف في هذا السياق مِن أنه "لَا يُنْكَرُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ وَإِنَّمَا يُنْكَرُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ".